العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تاريخ إسرائيلي قاتم في التنكيل بالشعب الفلسطيني

بقلم: د. رمزي بارود {

الأربعاء ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

عندما‭ ‬احتلت‭ ‬المليشيات‭ ‬الصهيونية‭ ‬المدججة‭ ‬بأحدث‭ ‬الأسلحة‭ ‬الغربية‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1947‭ ‬و1948،‭ ‬عبرت‭ ‬عن‭ ‬انتصارها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإمعان‭ ‬في‭ ‬الإذلال‭ ‬المتعمد‭ ‬للسكان‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

لقد‭ ‬استهدفت‭ ‬العصابات‭ ‬الصهيونية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬الفلسطينيات،‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬وأمعنت‭ ‬في‭ ‬إذلالهن،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬العار‭ ‬الذي‭ ‬يلحق‭ ‬بالفلسطينيات،‭ ‬وفقًا‭ ‬للثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬إنما‭ ‬يلحق‭ ‬بالمجتمع‭ ‬بأكمله‭.‬

ولا‭ ‬تزال‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الصهيونية‭ ‬قيد‭ ‬الاستخدام‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬وتستهدف‭ ‬مختلف‭ ‬فئات‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬يرزح‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الغاشم‭.‬

عندما‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬الفلسطينيات‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬تبادل‭ ‬الأسرى‭ ‬بين‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬24‭ ‬نوفمبر‭ ‬2023،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬مجال‭ ‬كبير‭ ‬لإخفاء‭ ‬الحقائق‭ ‬الصادمة‭ ‬والشنيعة‭.‬

وخلافاً‭ ‬للمجتمع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬موجوداً‭ ‬قبل‭ ‬75‭ ‬عاماً،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يستوعب‭ ‬إذلال‭ ‬إسرائيل‭ ‬المتعمد‭ ‬للنساء‭ ‬والرجال‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬وكأنه‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬العار‭ ‬الجماعي‭.‬

وقد‭ ‬سمح‭ ‬ذلك‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬السجينات‭ ‬الفلسطينيات‭ ‬المفرج‭ ‬عنهن‭ ‬حديثًا‭ ‬بالتحدث‭ ‬علنًا،‭ ‬غالبًا‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التلفزيون‭ ‬المباشر،‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬الإذلال‭ ‬الذي‭ ‬تعرضن‭ ‬له‭ ‬أثناء‭ ‬وجودهن‭ ‬رهن‭ ‬الاعتقال‭ ‬العسكري‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يواصل‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬التصرف‭ ‬بنفس‭ ‬العقلية‭ ‬القديمة،‭ ‬معتبراً‭ ‬أن‭ ‬الإمعان‭ ‬في‭ ‬إذلال‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إنما‭ ‬يمثل‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬الهيمنة‭ ‬والقوة‭ ‬والتفوق‭.‬

على‭ ‬مر‭ ‬السنين،‭ ‬أتقنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬سياسة‭ ‬الإذلال‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬المفهوم‭ ‬الذي‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬النفسية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬فضح‭ ‬جماعات‭ ‬بأكملها‭ ‬لتأكيد‭ ‬العلاقة‭ ‬غير‭ ‬المتكافئة‭ ‬بين‭ ‬مجموعتين‭ ‬من‭ ‬الناس‭: ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬قوة‭ ‬الاحتلال‭ ‬والشعب‭ ‬الذي‭ ‬يرزح‭ ‬تحت‭ ‬نير‭ ‬الاحتلال‭. ‬

ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬قامت‭ ‬إسرائيل،‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للحرب‭ ‬التي‭ ‬تخوضها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬باحتجاز‭ ‬جميع‭ ‬العمال‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬الذين‭ ‬تصادف‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬داخل‭ ‬إسرائيل‭ ‬كعمالة‭ ‬يومية‭ ‬غير‭ ‬مكلفة،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬عملية‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬أظهر‭ ‬التجريد‭ ‬من‭ ‬الإنسانية‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬أولئك‭ ‬العمال‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬وجود‭ ‬اتجاه‭ ‬متزايد‭ ‬بين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬للحط‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وانتهاك‭ ‬إنسانيتهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬سبب‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

ووقعت‭ ‬إحدى‭ ‬أسوأ‭ ‬الأحداث‭ ‬الشنيعة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬بالفعل‭ ‬رصدها‭ ‬وتوثيقها‭ ‬بتاريخ‭ ‬12‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023م،‭ ‬عندما‭ ‬اعتدت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬والمستوطنين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬نشطاء‭ ‬فلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

وصفت‭ ‬صحيفتا‭ ‬هآرتس‭ ‬وتايمز‭ ‬أوف‭ ‬إسرائيل‭ ‬الإسرائيليتان‭ ‬كيف‭ ‬تم‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الثلاثة،‭ ‬وتجريدهم‭ ‬من‭ ‬ملابسهم،‭ ‬وتقييدهم،‭ ‬وتصويرهم،‭ ‬وتعذيبهم،‭ ‬والتبول‭ ‬عليهم‭ ‬أيضا‭ ‬إمعانا‭ ‬في‭ ‬إذلالهم‭.‬

وكانت‭ ‬تلك‭ ‬الصور‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عندما‭ ‬ظهرت‭ ‬صور‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬غزة‭.‬

لقد‭ ‬ظهرت‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬ومقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬رجالاً‭ ‬مجردين‭ ‬من‭ ‬ملابسهم‭ ‬باستثناء‭ ‬ثيابهم‭ ‬الداخلية،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬وضعهم‭ ‬بأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬غزة،‭ ‬بينما‭ ‬كانوا‭ ‬محاطين‭ ‬بجنود‭ ‬إسرائيليين‭ ‬مجهزين‭ ‬تجهيزاً‭ ‬جيداً‭ ‬ويفترض‭ ‬أنهم‭ ‬يشكلون‭ ‬تهديداً‭.‬

تم‭ ‬تقييد‭ ‬أيدي‭ ‬الرجال‭ ‬ووضعهم‭ ‬معًا‭ ‬وإجبارهم‭ ‬على‭ ‬الانحناء‭ ‬ثم،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬تم‭ ‬إلقاؤهم‭ ‬في‭ ‬شاحنات‭ ‬عسكرية‭ ‬لنقلهم‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬مجهول‭.‬

وتم‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬بعض‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬لسرد‭ ‬قصص‭ ‬رعب،‭ ‬والتي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تنتهي‭ ‬بنهايات‭ ‬دموية‭.‬

ولكن‭ ‬لماذا‭ ‬تفعل‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬الشنيعة؟

طوال‭ ‬تاريخها‭ ‬‭ ‬ومنذ‭ ‬ولادتها‭ ‬العنيفة‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬العنف‭ ‬الدموي‭ ‬الذي‭ ‬رافقها‭ ‬‭ ‬عمدت‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬إذلال‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عمداً‭ ‬كتعبير‭ ‬عن‭ ‬قوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الأكبر‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬متناسب‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬بائسين‭ ‬ومحاصرين‭ ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭.‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬غرس‭ ‬هذا‭ ‬التكتيك‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬خلال‭ ‬فترات‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬عندما‭ ‬شعر‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬بالتمكين‭ ‬وازدادت‭ ‬إرادة‭ ‬المقاومة‭ ‬فيهم،‭ ‬وذلك‭ ‬كوسيلة‭ ‬لكسر‭ ‬روحهم‭ ‬الجماعية‭.‬

وكانت‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الأولى‭ (‬1987-1993‭) ‬مليئة‭ ‬بحالات‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإذلال‭. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬جر‭ ‬الأطفال‭ ‬والرجال‭ ‬الذين‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و55‭ ‬عاماً‭ ‬إلى‭ ‬ساحات‭ ‬المدارس،‭ ‬وتجريدهم‭ ‬من‭ ‬ملابسهم،‭ ‬وإجبارهم‭ ‬على‭ ‬الركوع‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة،‭ ‬وضربهم‭ ‬وإهانتهم‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬باستخدام‭ ‬مكبرات‭ ‬الصوت‭.‬

لقد‭ ‬طالت‭ ‬هذه‭ ‬الإهانات‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أعوام‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعتز‭ ‬به‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬ديانتهم،‭ ‬إلههم‭ ‬الذي‭ ‬يعبدونه،‭ ‬أمهاتهم،‭ ‬أماكنهم‭ ‬المقدسة‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬الأخرى،‭ ‬ثم‭ ‬يُجبر‭ ‬الأولاد‭ ‬والرجال‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بأفعال‭ ‬معينة،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬البصق‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬أو‭ ‬الصراخ‭ ‬بألفاظ‭ ‬نابية‭ ‬معينة،‭ ‬أو‭ ‬صفع‭ ‬أنفسهم‭ ‬أو‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭. ‬أما‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يرفضون‭ ‬الانصياع،‭ ‬فإنهم‭ ‬يتعرضون‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬للضرب‭ ‬والاعتقال‭.‬

يستمر‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬الأساليب‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬خاصة‭ ‬خلال‭ ‬أوقات‭ ‬الإضراب‭ ‬عن‭ ‬الطعام،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضًا‭ ‬خلال‭ ‬فترات‭ ‬الاستجواب‭. ‬وفي‭ ‬الحالات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬يتم‭ ‬تهديد‭ ‬الرجال‭ ‬باغتصاب‭ ‬زوجاتهم‭ ‬أو‭ ‬أخواتهم؛‭ ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬تهديد‭ ‬النساء‭ ‬الفلسطينيات‭ ‬بالعنف‭ ‬الجنسي‭.‬

غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تُقابل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬بتحدٍ‭ ‬فلسطيني‭ ‬جماعي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يغذي‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭.‬

إن‭ ‬صورة‭ ‬المقاتل‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬الذي‭ ‬يرتدي‭ ‬الزي‭ ‬العسكري،‭ ‬ويلوح‭ ‬ببندقية‭ ‬آلية،‭ ‬ويسير‭ ‬بفخر‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬نابلس‭ ‬أو‭ ‬جنين‭ ‬أو‭ ‬غزة،‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬غرضا‭ ‬عسكريا‭ ‬حقيقيا‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فهي‭ ‬استجابة‭ ‬مباشرة‭ ‬للأثر‭ ‬النفسي‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإذلال‭ ‬الذي‭ ‬يلحق‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

ولكن‭ ‬ما‭ ‬وظيفة‭ ‬العرض‭ ‬العسكري‭ ‬الفلسطيني؟‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتمعن‭ ‬في‭ ‬تسلسل‭ ‬الحدث‭.‬

عندما‭ ‬تعتقل‭ ‬إسرائيل‭ ‬نشطاء‭ ‬فلسطينيين،‭ ‬فإنها‭ ‬تحاول‭ ‬خلق‭ ‬السيناريو‭ ‬المثالي‭ ‬لمجتمع‭ ‬ذليل،‭ ‬ومهزوم‭ ‬ومكسور‭ ‬الإرادة‭ ‬‭ ‬الرعب‭ ‬الذي‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬عندما‭ ‬تبدأ‭ ‬المداهمات‭ ‬الليلية،‭ ‬وضرب‭ ‬عائلة‭ ‬المعتقلين،‭ ‬وصيحات‭ ‬الإهانات‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حركات‭ ‬أخرى‭ ‬مصممة‭ ‬خصيصا‭ ‬ومشاهد‭ ‬الرعب‭.‬

وبعد‭ ‬ساعات،‭ ‬يخرج‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬إلى‭ ‬شوارع‭ ‬أحيائهم،‭ ‬وهم‭ ‬يستعرضون‭ ‬بنادقهم‭ ‬بفخر،‭ ‬وسط‭ ‬زغاريد‭ ‬النساء‭ ‬ونظرات‭ ‬الأطفال‭ ‬المتحمسين‭. ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬بالضبط‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يرد‭ ‬بها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬على‭ ‬الإذلال‭.‬

لقد‭ ‬ازدادت‭ ‬قوة‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وتشكل‭ ‬غزة‭ ‬حاليًا‭ ‬مثالاً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

مع‭ ‬فشل‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬احتلال‭ ‬غزة‭ ‬وإخضاع‭ ‬سكانها،‭ ‬فإن‭ ‬استخدام‭ ‬سياسة‭ ‬الإذلال‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬أمر‭ ‬مستحيل‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭.‬

بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يشعرون‭ ‬بالمهانة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر،‭ ‬بل‭ ‬بسبب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭.‬

ومع‭ ‬عجزه‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬بحرية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬خان‭ ‬يونس‭ ‬أو‭ ‬رفح‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬مركز‭ ‬سكاني‭ ‬رئيسي‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬يضطر‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬إذلال‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬منطقة‭ ‬صغيرة‭ ‬يمكنهم‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها،‭ ‬مثل‭ ‬بيت‭ ‬لاهيا‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬شعر‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬العاديون‭ ‬بالإحباط‭ ‬بسبب‭ ‬فشلهم‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬الوفاء‭ ‬بوعودهم‭ ‬بإخضاع‭ ‬سكان‭ ‬غزة،‭ ‬لجأوا‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للتهكم‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بطريقتهم‭ ‬الخاصة‭.‬

كانت‭ ‬النساء‭ ‬الإسرائيليات،‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬مع‭ ‬أطفالهن،‭ ‬يرتدين‭ ‬ملابس‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬تصويرًا‭ ‬عنصريًا‭ ‬للنساء‭ ‬العربيات‭ ‬اللاتي‭ ‬يبكين‭ ‬على‭ ‬جثث‭ ‬أطفالهن‭ ‬القتلى‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬السخرية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬قد‭ ‬نال‭ ‬إعجاب‭ ‬مخيلة‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬إحساسه‭ ‬بالتفوق‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬فيه‭ ‬يدفع‭ ‬ثمن‭ ‬عنفه‭ ‬وغطرسته‭ ‬السياسية‭.‬

ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أثبتت‭ ‬سياسة‭ ‬الإذلال‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬إسرائيل‭ ‬عدم‭ ‬فعاليتها،‭ ‬لأن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬التغير‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‭.‬

لا‭ ‬يشعر‭ ‬المرء‭ ‬بالإهانة‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬استوعب‭ ‬هذا‭ ‬الإذلال‭ ‬كشعور‭ ‬بالعار‭ ‬وفقدان‭ ‬القدرة‭ ‬وغياب‭ ‬الإرادة،‭ ‬لكن‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬لا‭ ‬تنتابهم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المشاعر‭. ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬ولّد‭ ‬الصمود‭ ‬المستمر‭ ‬والوحدة‭ ‬شعوراً‭ ‬بالفخر‭ ‬الجماعي‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭.‬

 

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬صحفي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا