العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نحو استعادة فـاعـليـة الدور العربي في مساندة القضيـة الفلسطـينية

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

منذ‭ ‬عهد‭ ‬بلفور‭ (‬1917‭) ‬والغرب‭ ‬مجمع‭ ‬على‭ ‬حرمان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬وطنهم‭ ‬واعتبار‭ ‬مَن‭ ‬يبقى‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬أقلية‭ ‬بتوصية‭ ‬بمراعاة‭ ‬مصالحها‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الاندثار‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يفرضه‭ ‬اليهود‭ ‬بالسلاح‭.‬

قبلهم‭ ‬كان‭ ‬الغرب‭ ‬نظريا‭ ‬قد‭ ‬مهّد‭ ‬لعملية‭ ‬طمس‭ ‬الهوية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومحوها‭ ‬وإزالة‭ ‬اسم‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬خرائط‭ ‬العالم‭. ‬ولو‭ ‬شئنا‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬دولتين‭ ‬تقعان‭ ‬خارج‭ ‬المعسكر‭ ‬الغربي،‭ ‬بل‭ ‬وتعاديانه‭ ‬عقائديا‭ ‬هما‭ ‬روسيا‭ (‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬سابقا‭) ‬والصين‭ ‬لم‭ ‬تطالبا‭ ‬بإعادته‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الخرائط‭ ‬الرسمية،‭ ‬كونه‭ ‬لا‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬سياسي‭ ‬متحقق‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬وإن‭ ‬انطوى‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الخذلان‭ ‬لم‭ ‬يحبط‭ ‬عزيمة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ولم‭ ‬يحوّله‭ ‬إلى‭ ‬مالك‭ ‬أصلي‭ ‬وأصيل‭ ‬للأرض‭. ‬بل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬العكس‭ ‬تماما‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الوقائع‭ ‬السياسية‭ ‬الدولية‭ ‬قد‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تذويب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عبر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬التشريد‭ ‬والضياع‭ ‬والإقامة‭ ‬‮«‬خارج‭ ‬المكان‮»‬‭ ‬الطبيعي‭ ‬فإن‭ ‬مقاومته‭ ‬كانت‭ ‬مصدر‭ ‬معجزته‭.‬

ولأن‭ ‬العرب‭ ‬قد‭ ‬اعتبروا‭ ‬فلسطين‭ ‬قضيتهم‭ ‬المركزية‭ ‬وحاربوا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استعادتها‭ ‬وعملوا‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التذكير‭ ‬بها‭ ‬ووضعها‭ ‬على‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬كل‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الدولية‭ ‬فقد‭ ‬وجد‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬سندا‭ ‬صادقا‭ ‬ومخلصا‭ ‬لهم‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬أخوّته‭ ‬العميقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعمهم‭ ‬ماديا‭ ‬وتقويتهم‭ ‬وإمدادهم‭ ‬بكل‭ ‬أسباب‭ ‬العيش‭ ‬الكريم،‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬حسب‭ ‬قدرتها‭.‬

أما‭ ‬حين‭ ‬ظهرت‭ ‬التنظيمات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬أواسط‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬فإن‭ ‬غير‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬قد‭ ‬أمدّتها‭ ‬بالمال‭ ‬والسلاح‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تتدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬والكويت‭ ‬مثل‭ ‬بارز‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬أجنداتها‭ ‬الخاصة‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬فقد‭ ‬وقف‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬ضد‭ ‬إرادة‭ ‬العالم‭ ‬‮«‬الحر‮»‬‭ ‬وأجبروه‭ ‬بقواهم‭ ‬الذاتية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بقوته‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بوجودهم‭. ‬أما‭ ‬حين‭ ‬وقف‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬فإنه‭ ‬صنع‭ ‬من‭ ‬كوفيته‭ ‬رمزا‭ ‬للحرية‭.‬

ليست‭ ‬حرية‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وحدهم،‭ ‬بل‭ ‬وحرية‭ ‬جميع‭ ‬الشعوب‭ ‬المحرومة‭ ‬والمضطهدة‭ ‬والمطالبة‭ ‬بولادة‭ ‬عالم‭ ‬أكثر‭ ‬عدلا‭ ‬وأقل‭ ‬ظلما‭. ‬ولكن‭ ‬حتى‭ ‬عرفات‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬إضاعة‭ ‬الوقت‭ ‬والتسويف‭ ‬والرغبة‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بولادة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬وذلك‭ ‬تحاشيا‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬إخلالا‭ ‬بوعد‭ ‬بلفور‭.‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬الخرائط‭ ‬الدولية‭ ‬الرسمية‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬المجزأة‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬من‭ ‬حصة‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭.‬

لم‭ ‬يتخل‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬لكن‭ ‬الزلازل‭ ‬التي‭ ‬ضربتهم‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تسمح‭ ‬لهم‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬من‭ ‬حولهم‭. ‬لقد‭ ‬غرقت‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬بمشكلاتها‭ ‬المصيرية‭. ‬فبعد‭ ‬انهيار‭ ‬العراق‭ ‬المأساوي‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬بفعل‭ ‬الغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬صارت‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬بها‭ ‬رياح‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تعصف‭ ‬بها،‭ ‬مسكونة‭ ‬بالخوف‭ ‬مما‭ ‬يخبئه‭ ‬المستقبل‭ ‬لها‭. ‬وهو‭ ‬مستقبل‭ ‬كان‭ ‬جزءا‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬غربية‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمريكان‭ ‬قد‭ ‬غزوا‭ ‬العراق‭ ‬وحدهم‭. ‬ولم‭ ‬يقصفوا‭ ‬ليبيا‭ ‬وحدهم‭. ‬ولم‭ ‬يتدخلوا‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬سوريا‭ ‬وحدهم‭. ‬ولم‭ ‬يكونوا‭ ‬وحدهم‭ ‬حين‭ ‬وقفوا‭ ‬وراء‭ ‬الاضطراب‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬غير‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭. ‬كان‭ ‬الغرب‭ ‬كله‭ ‬معهم‭. ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الغرب‭ ‬معهم‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬أثبتته‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬الأخيرة‭.‬

يشعر‭ ‬الغرب‭ ‬بالأسف‭ ‬لأن‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬قبل‭ ‬بالهدنة‭ ‬المؤقتة‭. ‬ألأنه‭ ‬تورط‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬لا‭ ‬أخلاقي‭ ‬أم‭ ‬لأنه‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬مشروعه‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬مجرد‭ ‬أقلية‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬السماح‭ ‬لهم‭ ‬بالمطالبة‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬خارج‭ ‬حق‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬الحدود‭ ‬الدنيا؟

في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬توجيه‭ ‬اللوم‭ ‬إلى‭ ‬العرب‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬تضييع‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬الانتقاص‭ ‬من‭ ‬دول،‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬حقيقي‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬وضع‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬خارطة‭ ‬وعي‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬الأقل‭.‬

فمصر‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وكذلك‭ ‬لا‭ ‬يُنسى‭ ‬دور‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬يوم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬محتلا‭ ‬والأردن‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬إمكانياته‭ ‬المحدودة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬قد‭ ‬وضعتا‭ ‬كل‭ ‬إمكاناتهما‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

لقد‭ ‬حارب‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فلسطين‭ ‬وقاوموا‭ ‬الغرب‭ ‬ودفعوا‭ ‬الثمن‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يدركه‭ ‬الكثيرون‭ ‬ممَّن‭ ‬يوجّهون‭ ‬اللوم‭ ‬إلى‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يلتفتوا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا