حينما نزل قول الله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) القمر / 17. وجاء تأكيد هذا المعنى في سورة القمر أربع مرات وهي الآيات: (17، 22، 32، 40)، وهذا التكرار يدل على أهمية الموضوع وخطره، وأن التعامل مع القرآن العظيم لا يتوقف عند التلاوة والحفظ، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى التدبر في الآيات، والغوص في النص القرآني في دلالة الألفاظ وغاياتها
حين تلونا هذه الآيات من سورة القمر شعرنا بمسؤوليتنا عن فهم النص المتلو، وإدراك مقاصده، وإنزالها على أرض الواقع لتتحول بعد ذلك إلى سلوك عملي يلتزم به المسلم، ويعرف به، وهكذا رفع الحق سبحانه وتعالى عن المسلمين الحرج، وشعرنا بإقبال القرآن علينا مثل إقبالنا عليه، وأننا يوم القيامة سوف نسأل عن بيان واضح جلي تكفل الله تعالى بحفظه وبيانه، ومنذ وعينا هذا التوجيه الرباني صار لزامًا علينا أن نسبر أغوار النص القرآني ولا نتهيب، وها هي وقفات نقفها مع الآيات نتدبر معانيها ، والوقفة الأولى هي مع قصة الغراب التي جاءت في قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانًا فتقبل من أحدهما ولَم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين (28) إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين (29) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30) فبعث الله غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين (31)) سورة المائدة.
والسؤال الذي شغلني هو: إذا كانت الغاية من هذا البيان الإلهي المعجز هو تعليم قابيل كيف يواري سوأة أخيه هابيل، فكان من الممكن أن يستخدم كلمة (يدفن أو يلحد أو يحفر) فقد تؤدي واحدة من هذه الكلمات أو الألفاظ الغاية، ولماذا بالتحديد استخدم القرآن الكريم كلمة أو فعل «يبحث» ليستر سوأة أخيه؟ وكأن فعل «يبحث» ينبهنا إلى أن ليس كل أرض صالحة لأن تكون لحدًا، وأيضًا فإن عملية البحث تتطلب حركة دائمة للغراب ليلفت انتباه قابيل، فيتابعه، فإذا ما تنبه قابيل إلى الغراب وأخذ يتابعه عندها فقط يقع الغراب على مكان مخصوص، فيحفر حفرة يواري فيها أخاه، وبالتالي تتحقق الغاية من بعث الله تعالى الغراب للقيام بها، ثم علينا أن نلاحظ مشتقات فعل «يبحث»، منها: بحث، وبحوث، وباحث، وغيرها فكان اختيار فعل «يبحث» هو الأولى والأوفق في هذه القصة القرآنية.
أما الوقفة الثانية مع الآيات القرآنية، فهي عن أهمية الإسلام وضرورته للإنسان كما هي ضرورة الأكسجين للإنسان، فنجدها في قوله سبحانه وتعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنما يصَّعَّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) الأنعام / 125. القرآن العظيم في هذه الآية الجليلة يتحدث عن نقص الأكسجين في السماء، وكلما واصل الإنسان صعوده في السماء قلَّ عنصر الأكسجين وشعر الإنسان بضيق في صدره، لذلك يتم تكييف الطائرات، والمركبات الفضائية ليحافظوا على جو هذه الوسائل حتى يكون جوها هو نفس جو الأرض، فلا يشعر مستخدمو هذه الوسائل بأي تغيير.
والآية العظيمة، البالغة الجمال والجلال تصور في بيان محكم حالة الإنسان وما يشعر به من ضيق كلما صعد في السماء، وهذا هو حال الإنسان الذي يضيق صدره بتناقص عنصر الأكسجين في السماء، وهذا من عظمة البيان القرآني، والعطاء الرباني.
إذًا، فالإسلام للأحياء، والإنسان بالخصوص بمثابة عنصر الحياة الذي لا تستقيم الحياة إلا به، ولا يشعر الإنسان بانشراح صدره، واطمئنان قلبه ونفسه إلا به، وبفقدانه تنتهي الحياة، وتكون الحياة بغير الإسلام حياة هي أقرب إلى حياة السوائم منها بحياة الإنسان. هذا هو الإسلام، وهذه هي أهميته في حياة البشرية كلها.
وصدق الله العظيم: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد / 28.
وبعد، فانظروا إلى عظمة البيان الإلهي، وجلاله حيث لم يختر صفة من صفات الله الحسنى لتكون مصدرًا من مصادر الاطمئنان، بل اختار الاسم الأعظم (الله) الجامع لجميع الصفات لأن الإنسان لا يعلم أي صفة تحقق له الأمن والأمان والاطمئنان دون غيرها من الصفات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك