ليس هنالك من مفر أمام إسرائيل من وقف الحرب الوحشية في غزة، إن لم يكن اليوم فغداً، أو بعد غد، ولن يطول الأمر كثيراً، ليس لأنها قد أخذت وقتاً أطول مما كان متوقعاً، أو مما قدره البيت الأبيض لاحتمال الضغط الشعبي ومن ثم السياسي العالم، الذي يطالب بوقف الحرب، وذلك منذ أسابيع، ولكن أيضاً لأسباب عديدة، أولها، وربما أهمها، السبب الذي يجمل وصف الحالة بين الطرفين المتحاربين، مع سوء التقدير الذي رافق الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، هذا إن كان هناك فارق بينهما، والذي رافق الحرب منذ بدايتها، ونقصد بذلك، أن سوء التقدير لدى الطرف المعتدي بأن غزة مثل الرقة أو الموصل، وأن حماس هي مثل داعش، كما حاول «غبي» الحروب ومتطرف السياسة، بنيامين نتنياهو رئيس حكومة نفي الآخر، العنصرية الفاشية الإسرائيلية الحالية، أن يقنع نفسه والآخرين، والذين فعلاً اقتنع بعضهم بشكل مؤقت، كما حدث مع الأوروبيين، وبشكل ما زال قائما كما يحدث مع جو بايدن.
هنا وحين تشن إسرائيل حرباً على غزة، فإن العالم لا يقف مكتوف الأيدي، أو غير معني أو لا مبالي، أو حتى متفهم، كما حدث مع أمريكا في أفغانستان والعراق، وضد داعش في سورية والعراق، والعالم يدرك الفارق الشاسع بين شعب تقوده فصائل حركة تحرر يسعى إلى الانعتاق من آخر احتلال بقي على وجه الأرض، وآخر مظاهر الاستعمار البغيض، الذي عانت منه البشرية طويلاً، وما زالت تتذكره وتكرهه، لذا فإن إسرائيل ما إن أقدمت على شن الحرب المجرمة بإلقاء أطنان المتفجرات التي بمجموعها تجاوزت قوة خمس قنابل نووية، حتى انطلق العالم بأسره يندد بجرائم الحرب التي أخذت بارتكابها منذ اليوم الأول، الذي أعلنت فيه قطع الماء والكهرباء والدواء والغذاء عن كل البشر والشجر في قطاع غزة، الذي مارست ضده جريمة حرب مستمرة منذ 17 سنة، تمثلت في الحصار المطبق عليه، دون وجه حق، وفيما واصلت إسرائيل حربها المجرمة، طوال أكثر من ثمانين يوماً، ارتكبت خلالها نحو ألف جريمة قتل جماعي بحق العائلات، التي قصفتها دون إنذار، وما زالت تقتل يومياً بمعدل 300 مدني بريء، أكثر من 70% من الضحايا أطفال ونساء.
الحقيقة إن العالم بأسره سيتغير بعد توقف هذه الحرب، ليفكر كيف يحدث هذا الإجرام، في القرن الحادي والعشرين، ليقترب من القناعة بخطر وجود إسرائيل على هذه الحالة الرسمية من ممارسة القتل الجماعي ومن الخروج على القانون الدولي، كذلك سيقرر العالم إن كانت الولايات المتحدة مؤهلة حقاً للاستمرار في قيادة العالم، وفق النظام العالمي الجديد، بعد أن ساندت الإجرام الإسرائيلي علناً، وشاركت في حرب عمياء، ووقفت ضد إرادة البشرية في مجلس الأمن والجمعية العامة، وشاركت في قتل المدنيين، والأطفال والنساء، من أجل تحقيق أهداف انتخابية لكل من بايدن ونتنياهو، ولا بد للحرب أن تتوقف وفي أقرب وقت، ونقول هذا ليس من باب الأمل والرغبة في التوقف عن قتل المزيد من الضحايا الفلسطينيين، وليس لأن لكل شيء نهاية في آخر المطاف، وحسب، ولكن لأن إدارة المعركة، لم تكن وفق إرادة الطرف المتحكم بمصير العالم، أي الأمريكي، وليس وفق رغبة وإرادة الطغاة المحتلين، أعداء الشعوب، بل لأكثر من سبب، أولها أن غزة لم تكن لقمة سائغة، رغم أن العدو أظهر كل أشكال البطش وانعدام الإنسانية، بممارسته القتل العشوائي وبالجملة وبشكل جماعي، وقاومت غزة بمقاتليها الأفراد، الذين لا يمتلكون لا طائرات ولا دبابات ولا مدافع، ولم تقف معهم دولة عظمى بالسلاح والدعم العسكري اللوجستي ولا حتى السياسي الحاسم.
وقد تجلى الصمود الميداني في أكثر من مستوى، فهو منع أولاً العدو من تحقيق سيطرة سريعة على قطاع غزة، بحيث إن العدو نفسه كان يقول إنه يحتاج أشهراً وربما سنوات «لتنظيف غزة من المقاومة» وأمامه بالطبع نموذج جنين ونابلس، وعامل الوقت مهم جداً في حسم نتيجة الحرب بغير ما يحلم به العدو، ذلك أن إسرائيل بتركيبتها وطبيعتها لا تحتمل حروباً طويلة الأمد، وهي اعتادت الحروب الخاطفة، كما اعتادت أن تكون الحروب على أرض الغير، بما لا يعرض مجتمعها للخطر، واعتادت أن تبادر بتحديد موعد إطلاق الحرب وإنهائها، ثم منعت المقاومة إسرائيل من تحقيق إنجاز عسكري مهم، من قبيل النجاح في اغتيال قمة الهرم القيادي لدى القسام، أو تدمير الأنفاق، أو حتى وقف إطلاق الصواريخ على مدنها، وسحق المقاومة، وما زال يحدث العكس، أي سقوط القتلى في صفوف إسرائيل يومياً، بمعنى أن المقاومة متواصلة.
كذلك فإن الإسناد الخارجي وعلى أكثر من صعيد ومستوى، كان عامل ضغط إضافياً، من أجل إغلاق أفق الحرب الإسرائيلية حتى لا يكون مفتوحاً إلى أجل غير مسمى، وحتى إلى أجل طويل، أي أبعد مما توقعه بايدن ونصح به إسرائيل، وأبعده نهاية العام، أي بعد أسبوع أو أسبوعين من اليوم،
ذلك أن التظاهرات التي ما زالت تطلق العنان للتنديد بإسرائيل وأمريكا ما زالت تجوب المدن العربية والأوروبية والأمريكية، لتواصل الضغط على المستويات الرسمية، بما يجعل من مجلس الأمن والجمعية العامة في حالة انعقاد دائم، وهذه التظاهرات، شدت حبل العلاقة بين إسرائيل والأردن ومصر إلى أخر مدى. ويضاف إلى كل هذا، أن داخل إسرائيل يبدو مثل «طنجرة الضغط»، فالآثار الاقتصادية بدأت تضغط، كما أن تظاهرات عائلات المحتجزين عامل ضغط أيضاً، فيما تتزايد كل يوم الأصوات التي تقول إن الفشل الرسمي ما زال متواصلاً، دون تحقيق نجاحات عسكرية ومع تزايد القتلى من الضباط والجنود.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك