العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الدولة الإرهابية التي فقدت عقلها!

بقلم: محمد ياغي {

السبت ٣٠ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

يوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬استيقظت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬خطير‭ ‬أنها‭ ‬أوهن‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬العنكبوت‭.‬

لقد‭ ‬تمكن‭ ‬بضع‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬مقاتلي‭ ‬القسام‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬الهزيمة‭ ‬الأكبر‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها‭. ‬فهم‭ ‬لم‭ ‬يقضوا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬فرقة‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المكلفة‭ ‬حماية‭ ‬غزة،‭ ‬ولم‭ ‬يكتفوا‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مستوطنات‭ ‬غلافها،‭ ‬وإنما‭ ‬أخذوا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائتين‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬والمدنيين‭ ‬كأسرى‭ ‬ومحتجزين‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬اكتشف‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الحقائق‭ ‬الآتية‭:‬

أولاً‭: ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭ ‬ويثق‭ ‬فيه‭ ‬ويأتمنه‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬قد‭ ‬خذله،‭ ‬فهو‭ ‬لم‭ ‬يفشل‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الشعب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭.‬

ثانياً‭: ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجيش‭ ‬قد‭ ‬فقد‭ ‬توازنه‭ ‬وأن‭ ‬حملته‭ ‬لتصفية‭ ‬مقاتلي‭ ‬القسام‭ ‬الذين‭ ‬سيطروا‭ ‬على‭ ‬غلاف‭ ‬غزة‭ ‬قد‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬العشرات‭ ‬وربما‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أنفسهم‭.‬

ثالثاً‭: ‬أن‭ ‬دولتهم‭ ‬قد‭ ‬فُضِحت،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬لهم‭ ‬إن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يمكن‭ ‬دفنها‭ ‬تحت‭ ‬التراب‭ ‬وإقامة‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬دون‭ ‬حلها‭ ‬هو‭ ‬كلام‭ ‬فارغ‭ ‬بلا‭ ‬معنى‭.‬

رابعاً‭: ‬أن‭ ‬دولتهم‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬نفسها‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأن‭ ‬الأخيرة‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬لهم‭ ‬عنها‭ ‬أبداً‭ ‬لحماية‭ ‬أنفسهم‭ ‬وأنها‭ ‬بالتالي‭ ‬ليست‭ ‬‮«‬ذخراً‭ ‬عسكرياً‭ ‬استراتيجياً‮»‬‭ ‬لا‭ ‬لولي‭ ‬نعمتهم‭ ‬أمريكا‭ ‬ولا‭ ‬لأي‭ ‬كان‭.‬

هذه‭ ‬الدولة‭ ‬بنت‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأوهام‭ ‬وأهمها‭ ‬أنها‭ ‬قادرة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬سحق‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬بشكل‭ ‬منفرد،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬سحق‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مجتمعة‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬تخوض‭ ‬الحرب‭ ‬معها‭.‬

المشكلة‭ ‬الكبرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬صدقت‭ ‬الأوهام‭ ‬التي‭ ‬صنعتها‭ ‬بنفسها‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الأيام‭ ‬الستة‭ ‬1967‭. ‬والمشكلة‭ ‬الكبرى‭ ‬أنها‭ ‬تصرفت‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأوهام‭.‬

لقد‭ ‬أدارت‭ ‬ظهرها‭ ‬للصراع‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬ضم‭ ‬أرضهم‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭.‬

لقد‭ ‬سرعت‭ ‬عملية‭ ‬تهويد‭ ‬القدس،‭ ‬وحاصرت‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬40%‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الضفة‭ ‬في‭ ‬كانتونات‭ ‬مُقطعة‭ ‬الأوصال،‭ ‬وأطبقت‭ ‬حصاراً‭ ‬قاتلاً‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬ثم‭ ‬قامت‭ ‬بتجنيد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لابتزاز‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬سلام‭ ‬معها،‭ ‬تحت‭ ‬ذريعة‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬ذخر‭ ‬عسكري‭ ‬استراتيجي‮»‬‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إيران‭.‬

لعل‭ ‬الأهم‭ ‬أن‭ ‬سقوط‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القناعات‭ ‬الكاذبة،‭ ‬الأوهام‭ ‬بالأحرى‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬وتغذت‭ ‬عليها‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬مثل‭ ‬إيران،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬دولة‭ ‬لها‭ ‬جيش‭ ‬تعداده‭ ‬مليون‭ ‬جندي‭ ‬ولديها‭ ‬مئات‭ ‬الطائرات‭ ‬والمدافع‭ ‬وعشرات‭ ‬السفن‭ ‬الحربية‭ ‬البحرية‭ ‬مثل‭ ‬مصر،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وليس‭ ‬كل‭ ‬المقاومة،‭ ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مقاتلي‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭.‬

إن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬يفسر‭ ‬لماذا‭ ‬فقدت‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الارهابية‭ ‬عقلها‭ ‬واتزانها،‭ ‬ويفسر‭ ‬سلوكها‭ ‬الإجرامي‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬المدنيين‭ ‬العزل‭ ‬والأبرياء‭ ‬وهدم‭ ‬البيوت‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والمدارس‭ ‬وأماكن‭ ‬النزوح‭ ‬وحرب‭ ‬التجويع‭ (‬الحقيقة‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭) ‬التي‭ ‬تمارسها‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬صوابها‭ ‬قد‭ ‬حشدت‭ ‬كامل‭ ‬قوتها‭ ‬الاستراتيجية‭ (‬باستثناء‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭) ‬للانتصار‭ ‬في‭ ‬معركتها‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومقاومته‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬لكنها‭ ‬وبعد‭ ‬‮٨٠‬‭ ‬يوماً‭ ‬من‭ ‬القتال‭ ‬تجر‭ ‬الفشل‭ ‬بعد‭ ‬الفشل‭.‬

لقد‭ ‬حشد‭ ‬‮«‬الجيش‭ ‬الأقوى‮»‬‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬نصف‭ ‬قواته‭ ‬للانتصار‭ (‬النصف‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية‭) ‬على‭ ‬بضع‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المقاتلين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬مساحتها‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬360‭ ‬كيلومتراً‭ ‬مربعاً،‭ ‬ولا‭ ‬يمتلكون‭ ‬سوى‭ ‬سلاح‭ ‬قاموا‭ ‬بتصنيعه‭ ‬بأنفسهم‭.‬

وقام‭ ‬هذا‭ ‬الجيش‭ ‬بإلقاء‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬خمسين‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وأهلها،‭ ‬ودفن‭ ‬الناس‭ ‬أحياء‭ ‬تحت‭ ‬البنايات‭ ‬التي‭ ‬دمرها،‭ ‬وداست‭ ‬دباباته‭ ‬بجنازيرها‭ ‬الجرحى‭ ‬والموتى،‭ ‬وقام‭ ‬بهدم‭ ‬غالبية‭ ‬أحياء‭ ‬غزة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬المقاومة‭ ‬صامدة‭ ‬وتوقع‭ ‬فيه‭ ‬الخسائر‭ ‬المؤلمة‭ ‬وتَعده‭ ‬بالهزيمة‭.‬

آن‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬أن‭ ‬يستيقظوا‭ ‬من‭ ‬غفلتهم‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬بينتها‭ ‬أحداث‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬وهي‭ ‬حقائق‭ ‬كانت‭ ‬دائماً‭ ‬موجودة،‭ ‬ولكن‭ ‬دولتهم‭ ‬كانت‭ ‬دائماً‭ ‬ترفض‭ ‬رؤيتها‭ ‬وتشيح‭ ‬البصر‭ ‬عنها‭. ‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬أربعة‭:‬

أولاً‭: ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عن‭ ‬الصراع‭ ‬لاستعادة‭ ‬حقوقه‭ ‬منذ‭ ‬مائة‭ ‬عام،‭ ‬وهو‭ ‬لن‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬أيًّا‭ ‬كانت‭ ‬نتائج‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

ثانياً‭: ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬هنالك‭ ‬سلام‭ ‬أبداً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬لا‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ولا‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬قبل‭ ‬استعادة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حقوقه‭.‬

ثالثاً‭: ‬دولتكم‭ ‬ضعيفة‭ ‬بحكم‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والديموغرافيا،‭ ‬وهو‭ ‬ضعف‭ ‬لا‭ ‬يمكنكم‭ ‬تعويضه‭ ‬بكميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬المتقدم‭. ‬تعويضه‭ ‬ممكن‭ ‬فقط‭ ‬بعلاقات‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬تبدأ‭ ‬بإنهاء‭ ‬احتلالكم‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والعربية‭ ‬التي‭ ‬تحتلونها‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1967‭.‬

رابعاً‭: ‬أنتم‭ ‬دولة‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬حماية‭ ‬نفسها،‭ ‬ومن‭ ‬يحميكم‭ ‬هي‭ ‬قوى‭ ‬غربية‭ ‬عظمى‭. ‬إن‭ ‬التغيير‭ ‬هو‭ ‬مسار‭ ‬التاريخ،‭ ‬وإذا‭ ‬تغير‭ ‬الحال،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬بإمكانكم‭ ‬حماية‭ ‬أنفسكم‭. ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬قادمة‭.‬

إن‭ ‬فشلكم‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بهذه‭ ‬الحقائق‭ ‬لن‭ ‬يجلب‭ ‬لكم‭ ‬السلام‭ ‬أبداً‭.‬

كلمة‭ ‬أخيرة‭. ‬الدرس‭ ‬الذي‭ ‬تعلمه‭ ‬ويتعلمه‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬حربكم‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وتتعلمه‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬أيضاً،‭ ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬تتوهمون،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مقاومة‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تمتلك‭ ‬سلاحاً‭ ‬أقوى‭ ‬لتحمي‭ ‬به‭ ‬شعبها‭ ‬ونفسها

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا