قلنا في مقالات سابقة إن التخطيط الشخصي يمكن أن يُعد من الركائز الأساسية في حياة الإنسان الفرد، وحتى في المؤسسات أيًا كان حجمها، لذلك نجد أن من الذكاء الإداري أن يقوم الفرد مع بداية كل عام بالنظر في مخططه الشخصي والحياتي، فإن وجد أنه تمكن من تحقيق جزء من مخططه فإن هذا الأمر جيد، ولكن إن وجد أنه لم يتمكن من ذلك – أيًا كانت الأسباب – فإنه عليه ألا ييأس وإنما عليه أن يبدأ من جديد، وأن يأخذ ورقة وقلما ويبدأ في وضع خطة للعام الجديد.
ويمكن أن نلخص أهمية التخطيط في هذه الحكاية؛ يقول أحدهم:
كنت أسير في غابة، وإذا أمامي مجموعة من الأفراد استوقفني أحدهم وقال: إلى أين تؤدي هذه الغابة؟ فقلت: إلى أين تريدون الذهاب؟ فقال: لا نعرف ولكن يجب أن نصل. قلت: اذهبوا في هذا الطريق. فقال ذلك الفرد: وهل هذا الطريق سيوصلنا؟ قلت: إن كنت لا تعرف إلى أين تريد أن تصل، فكل الطرق سواء.
فالإنسان الذي لا يخطط لحياته فإنه لا يعرف إلى أين يريد أن يذهب. وهذا يعني ببساطة أن التخطيط، هو أن تحدد النقطة التي تريد أن تبلغها، وفي الزمن الذي تريد أن تبلغه، وكيف يمكنك أن تسير إلى تلك النقطة، هكذا ببساطة.
إذن، كيف نخطط للعام القادم؟
أولاً: دائمًا، عندما نبدأ التخطيط يجب أن نستخدم ورقة وقلما، وأن نمارس (منهجية الشخابيط)، بمعنى أن نكتب ما يحلو لنا، ومن غير حدود، نكتب أهدافنا، ورغباتنا، وتطلعاتنا وكل ما يخطر على بالنا، وهذه الشخابيط وهي الأوراق الأولية التي نكتبها قبل المسودة الأولى، إنما هي (شخابيط) لا يعرفها أحد إلا أنت فقط.
ثانيًا: من خلال تلك الشخابيط يمكننا أن نعمل المسودة الأولى، وفي هذه المسودة ومن خلال الشخابيط يمكن أن نحدد بعض الخطوط العريضة أو الملامح الأولية للخطة السنوية، وهي أيضًا لا يمكن الاعتماد عليها، إذ إنها ما زالت المسودة الأولى.
ثالثًا: تحديد الاحتياجات الأساسية، في هذه المرحلة نكون قد تجاوزنا مرحلة العصف الذهني والشخابيط إلى تحديد: ماذا أريد أن أحقق هذا العام. ولا نقصد هنا أن نحدد أهدافنا، وإنما هنا وفي هذه المرحلة نحدد رغباتنا واحتياجاتنا وذلك من خلال هرم الاحتياجات الإنسانية أو أي نموذج آخر، مثل: أريد تطوير نفسي من حيث الوظيفة، أو الدراسة أو ما شابه ذلك، أو أريد شراء سيارة أو منزل. وهذا يعني مجرد تحديد الاحتياجات الأساسية للإنسان، أي ماذا أريد أن أحقق هذا العام. وهذا لا يعني أن نحدد احتياج أو رغبة واحدة إذ يمكن وضع العديد من الاحتياجات ليصبح لديك عدة احتياجات وعلى أثر ذلك يمكن السير في كتابة الخطة السنوية.
رابعًا: تحديد الرسالة؛ فالرسالة هي معتقدات الإنسان وقيمه وأولوياته والقواعد التي بناء عليها يتخذ قراراته، وهي تمثل الاتجاه الكلي للإنسان وتوضح رغباته والمعنى الذي من أجله يفعل ما يفعله. ويحلو للبعض أن يطلق عليها المهمة أي مهمة الإنسان في الحياة أو دوره؛ لماذا هو على قيد الحياة؟ ما سبب بقائه في الوجود؟ بمعنى آخر ما يود الإنسان أن يسير عليه في الحياة، فلكل إنسان أن يسأل نفسه ببساطة أو يسأل غيره: ما رسالتي في الحياة؟ أو ما دوري في الحياة؟ أو ما مهمتي في هذه الحياة؟ ما أهميتي في الحياة؟
والرسالة هي جملة مختصرة بمقصد الإنسان وغايته من حياته، فعادة ما تكون جملة عامة وطريق دائم، مثل:
{ أن أكوّن جوًا من الاستقرار والحب النفسي والعائلي والاجتماعي.
{ أن أكون سببًا في التقدم والرقي الفكري والأخلاقي والمهني للمجتمع.
خامسًا: تحديد الرؤية؛ تعرف الرؤية أنها الحلم الذي نحلم به أو الحلم الذي نود تحقيقه أو بتعبير آخر هي حلم أكبر بقليل عن إمكاناتنا الحالية، وعلى الرغم من ذلك نود تحقيقه (وهي حلم طامح وليس جامح). وتعرف أيضًا أنها النتيجة النهائية التي نسعى لصنعها، أو ما نود الوصول إليه، ويجدها الآخرون أنها كلمة عامة للأهداف، لذلك تعرف عند البعض أنها الأهداف الاستراتيجية أو الأهداف البعيدة المدى أو الشيء الذي نخطط له لنعمله غدًا أو الأسبوع القادم، أو الشهر أو السنة القادمة.
وحتى نصل إلى توضيح أكثر وضوحًا للرؤية فإننا يمكن أن نقول إن الرؤية هي الإجابة عن السؤال التالي: ماذا أريد أن أصنع في حياتي؟ ما الصورة المستقبلية التي أود أن أكون عليها؟ مثل:
{ أريد أن أحيا حياة تتمركز حول قيمي بالتواصل والإبداع والمساهمة وأن أقدر مواطن القوة لدي.
{ أن أكون مدربة للعقول، كوني شخصية مؤثرة وبارعة في حل المشاكل والتفاوض ولدي روح الدعابة.
{ أن أوازن بين حياتي العملية وحياتي الشخصية وأصنع لنفسي سمعة ممتازة وحسنة.
سادسًا: تحديد الأهداف؛ نصل في هذه المرحلة إلى تحديد الأهداف، والتي تعني باختصار:
{ ما يسعى إليه الفرد من أجل تحقيقه.
{ الموجه لسلوك الفرد، وهو ما يشبع الدافع، وإليه يتجه السلوك، ويكون في العادة شيئًا خارجيا.
{ النتيجة الحاسمة التي يسعى إليها الفرد.
{ وصف ما يجب إنجازه، أو النتائج المحددة التي يُتوقع تحقيقها، أو الغايات المتوقعة من الفرد.
لذلك يجد الكثير من الباحثين أن من خصائص الهدف أنه يقود، ويوجه ويرشد السلوك الإرادي لغـرض الوصول إلى المـسعى وتحقيقه، فلولا تلك القيادة، وذلك الإرشاد والتوجيه للفعل والحركة لانتاب العمل الإنساني تعثرات، وفوضى ويصبح السلوك لا يحقق غاية مبتغاة المحددة، ويغدو النشاط وبذل المجهود لا يعني أي شيء، ويتساوى حينذاك النشاط وعدمه في القيمة، أو تصير العملية السلوكية آلية روتينية وتقليدية لا يرجى من نتائجها أية فائدة تذكر، وبالتأكيد فإن ذلك العمل في النهاية لا يؤدي بالإنسان أو المجتمع إلى أي تغيير أو تطور فكري أو ثقافي، أو حضاري يذكر، وذلك على اعتبار –طبعًا– أن التربية الهادفة والمقصودة هي الاداة المرشحة والمتفق عليها بأنها الأفضل والأوثق للتغيير الفكري والثقافي للفرد وللجماعة وتخدم أغراض المجتمع على خير ما يرام، مثال للأهداف:
{ الحصول على درجة الماجستير في إدارة الموارد البشرية من جامعة البحرين في شهر يونيو 2025.
{ قراءة 4 صفحات من القرآن الكريم بعد الانتهاء من كل فرض يوميًا.
{ ممارسة رياضة المشي 30 دقيقة ما بين 8 والـ8:30 صباحًا كل يوم اثنين والأربعاء طوال العام.
سابعًا: وضع الخطة؛ الآن وبعد أن قمنا بتحديد الأمور النظرية كلها، يجب أن نحول هذه الأمور والأهداف إلى خطة عملية، وما زلنا على الورق، فمثلاً؛ كان هدفي: تنمية العلاقات الأسرية (أسرتي الصغيرة)، حسنٌ، ماذا يمكنني أن أفعل لتحقيق هذا الهدف؟
نقسم الخطة إلى مهام، مثلاً:
{ ماذا يمكن أن أفعل مع الأولاد؟
{ ماذا يمكن أن أفعل مع زوجتي أو زوجي؟
{ ماذا يمكن أن أفعل مع البيت؟
ثم بعد ذلك، حدد لكل فئة ماذا تريد أن تفعل، فمثلاً:
{ الأولاد: أجلس معهم كل يوم من الساعة الخامسة مساءً إلى السابعة للمذاكرة وتطوير القراءة والكتابة لديهم. ويمكن كذلك، أخرج معهم في الأسبوع مرة واحدة – لنقل يوم الجمعة – للترويح عن النفس. ويمكن مثلاً: في شهر يونيو –أي في الإجازة الصيفية– السفر إلى الدولة الفلانية. وهكذا.
{ الزوجة أو الزوج: الخروج مع شريك الحياة كل يوم خميس لتناول العشاء. قضاء عصر كل أربعاء معه أو معها حتى صلاة العشاء، نشرب الشاي ونتكلم.
وهكذا يمكن تقسيم الحياة، وهذا لا يعني أنه لا يمكن أن تواجهنا بعض المعضلات هنا وهناك، ولكن كل الأمور يمكن تعديلها حسب ما نرغب وحسب الظروف الطارئة التي يمكن أن تحدث.
وبعد ذلك ربما تكون هناك أمور وأهداف أخرى، مثلاً:
{ أريد أن أتخرج من الثانوية العامة، البكالوريوس، الماجستير، الدكتوراه، كيف يمكنني تحقيق ذلك؟ ماذا أفعل؟ وكم المدة الزمنية التي أحتاجها لإنجاز ذلك؟
{ أريد أن أرتقي في وظيفتي، ماذا وكيف أفعل؟
{ أريد بناء أو شراء منزل العمر، ماذا أحتاج لتحقيق هذا الهدف؟
ومن الذكاء جدًا أن تضع أكثر من هدف، فإن لم تتمكن من تحقيق هذا الهدف فإنه يمكنك تحقيق الهدف الآخر، والأهداف التي لم تتمكن تحقيقها هذا العام يمكن تأجيلها للعام القادم، مع بذل مزيد من الجهد.
ولكن من الضروري أن:
{ تكون خطتك مكتوبة على ورق.
{ معلقة على الجدار بحيث تراها كلما غدوت أو رجعت.
{ تراجع الخطة كل شهر وتتأكد أنك تسير وفق الخطة.
{ قيمّ خطواتك، ولكن حاول بقدر الإمكان ألا تحيد عن الخطة إلا للضرورة القصوى.
{ يمكن تأجيل أو تغيير في الخطة، أو يمكن إن استجدت أمور غير عاجلة تأجيل بعض الأمور إلى السنة القادمة ومع الخطة القادمة. ولكن إن كانت هناك ضرورة قصوى يمكنك تعديل الخطة بأقل ما يمكن.
{ في نهاية العام، قم بتقييم الخطة والإنجازات التي تمكنت من فعلها، احتفل بالنجاحات حتى ولو كانت صغيرة، أو بالنسبة إلى بعض الأهداف التي لم تتمكن من إنجازها فيمكن ترحيلها للعام القادم.
هذه ملامح سريعة لوضع مخطط بسيط، ولكل مخطط تفريعات وتفصيلات لا نريد الخوض فيها، المهم أن يكون للمرء خطة عمل بدلاً من العشوائية التي نمارسها بصورة دائمة.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك