يعرف الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence بأنه: قدرة الآلة على محاكاة العقل البشري وطريقة عمله، مثل قدرته على التفكير، والاكتشاف والاستفادة من التجارب السابقة. ويعد الذكاء الاصطناعي وفقا لقاموس Merriam Webster أحد فروع علوم الحاسوب الذي يختص بمحاكاة السلوك الذكي، وكذلك قدرة الآلة على محاكاة السلوك البشرى المستنير.
يتكون الذكاء الاصطناعي بشكل عام من فكرتين أساسيتين، الأولى تنطوي على دراسة أدمغة البشر لمعرفة كيفية حصول عملية تفكيرهم، والثانية تساعد على تمثل تلك العمليات من خلال التعلم الآلي.
وتفسر شركة ABM للبرمجيات ماهية الذكاء الاصطناعي بأنه تلخيص دقيق لقدرة أنظمة الحوسبة على التفكير والتصرف مثل البشر، باستخدام مزيج من علوم الكمبيوتر، ومجموعة البيانات، والتعلم الآلي، وحل المشكلات، في ظل هدف نهائي يتمثل بتطوير أنظمة يمكنها التفكير والتصرف بعقلانية، بما يعكس السلوكيات والتفكير البشري والقضاء على الحاجة إلى وجود الإشراف البشري المستمر.
واعترافا بالمخاوف المتزايدة في هذا الصدد، حذرت الباحثة في صندوق النقد الدولي «جيتا جوبينات» من اضطرابات كبيرة قد تشهدها أسواق العمل بسبب أنظمة الذكاء الاصطناعي المنتجة والفعالة من حيث التكلفة، ومن المحتمل أن تؤدي إلى خفض فرص توظيف ملايين الأشخاص، بما فيهم أولئك العاملون في وظائف تتطلب مهارات وخبرات محددة.
وعموما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دور التمكين، والمثبط في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في نفس الوقت.
ومع ذلك فإن التطور السريع لاحتياجات الذكاء الاصطناعي يتطلب أن تكون مدعومة بالرؤية التنظيمية والرقابة اللازمتين للتقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي لتمكين التنمية المستدامة. فقد يؤدي عدم القيام بذلك إلى ثغرات في الشفافية، ومعايير السلامة، والأخلاق.
وعلى الرغم من كل المحاذير التي شاعت في أوساط التقنيين والأكاديميين وامتدت إلى المواطنين العاديين في عام 2023 من آثار خطيرة للذكاء الاصطناعي على قطاعات المال والأعمال والعلاقات الإنسانية، لا بل، عده بعض الكتاب أكثر خطورة من السلاح النووي، ودعت مؤتمرات ومؤسسات أكاديمية إلى تقنين وتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي عبر اتفاقيات ونظم بإشراف المنظمات الدولية حفاظا على الوجود الإنساني، وترشيدا لاندفاعه السريع، وقدرته الفائقة على اقتحام مختلف القطاعات الاقتصادية والتقنية والطبية ومختلف فروع العلوم بما فيها الاجتماعية. وعلى الرغم من تلك التحذيرات والدعوات إلا أن العديد من الشركات الأوروبية، منطلقة من رؤية إيجابية لمستقبل الذكاء الاصطناعي، ومنها شركات رأس المال الاستثماري، لم يكن لديها قيود تمويلية حينما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي. فمثلا شركة ميسترال الفرنسية (الشركة الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي) والتي تمكنت من جمع (105) ملايين يورو بعد شهر واحد فقط من تأسيسها، وجمعت في منتصف شهر ديسمبر الجاري نحو (385) مليون يورو أخرى، وعموما تمكنت إحدى عشرة شركة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي من جمع مبالغ تتجاوز (100) مليون يورو في عام 2023، على الرغم من ما شهده العام من ارتفاع في معدلات التضخم وأسعار الفائدة واستمرار حالة عدم اليقين، وصعوبات الوصول إلى رأس المال وفقًا لتقرير مالي أوروبي صدر حديثا.
وقد انطلقت توجهات الشركات التقنية والتمويلية نحو الانفتاح على الذكاء الاصطناعي من قدرته على التفاعل السريع مع الاستراتيجيات التي تهدف إلى تحسين أداء المؤسسات وزيادة كفاءتها مثل استراتيجية تحليل البيانات الضخمة عبر تفاعلها وتكاملها مع الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتنبؤ المستقبلي بما يمكن أن يتحقق في المستقبل. فضلا عن استراتيجيات أخرى تهدف إلى تحسين تجربة العميل، واستراتيجية الأتمتة لتحسين الإنتاجية وتقليص التكاليف. واستراتيجية التنبؤ والتخطيط التي تهدف إلى توفير تنبؤات دقيقة بشأن مستقبل المؤسسات وتخطيط استراتيجيات وخطط عمل فعالة، وذلك عبر توظيف الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تحليل البيانات التاريخية وتنبؤ المستقبل بما يخص الأهداف الاستراتيجية.
ونحن على أعتاب عام 2024 فمن المتوقع أن يشهد العام الجديد صعود نجم الذكاء الاصطناعي واستحواذه على النسبة الأكبر من تمويل البنوك والمؤسسات المالية، وتنامي إقبال شركات التكنولوجيا العالمية نحوه، بالإضافة إلى الشركات الناشئة المتخصصة في تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يؤكد أهمية وضع إرشادات معيارية للذكاء الاصطناعي وصياغة لوائح تنظم تطبيقاته المفيدة، وتحد من آثار تطبيقاته المضرة والخطيرة في مختلف المجالات، وعليه يلعب القادة التقنيون والجهات الفاعلة في صناعة الذكاء الاصطناعي، ومن مختلف القطاعات دورًا مهمًا في رسم مستقبل الذكاء الاصطناعي. والنظر في القضايا والاعتبارات والآثار المترتبة على تطبيقاته المختلفة.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك