كثيرا ما تدعي حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أنها تدافع عن العدالة وسيادة القانون. ولكن هل هي على استعداد للتمسك بهذه المبادئ من أجل الشعب الفلسطيني؟
إن كان لا بدّ أن أموت فعليك أن تعيش أنت لتروي قصّتي – هذه أبيات من آخر قصيدة نظمها الدكتور رفعت العرعير بالإنجليزية، وبثها في أعلى حسابه على منصة «إكس» واستشعر فيها مصيره قبل بضعة أيام من وفاته وهو في سن الرابعة والأربعين. الدكتور رفعت العرعير أستاذ جامعي متخصص في الأدب الإنجليزي وشاعر ولد وعاش.
وبعد بضعة أسابيع، قُتل العرعير بينما كان يحتمي في شقة أخته، مع ستة من أفراد أسرته.
وفي قطاع غزة المكتظ بالسكان، فإن الخسائر في الأرواح مذهلة. فقد أدى القصف الإسرائيلي المستمر منذ شهرين إلى مقتل ما لا يقل عن 20 ألف مدني فلسطيني هناك، من بينهم ما يقرب من 9000 طفل، فيما فقد 25 ألف طفل آخر أحد والديهم أو كليهما.
وقد أكد الرئيس بايدن للجمهور مرارا وتكرارا أن إسرائيل تتبع القانون الدولي. ومع ذلك، تعمدت القوات الإسرائيلية استهداف المدنيين الفلسطينيين والبنية التحتية المدنية، في انتهاك مباشر للقانون الإنساني الدولي. وبما أن 90% من القتلى في غزة هم من المدنيين، فإن بايدن الآن فقط يعترف أخيراً بأن إسرائيل تقصف غزة «عشوائياً».
لقد تحولت المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس ومخيمات اللاجئين والمباني الحكومية إلى أنقاض. وأجبرت القوات الإسرائيلية الرجال الفلسطينيين على خلع ملابسهم والاستعراض في الشوارع. هناك أخبار مثيرة للقلق من شهود عيان بشأن التعذيب والإعدام بإجراءات مهينة لكرامة المدنيين.
وحذرت جماعات حقوق الإنسان الفلسطينية والعديد من الخبراء الدوليين، بما في ذلك الباحثون الإسرائيليون في المحرقة، من أن تصرفات إسرائيل تفي بالمعايير القانونية للإبادة الجماعية.
تُعرّف المادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 الإبادة الجماعية بأنها أفعال محددة تُرتكب «بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية». وتشمل بعض هذه الأفعال «قتل أعضاء الجماعة»، و«التسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير لأعضاء الجماعة»، وإخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها الجسدي كليًا أو «جزئيًا».
إن القتل الجماعي للفلسطينيين في مدارس غزة، والمرافق الطبية، والملاجئ، والمناطق السكنية، كلها أدلة على أعمال إبادة جماعية محتملة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الترحيل القسري لأكثر من مليون فلسطيني خارج شمال غزة والقصف الإسرائيلي المتكرر لطرق إجلاء المدنيين.
وفي الوقت نفسه، كثفت إسرائيل حصارها الكامل على غزة، مما أدى إلى حرمان الفلسطينيين من الغذاء والماء والكهرباء والوقود والإمدادات الطبية. وتنتشر المجاعة والأمراض المعدية. لقد «انهار نظام الرعاية الصحية في غزة بالكامل» بسبب الضربات الإسرائيلية المستمرة»، وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود.
غالبًا ما يكون إثبات نية الإبادة الجماعية أمرًا صعبًا. ومع ذلك، أشار الخبراء إلى التصريحات اللاإنسانية الصادرة عن القادة الإسرائيليين والتي تلمح إلى ذلك – بما في ذلك وصف الفلسطينيين بـ «الحيوانات البشرية» و«أطفال الظلام».
البعض الآخر أكثر وضوحا. ودعا أحد المشرعين الإسرائيليين إلى «النكبة» -وهي إشارة عربية إلى التهجير الجماعي العنيف للفلسطينيين- «التي ستلقي بظلالها على نكبة عام 1948».
وزير الدفاع: «سنقضي على كل شيء» في غزة. ووجد تحقيق أجرته مؤخرا مجلة +972 الإسرائيلية أن قصف إسرائيل لأهداف غير عسكرية «محسوب».
يعتقد العديد من الخبراء أن هذه التصرفات وبيانات النوايا هي دليل على حدوث إبادة جماعية. ونظراً لخطورة الجريمة، فإن جميع الأطراف في اتفاقية الإبادة الجماعية – بما في ذلك الولايات المتحدة – عليه واجب قانوني بمنعها منذ اللحظة التي يعلمون فيها بوجود خطر جدي بارتكاب جريمة إبادة جماعية.
وبدلاً من ذلك، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن وقف إطلاق النار، وقامت بتسريع إرسال الأسلحة الفتاكة إلى إسرائيل، بالإضافة إلى المساعدات السنوية التي نقدمها بالفعل. وبعيدًا عن منع الإبادة الجماعية، تقول دعوى قضائية رفعها مركز الحقوق الدستورية، إن الولايات المتحدة متواطئة في واحدة منها.
كانت هجمات 7 أكتوبر التي شنها مقاتلو حماس صدمة لإسرائيل، لكنها لا تقدم مبرراً قانونياً أو أخلاقياً للعقاب الجماعي للمدنيين في غزة. ولا يمكن تبرير الإبادة الجماعية على الإطلاق.
لا توجد حكومة فوق القانون ولها الحرية في ارتكاب مذابح جماعية. كثيرا ما تدعي حكومة الولايات المتحدة أنها تدافع عن العدالة وسيادة القانون. ولكن هل هي على استعداد للتمسك بهذه المبادئ من أجل الشعب الفلسطيني؟
في هذه اللحظة الفاصلة لا تملك الولايات المتحدة القدرة على الالتزام، بتأمين البقاء دائمًا وإنقاذ الأرواح الأبرياء.
{ أكاديمية مختصة
في القانون الدولي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك