خلال مؤتمر حزب روسيا الموحدة الحاكم لم تكن هنالك مفاجأة كبيرة فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو المرشح الوحيد لهذا الحزب وإنه سيتقدم بصفته مستقلا فهنالك إجماع شبه كامل حول شخصية هذا القائد الذي استطاع أن يعيد لروسيا الاتحادية أمجادها وأن يجعل روسيا الرقم الصعب في الخارطة العالمية الحالية.
ولكن المهم والبارز في هذا المؤتمر ما أعلنه الرئيس بوتين بوضوح من تعهد بجعل روسيا مكتفية ذاتيا خلال ولايته القادمة التي تستمر إلى سنة 2030 في حالة إعادة انتخابه، ولعل من فوائد الحصار الأوروبي والغربي والحرب العبثية التي يقودها حلف الناتو ضد روسيا بما في ذلك المقاطعة أن روسيا الاتحادية اضطرت إلى الاعتماد على نفسها بشكل كبير. وتقول التقارير المختصة بهذا الشأن إن روسيا نجحت بشكل كبير وواضح في الاعتماد على نفسها وإيجاد وسائل وطرق بديلة عن الوسائل والطرق السابقة في العلاقات الاقتصادية والتقنية والتجارية مع الدول الغربية عامة والاتحاد الأوروبي خاصة.
إن تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بجعل روسيا مكتفية ذاتيا في كافة المجالات العسكرية والاقتصادية واللوجستية له في الحقيقة ما يبرره وما يجعل منه حقيقة مؤكدة وذلك للأسباب التالية:
أولا: إن روسيا الاتحادية تمتد جغرافيا على مساحة أكثر من 17 مليون كيلومتر مربع وهي مساحة كبيرة ويوجد فيها جميع الموارد الضرورية والأساسية لبناء اقتصاد قوي لا يحتاج إلى الغير مثل أغلب اقتصادات العالم الأخرى، كما أن عدد السكان يبلغ حاليا 147 مليونا ومع انضمام إقليم الدونباس إلى روسيا تجاوز 150 مليون نسمة، هذا فضلا عن أن روسيا من البلدان القليلة التي حققت تقدما مذهلا في المجالات العلمية والتكنولوجية لا يوجد حاليا في روسيا ما يطلق عليه اسم الأمية إضافة إلى أن المجتمع الروسي هو مجتمع فيه من التنوع الثقافي والاجتماعي والاثني ما يجعل هذا التنوع بالنسبة إلى روسيا مفيدا ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا.
وعندما يتكلم فلاديمير بوتين عن تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال الـ 6 سنوات القادمة، فإن الأمر ليس بغريب او مستبعد أصلا حيث بينت التجربة خلال السنتين السابقتين فقط أن روسيا صمدت أمام حصار الدول الغربية والناتو على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والتقنية والعلمية والاقتصادية وهذا في حد ذاته دليل على قدرة روسيا الاتحادية المؤكدة على توفير البدائل لكل شيء تقريبا.
ثانيا: إن روسيا استطاعت منذ بداية الألفية الثالثة وحتى اليوم أي في غضون عقدين من الزمان أن تخلخل النظام العالمي الذي بنته الولايات المتحدة الأمريكية وهو نظام القطبية الواحدة الذي استطاعت من خلاله الإدارات الأمريكية المتعاقبة فرض هيمنتها على العالم والتصرف فيه وكأنه ملكية خاصة فبجهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع حلفائه في الصين وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول العربية تمكنوا من خلق اتجاه عالمي جديد لم يعد يقبل بالهيمنة الأمريكية ولا بالأسلوب الأمريكي في إدارة العالم بالمقاييس المزدوجة التي ذاق العالم مرارتها وويلاتها، وكان العرب من أكثر المتضررين من هذه القطبية الأحادية التي كانت على حساب القضية الفلسطينية وعلى حساب الحقوق العربية، ولذلك يكون بوتين بهذا المعنى عنصرا مؤثرا بشكل كبير في التحول إلى قوة لها اعتبار كبير في العالم على الأقل من الناحية الاقتصادية، ويتوقع أن يسهم ذلك في إنهاء الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي.
ثالثا: الإرادة السياسية المعلنة التي عبر عنها الرئيس بوتين في كلمته خلال مؤتمر حزب روسيا الموحدة عندما قال بوضوح «نقول لأطفالنا إما أن تكون روسيا قوة سيادية ومكتفية ذاتيا وإما أنها لن تكون موجودة على الإطلاق». مفهوم السيادة الذي يرسمه بوتين هو من الأحداث الرئيسية التي حولها شبه اجماع من الشعب الروسي والطبقة السياسية الروسية حيث لا يمكن لروسيا أن تتخلى عن سيادتها ووحدة أراضيها وشعبها بل يجب أن تكون قوية ذات وزن كبير لا يمكن أن تقبل أي تدخل في شؤونها الداخلية أو أي هزيمة عسكرية، وأن جميع محاولات التدخل في الشأن الروسي أو إثارة القلاقل لن يكتب لها النجاح مطلقا طالما أن في روسيا رجالا مثل فلاديمير بوتين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك