العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

متى نكف عن تقديس الإعلام الغربي؟

بقلم: عبدالله بن بخيت

الأحد ٣١ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

ثقافات‭ ‬وقيم‭ ‬تربَّينا‭ ‬عليها‭ ‬أزمنة‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬وعينا‭ ‬حقائق‭ ‬تكاد‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬الدحض؛‭ ‬أولى‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬حرية‭ ‬الإعلام‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير‭ ‬المقدسة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬الغربية‭. ‬في‭ ‬أول‭ ‬زيارة‭ ‬لبريطانيا‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬شيء‭ ‬زرناه‭ ‬ووقفنا‭ ‬عليه‭ ‬ركن‭ ‬الخطباء‭ ‬في‭ ‬حديقة‭ ‬الهايد‭ ‬بارك‭ ‬بلندن‭. ‬كنا‭ ‬نسمع‭ ‬عنه‭ ‬ثم‭ ‬سمعنا‭ ‬بأذاننا‭ ‬خطابات‭ ‬الخطباء‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الركن‭ ‬الإعلامي‭ ‬الشهير‭. ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬حقك‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬جالون‭ ‬أو‭ ‬صندوق‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يعلو‭ ‬بك‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬وتقول‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تقوله‭. ‬تنتقد‭ ‬ملكة‭ ‬بريطانيا‭ ‬وتسخر‭ ‬منها‭ ‬ومن‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائها‭ ‬وتنتقد‭ ‬الكنيسة‭ ‬وتنتقد‭ ‬حكومات‭ ‬العالم‭ ‬إذا‭ ‬شئت‭. ‬صحب‭ ‬هذا‭ ‬إذاعة‭ (‬هنا‭ ‬لندن‭) ‬التي‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬ينتظرونها‭ ‬لتخبرهم‭ ‬بالحقائق‭ ‬التي‭ ‬تخفيها‭ ‬عنهم‭ ‬حكوماتهم،‭ ‬وعرفنا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرية‭ ‬العظيمة‭ ‬متوفرة‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬البريطانية‭ ‬والغربية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬العموم،‭ ‬فالقانون‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬يحمي‭ ‬حق‭ ‬التعبير‭ ‬المقدس‭.‬

من‭ ‬أهم‭ ‬الطرائف‭ ‬التي‭ ‬تداولناها‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬تلك‭ ‬الطُّرفة‭ ‬التي‭ ‬رواها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬رونالد‭ ‬ريجان‭: ‬أن‭ ‬مواطناً‭ ‬أمريكيا‭ ‬قال‭ ‬لمواطن‭ ‬روسي‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننتقد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعترضنا‭ ‬أحد،‭ ‬فرد‭ ‬عليه‭ ‬الروسي‭ ‬قائلاً‭ ‬ونحن‭ ‬أيضاً‭ ‬يحق‭ ‬لنا‭ ‬نقد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعترضنا‭ ‬أحد،‭ ‬فضحك‭ ‬الجمهور‭ ‬حتى‭ ‬بانت‭ ‬نواجذهم‭ ‬وضحكنا‭ ‬أيضاً‭.‬

لحظة‭ ‬دخول‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬أوكرانيا‭ ‬فوجئنا‭ ‬برد‭ ‬فعل‭ ‬غربي‭ ‬بدا‭ ‬لنا‭ ‬غريباً‭. ‬توحَّد‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬وأصبح‭ ‬ميكروفوناً‭ ‬واحداً،‭ ‬ثم‭ ‬توالت‭ ‬القرارات‭ ‬اللاغية‭ ‬للقيم‭ ‬التي‭ ‬تعودناها‭ ‬منهم،‭ ‬نسوا‭ ‬أن‭ ‬الرياضة‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالسياسة،‭ ‬وتبين‭ ‬أن‭ ‬الاتحادات‭ ‬الرياضية‭ ‬هي‭ ‬أداة‭ ‬سياسية‭ ‬عند‭ ‬الحاجة،‭ ‬وأغلقوا‭ ‬أي‭ ‬منبر‭ ‬إعلامي‭ ‬يعبِّر‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الروسية‭ ‬ونهبوا‭ ‬استثمارات‭ ‬المستثمرين‭ ‬الروس‭.‬

أما‭ ‬بعد‭ ‬هجوم‭ ‬7‭ ‬ديسمبر‭ ‬فأصبح‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬المكشوف،‭ ‬أسقطوا‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬ولم‭ ‬يستثنوا‭ ‬منها‭ ‬حتى‭ ‬قتل‭ ‬الأطفال،‭ ‬تنزل‭ ‬آلاف‭ ‬القنابل‭ ‬تدمر‭ ‬المستشفيات‭ ‬وتمسح‭ ‬المدارس‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭ ‬وتسحق‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬وتطارد‭ ‬الهاربين‭ ‬من‭ ‬الجحيم‭ ‬وتقتل‭ ‬الصحفيين‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬صار‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬النفس‭. ‬فتأكد‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬يديره‭ ‬جهاز‭ ‬واحد‭ (‬حرفياً‭). ‬نفس‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرح‭ ‬في‭ ‬الـ‭(‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‭) ‬يطرح‭ ‬في‭ (‬فوكس‭ ‬نيوز‭) ‬وفي‭ ‬الـ‭(‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭) ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الميديا‭. ‬صياغة‭ ‬السؤال‭ ‬واحدة‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الجواب‭ ‬واحداً‭. ‬يختفي‭ ‬عند‭ ‬اللزوم‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬وإعلام‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬ندينه‭ ‬معهم‭.‬

في‭ ‬مواجهة‭ ‬العقيدة‭ ‬الراسخة‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬كنا‭ ‬نبرر‭ ‬ونغفر‭ ‬أي‭ ‬خروج‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مسؤول‭ ‬غربي‭. ‬تصدر‭ ‬أمريكا‭ ‬بيانات‭ ‬تنديد‭ ‬شديدة‭ ‬اللهجة‭ ‬ضد‭ ‬الصين‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬زمبابوي‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬شرقاً‭ ‬وغرباً‭. ‬كانت‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ (‬غير‭ ‬الديموقراطية‭) ‬توجع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الغربية‭ ‬وتبكيها‭. ‬كنا‭ ‬نؤيدها‭ ‬حسب‭ ‬الحاجة‭. ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬موجهة‭ ‬ضد‭ ‬خصومنا‭ ‬أبرزناها‭ ‬وبروزناها،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬موجهة‭ ‬ضدنا‭ ‬أبرزها‭ ‬خصومنا‭ ‬وبروزوها،‭ ‬وبهذا‭ ‬التبادل‭ ‬المستمر‭ ‬اكتسبت‭ ‬بيانات‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بنا‭ ‬صدقية‭ ‬تكاد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬القدسية،‭ ‬وتطور‭ ‬الأمر‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬تقارير‭ ‬الصحف‭ ‬الغربية‭ ‬عنا‭ ‬وعن‭ ‬خصومنا‭ ‬مرجعية‭ ‬ندعم‭ ‬بها‭ ‬آراءنا‭. ‬تسمع‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬بكل‭ ‬ثقة‭ ‬‮«‬النيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬ذكرتها‭ ‬يا‭ ‬أخي‮»‬‭ ‬فيصمت‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬مسلّماً‭ ‬طالما‭ ‬أوردتها‭ ‬الـ‭(‬نيويورك‭ ‬تايمز‭) ‬أو‭ (‬الواشنطن‭ ‬بوست‭) ‬أو‭ (‬الفورين‭ ‬بولسي‭) ‬وحتى‭ ‬الـ‭(‬صن‭ ‬البريطانية‭).‬

متى‭ ‬نكف‭ ‬عن‭ ‬تقديس‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي؟

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬سعودي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا