العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

وقفات.. مع الآيات!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٣١ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

حينما‭ ‬نزل‭ ‬قول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬ولقد‭ ‬يسرنا‭ ‬القرآن‭ ‬للذكر‭ ‬فهل‭ ‬من‭ ‬مدكر‭) ‬القمر‭ / ‬17‭. ‬وجاء‭ ‬تأكيد‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬القمر‭ ‬أربع‭ ‬مرات‭ ‬وهي‭ ‬الآيات‭: (‬17،‭ ‬22،‭ ‬32،‭ ‬40‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬التكرار‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الموضوع‭ ‬وخطره،‭ ‬وأن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القرآن‭ ‬العظيم‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬التلاوة‭ ‬والحفظ،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬التدبر‭ ‬في‭ ‬الآيات،‭ ‬والغوص‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬القرآني‭ ‬في‭ ‬دلالة‭ ‬الألفاظ‭ ‬وغاياتها‭ ‬

حين‭ ‬تلونا‭ ‬هذه‭ ‬الآيات‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬القمر‭ ‬شعرنا‭ ‬بمسؤوليتنا‭ ‬عن‭ ‬فهم‭ ‬النص‭ ‬المتلو،‭ ‬وإدراك‭ ‬مقاصده،‭ ‬وإنزالها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬لتتحول‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬عملي‭ ‬يلتزم‭ ‬به‭ ‬المسلم،‭ ‬ويعرف‭ ‬به،‭ ‬وهكذا‭ ‬رفع‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عن‭ ‬المسلمين‭ ‬الحرج،‭ ‬وشعرنا‭ ‬بإقبال‭ ‬القرآن‭ ‬علينا‭ ‬مثل‭ ‬إقبالنا‭ ‬عليه،‭ ‬وأننا‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬سوف‭ ‬نسأل‭ ‬عن‭ ‬بيان‭ ‬واضح‭ ‬جلي‭ ‬تكفل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بحفظه‭ ‬وبيانه،‭ ‬ومنذ‭ ‬وعينا‭ ‬هذا‭ ‬التوجيه‭ ‬الرباني‭ ‬صار‭ ‬لزامًا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نسبر‭ ‬أغوار‭ ‬النص‭ ‬القرآني‭ ‬ولا‭ ‬نتهيب،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬وقفات‭ ‬نقفها‭ ‬مع‭ ‬الآيات‭ ‬نتدبر‭ ‬معانيها‭ ‬،‭ ‬والوقفة‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬مع‭ ‬قصة‭ ‬الغراب‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬واتل‭ ‬عليهم‭ ‬نبأ‭ ‬ابني‭ ‬آدم‭ ‬بالحق‭ ‬إذ‭ ‬قربا‭ ‬قربانًا‭ ‬فتقبل‭ ‬من‭ ‬أحدهما‭ ‬ولَم‭ ‬يتقبل‭ ‬من‭ ‬الآخر‭ ‬قال‭ ‬لأقتلنك‭ ‬قال‭ ‬إنما‭ ‬يتقبل‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬المتقين‭ (‬27‭) ‬لئن‭ ‬بسطت‭ ‬إلي‭ ‬يدك‭ ‬لتقتلني‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬بباسط‭ ‬يدي‭ ‬إليك‭ ‬لأقتلك‭ ‬إني‭ ‬أخاف‭ ‬الله‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭ (‬28‭) ‬إني‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬تبوء‭ ‬بإثمي‭ ‬وإثمك‭ ‬فتكون‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬النار‭ ‬وذلك‭ ‬جزاء‭ ‬الظالمين‭ (‬29‭) ‬فطوعت‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬قتل‭ ‬أخيه‭ ‬فقتله‭ ‬فأصبح‭ ‬من‭ ‬الخاسرين‭ (‬30‭) ‬فبعث‭ ‬الله‭ ‬غرابًا‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬ليريه‭ ‬كيف‭ ‬يواري‭ ‬سوأة‭ ‬أخيه‭ ‬قال‭ ‬يا‭ ‬ويلتا‭ ‬أعجزت‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الغراب‭ ‬فأواري‭ ‬سوأة‭ ‬أخي‭ ‬فأصبح‭ ‬من‭ ‬النادمين‭ (‬31‭)) ‬سورة‭ ‬المائدة‭.‬

والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬شغلني‭ ‬هو‭: ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البيان‭ ‬الإلهي‭ ‬المعجز‭ ‬هو‭ ‬تعليم‭ ‬قابيل‭ ‬كيف‭ ‬يواري‭ ‬سوأة‭ ‬أخيه‭ ‬هابيل،‭ ‬فكان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يستخدم‭ ‬كلمة‭ (‬يدفن‭ ‬أو‭ ‬يلحد‭ ‬أو‭ ‬يحفر‭) ‬فقد‭ ‬تؤدي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬أو‭ ‬الألفاظ‭ ‬الغاية،‭ ‬ولماذا‭ ‬بالتحديد‭ ‬استخدم‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬كلمة‭ ‬أو‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬يبحث‮»‬‭ ‬ليستر‭ ‬سوأة‭ ‬أخيه؟‭ ‬وكأن‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬يبحث‮»‬‭ ‬ينبهنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ليس‭ ‬كل‭ ‬أرض‭ ‬صالحة‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬لحدًا،‭ ‬وأيضًا‭ ‬فإن‭ ‬عملية‭ ‬البحث‭ ‬تتطلب‭ ‬حركة‭ ‬دائمة‭ ‬للغراب‭ ‬ليلفت‭ ‬انتباه‭ ‬قابيل،‭ ‬فيتابعه،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬تنبه‭ ‬قابيل‭ ‬إلى‭ ‬الغراب‭ ‬وأخذ‭ ‬يتابعه‭ ‬عندها‭ ‬فقط‭ ‬يقع‭ ‬الغراب‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬مخصوص،‭ ‬فيحفر‭ ‬حفرة‭ ‬يواري‭ ‬فيها‭ ‬أخاه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تتحقق‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬بعث‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الغراب‭ ‬للقيام‭ ‬بها،‭ ‬ثم‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬مشتقات‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬يبحث‮»‬،‭ ‬منها‭: ‬بحث،‭ ‬وبحوث،‭ ‬وباحث،‭ ‬وغيرها‭ ‬فكان‭ ‬اختيار‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬يبحث‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الأولى‭ ‬والأوفق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬القرآنية‭.‬

أما‭ ‬الوقفة‭ ‬الثانية‭ ‬مع‭ ‬الآيات‭ ‬القرآنية،‭ ‬فهي‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬الإسلام‭ ‬وضرورته‭ ‬للإنسان‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬ضرورة‭ ‬الأكسجين‭ ‬للإنسان،‭ ‬فنجدها‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬فمن‭ ‬يرد‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يهديه‭ ‬يشرح‭ ‬صدره‭ ‬للإسلام‭ ‬ومن‭ ‬يرد‭ ‬أن‭ ‬يضله‭ ‬يجعل‭ ‬صدره‭ ‬ضيقًا‭ ‬حرجًا‭ ‬كأنما‭ ‬يصَّعَّد‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬كذلك‭ ‬يجعل‭ ‬الله‭ ‬الرجس‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭) ‬الأنعام‭ / ‬125‭. ‬القرآن‭ ‬العظيم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬الجليلة‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬نقص‭ ‬الأكسجين‭ ‬في‭ ‬السماء،‭ ‬وكلما‭ ‬واصل‭ ‬الإنسان‭ ‬صعوده‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬قلَّ‭ ‬عنصر‭ ‬الأكسجين‭ ‬وشعر‭ ‬الإنسان‭ ‬بضيق‭ ‬في‭ ‬صدره،‭ ‬لذلك‭ ‬يتم‭ ‬تكييف‭ ‬الطائرات،‭ ‬والمركبات‭ ‬الفضائية‭ ‬ليحافظوا‭ ‬على‭ ‬جو‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬جوها‭ ‬هو‭ ‬نفس‭ ‬جو‭ ‬الأرض،‭ ‬فلا‭ ‬يشعر‭ ‬مستخدمو‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬بأي‭ ‬تغيير‭.‬

والآية‭ ‬العظيمة،‭ ‬البالغة‭ ‬الجمال‭ ‬والجلال‭ ‬تصور‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬محكم‭ ‬حالة‭ ‬الإنسان‭ ‬وما‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬ضيق‭ ‬كلما‭ ‬صعد‭ ‬في‭ ‬السماء،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬يضيق‭ ‬صدره‭ ‬بتناقص‭ ‬عنصر‭ ‬الأكسجين‭ ‬في‭ ‬السماء،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬عظمة‭ ‬البيان‭ ‬القرآني،‭ ‬والعطاء‭ ‬الرباني‭.‬

إذًا،‭ ‬فالإسلام‭ ‬للأحياء،‭ ‬والإنسان‭ ‬بالخصوص‭ ‬بمثابة‭ ‬عنصر‭ ‬الحياة‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تستقيم‭ ‬الحياة‭ ‬إلا‭ ‬به،‭ ‬ولا‭ ‬يشعر‭ ‬الإنسان‭ ‬بانشراح‭ ‬صدره،‭ ‬واطمئنان‭ ‬قلبه‭ ‬ونفسه‭ ‬إلا‭ ‬به،‭ ‬وبفقدانه‭ ‬تنتهي‭ ‬الحياة،‭ ‬وتكون‭ ‬الحياة‭ ‬بغير‭ ‬الإسلام‭ ‬حياة‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬حياة‭ ‬السوائم‭ ‬منها‭ ‬بحياة‭ ‬الإنسان‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬أهميته‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭.‬

وصدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭: (‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬وتطمئن‭ ‬قلوبهم‭ ‬بذكر‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬بذكر‭ ‬الله‭ ‬تطمئن‭ ‬القلوب‭) ‬الرعد‭ / ‬28‭.‬

وبعد،‭ ‬فانظروا‭ ‬إلى‭ ‬عظمة‭ ‬البيان‭ ‬الإلهي،‭ ‬وجلاله‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يختر‭ ‬صفة‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬الله‭ ‬الحسنى‭ ‬لتكون‭ ‬مصدرًا‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الاطمئنان،‭ ‬بل‭ ‬اختار‭ ‬الاسم‭ ‬الأعظم‭ (‬الله‭) ‬الجامع‭ ‬لجميع‭ ‬الصفات‭ ‬لأن‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أي‭ ‬صفة‭ ‬تحقق‭ ‬له‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭ ‬والاطمئنان‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الصفات‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا