فتحت معركة غزة ملفات كثيرة على الساحتين الدولية والمحلية، وطرحت تساؤلات كثيرة تتعلق بمستقبل المؤسسات الدولية، وخاصة مجلس الأمن، الذي اهتزت شرعيته القانونية والأخلاقية، بعد أن عجز عن إصدار قرار واحد يدين العمليات الإسرائيلية، ويطالب بوقف إطلاق النار، حتى لو لم تحترمه إسرائيل، كما فعلت من قبل مع مئات القرارات، إلا أنه كان سيدعم مصداقيته أمام العالم.
ورغم أن الأمين العام للأمم المتحدة، البرتغالي «أنطونيو جوتيريش»، اتخذ مواقف شجاعة في وجه دولة الاحتلال، فإن كل تحركاته وتصريحاته حول ضرورة وقف إطلاق النار، وحتى التنبيه الذي أطلقه لمجلس الأمن، واعتباره أن ما يجرى في غزة يمثل تهديدًا للسلم العالمي، لم تسفر إلا عن اجتماع لمجلس الأمن، من دون إصدار قرار بوقف إطلاق النار.
يقينًا، شرعية المؤسسات الأممية، وخاصة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، صارت على المحك، وهو أمر شديد الخطورة أن تتراجع قيمة القانون الدولي والشرعية الدولية، وتفقد أغلب شعوب العالم الثقة في المنظمات الدولية لأن هناك دولة واحدة فوق القانون الدولي والشرعية الدولية بسبب حصانة أمريكية خاصة وتدليل غربي لها.
أما على مستوى الداخل، فقد شهد العالم انقسامًا واضحًا بين النخب المسيطرة إعلاميًّا وماليًّا وسياسيًّا والداعمة لإسرائيل، وبين نخب جديدة وتيارات شعبية واسعة ترفض سياسات إسرائيل، وهو انقسام واضح بات يتعمق كل يوم.
يقينًا، هناك مَن يدعم إسرائيل في الغرب، كما ذكر أحد المؤرخين الفرنسيين لكونها تمثل رمزية للعالم الغربي الحر، كما أن قيام إسرائيل بقتل 25 ألف مدني في غزة سبق أن تكرر، ولو بصور مختلفة في التاريخ الاستعماري الغربي، بما فيه التاريخ الأمريكي المعاصر، وخاصة في العراق وأفغانستان، لذا كثيرًا ما ردد المسؤولون الإسرائيليون ردًّا على أي انتقادات أمريكية بالقول إن الأخيرة قتلت مدنيين، بعد تعرضها لعمليات إرهابية.
لقد اختار تيار واسع من النخب المسيطرة في الغرب أن يدعم إسرائيل في السياسة والاقتصاد والعسكرية باعتبارها «نموذجًا غربيًّا» متمسكًا بنفس السياسات الاستعمارية القديمة، وبصورة أبشع مما كانت عليه في الماضي، حتى لو كانت عكس مسار الإنسانية، الذي شهد تحرر واستقلال كل دول العالم ونهاية عصر الاستعمار.
إن تأثير اللوبي الداعم لإسرائيل وقدرته على إقصاء أي صوت مؤيد للحقوق الفلسطينية بين النخب العليا ومراكز صنع القرار خلق ردود فعل شعبية واسعة تحاول أن تخلق نخبة جديدة تواجه أو تحد من سيطرة النخب الداعمة لإسرائيل.
لم تعد القضية الفلسطينية تثير فقط كما كان في الماضي الخلاف بين مؤيدين للحق الفلسطيني ومؤيدين للاحتلال الإسرائيلي، إنما أصبحت تضم مَن يعملون على تغيير المنظومة العالمية غير العادلة، وأيضًا على تقديم نخب جديدة في داخل دولهم أشد إنصافًا وإيمانًا بالعدالة واحترام القانون الدولي من النخب المسيطرة حاليًا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك