في هذا الوقت من كل عام تعقد المناقشات حول المشاريع الطلابية وتقييمها، ومنها مشروعات التخرج خاصة في التعليم الجامعي، والسؤال هنا ما دور مؤسسات التعليم في صناعة المستقبل كونها أهم المحطات التعليمية، والتي من أهم مهامها دعم البحث والتطوير الذي يشار إلى أنه «العمل الإبداعي الذي يتم على أساس نظامي بهدف زيادة مخزون المعرفة، بما في ذلك معرفة الإنسان، الثقافة والمجتمع، واستخدام مخزون المعرفة هذا لإيجاد تنمية تطبيقية جديدة مستهدفة، باعتبارها ركيزة أساسية نحو تأسيس مستقبل الأوطان، من خلال رسم منظومة واضحة الأهداف والمهام القابلة للتطبيق، ودراسة مدى توافقها مع أنظمة سوق العمل والاحتياجات الوطنية».
وتشكل هذه المشاريع بوابة للتنمية وبذورًا لصناعة الاستدامة، والتي تمكن القائمين على إعدادها من رؤية نتاج بحوثهم ومشاريعهم وابتكاراتهم حقيقة تلامس أرض الواقع. إن الاستفادة من المشاريع الطلابية مرهون بتوافر الفرصة التي تتاح للمشروع وتسويقه، حيثً يتبارد للذهن دائمًا مصير مشروعات وبحوث التخرج خاصة في السنة النهائية للمرحلة الجامعية، وهناك إشكالية تتطلب التوقف والتساؤل في وقتنا الحاضر حول مدى مساهمة هذه المشاريع في صناعة التوظيف واستدامته، إن التنمية المستدامة ودراسات مستقبل المملكة ليست مجرد ضرورة نظرية، ولكنها قضية جيل لابد أن يجتهد ويفكر ليؤدي مسؤوليته نحو أجيال المستقبل.
لذا فإن وضع استراتيجية متكاملة وطنية لمشروعات التخرج ذات التخصصات المختلفة على مستوى كل المؤسسات التعليمية سواء بالتعليم الأساسي والثانوي والجامعات الحكومية والخاصة، يؤدي إلى تكامل تلك المشروعات الابتكارية، ويحقق خطة التعافي الاقتصادي للمملكة 2030 في جميع المحاور العلمية، والأدبية، والسياحية، والصناعية. مع أهمية وضع مقترحات وحلول مبتكرة للمشكلات المتعلقة بهذه المجالات والتي تحول دون إحداث التنمية فيها. والمساهمة في الحد من المشاكل والقضايا العلمية التي يمكن الاستفادة منها فعليا في تحقيق خدمات متنوعة للمواطنين والجهات الحكومية والخدمية.
لذا فإن المشاريع الطلابية تعد بمثابة الخطوات الأولى نحو بناء المستقبل، والعمل نحو إيجاد البيئة الملائمة لابتكار الطلاب وتطوير مشاريعهم، ومحاولة الاستفادة قدّر الإمكان من هذه المنتجات وتحويلها إلى مساهمات حقيقية داعمة لمسيرة التنمية الوطنية، مما يسهم ذلك في تعزيز قدراتهم وإثبات إمكانياتهم لإدارة وقيادة الشركات بوتيرة مستدامة في المستقبل، وذلك من خلال توفير سلسلة من الدعم المادي والفني عبر مختلف الشركاء الداعمين للمشاريع الطلابية، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المنتجات الفكرية والإبداعية، والتقليل من مدى فاعلية هذه المشاريع وضياع الوقت والجهد القائم على إنتاجها.
لذا فإن عملية التركيز المسبق على نوعية المواضيع والأفكار المقترحة ذات الأهداف البعيدة المدى من قبل المؤسسات الحكومية والأهلية الحاضنة للمشاريع الطلابية تعدً عملية مهمة، وذلك من خلال الالتقاء المسبق والمخطط له مع الطلاب للمناقشة وتوجيههم نحو المشاريع الجديدة والأكثر اهتمامًا، وذات البعد العالمي، مما سوف يسهم في إنتاج مشاريع تتواكب مع احتياجات سوق العمل الوطنية والمحلية والعالمية.
وعلى الرغم من اعتماد المؤسسات التعليمية كافة على الابتكار والريادة لدى طلابها وكادرها التعليمي؛ إلا أن بعض البرامج خاصة التي ترتكز على عنصر الخبرة بحاجة إلى التكامل بين جميع الجهات، وقد يرجع ذلك إلى حداثة خططها، ومحدودية الإلمام بها وبأبعادها، والآليات المشاركة الممثلة فيها. وإلقاء الضوء على أهمية المشاريع والدور الذي يمثله هذا المنتج في مجال التنمية، ومن الملاحظ أن المؤسسات التعليمية والجامعية تقدم خدمات متنوعة لتحفيز الطلاب، وتهيئة البيئة الداعمة لابتكاراتهم.
ومن الأمثلة الرائدة على مستوى مملكة البحرين، فإن الجامعة الوطنية «جامعة البحرين» قد قطعت شوطًا كبيرًا وتجارب ناجحة وفق معايير عالمية في تقييم المشاريع الطلابية خاصة في التخصصات الهندسية والحاسوب، وتقنية المعلومات الذي يحظى باهتمام ومتابعة العديد من القطاعات في المملكة، خاصة القطاعات المهنية في مجالات التقنية ورواد الأعمال وأصحاب الشركات الساعية إلى تبنى المشاريع الطلابية ذات الابتكارات الفذة وتحويلها إلى بحوث تطبيقية، ومن أمثلتها المشاركة على مستوى عالمي بالمشاريع الطلابية مع المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) في عام 2019م؛ إذا كانت هذه المشاريع أداة فاعلة لتنمية المهارات والمعارف، وتفعيًلا الجوانب الإدراكية والفكرية، واستنهاضًا للطاقات والقدرات الوطنية البحرينية.
كذلك على المستوى الإقليمي تعد «جامعة أم القرى» في المملكة العربية السعودية نموذجًا لأدوارها الداعمة للابتكار وريادة الأعمال، وتسهم الجامعة من خلال وكالة جامعة هونج كونج الإبداعي في تنمية الاقتصاد الإبداعي، وذلك من خلال إنشاء فكرة إبداعية حول مفهوم الإبداع، وريادة الأعمال، والعمل على تأسيس مكتب إبداعي، لتسجيل براءة اختراع حصرية، وتقديم الدعم المعنوي والمادي للمبدعين ورواد منتجات الطلاب، وترشيحها للمشاركة في عديد من المؤتمرات، والمناسبات المحلية والدولية في هذا المجال وفي عالم تكتسب فيه الحلول المستدامة أهمية متزايدة، ونرى أن هناك مشاريع علمية بحرينية جديدة تضيئ الطريق نحو مستقبل أكثر اخضرارًا.
ومن أمثلة المشاريع الطلابية تلك التي تناولت ابتكارات لكيفية تحويل نفايات الكتلة الحيوية إلى منتجات مفيدة، والتي ساهمت في اكتساب رؤى جديدة حول كيفية تسخير الموارد المتجددة، إضافة إلى المجالات والتخصصات القابلة للتطبيق، خاصة في تخصص السياحة واللغات والبيئة، وغيرها من الأفكار الإبداعية الناتجة عن المشاريع الطلابية، والتي لها دور في صنع القرارات المستقبلية ذات التأثيرات الإيجابية على المجتمع البحريني.
وفي الختام نحن نتحدث عن أعداد لا محدودة من المشاريع الطلابية سنويًا، والتي يمكن اعتبارها نواة لبرامج ومبادرات يمكن للجهات الحكومية والخاصة تشجيع أصحاب هذه المشاريع واستقطابها وتحويلها لمنتجات ترفد الأسواق المحلية، وتقديم مشاريع واقعية تعالج مشاكل المجتمع والدولة على السواء في جميع التخصصات، وهو بالفعل ما نراه من خلال مشاريع متنوعة ومتميزة على غرار عرض مشاريع كليات الهندسة بجميع فروعها أفضل الإنتاجات الطلابية، والتي تتميز بالجدية والأصالة والإبداع، وقد استحقت بعض هذه المشاريع الجائزة الوطنية (جائزة خالد بن حمد لمشاريع التخرج)، التي تسعى إلى توفير الدعم المادي والمعنوي لطلبة الجامعات من خلال إبراز وتسليط الضوء على أفضل مشاريع التخرج الرائدة والمبتكرة التي تسهم في تقديم حلول مشكلات قطاع الصناعة والأعمال، تزيد من الإنتاجية، وترتقي بالخدمات المقدمة للمجتمع وتنميته، ودعم الاقتصاد الوطني، حيثُ تعد هذه المشاريع على اختلاف أنواعها وأشكالها بمثابة التطبيق العملي للمعلومات والأفكار النظرية، وبالتأكيد ستساعد في تحقيق مردودات اقتصادية مستدامة.
{ مختصة في فلسفة الدراسات
البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك