شهد هذا العام الإفلاس التام لبنكSVB ، وهو البنك السادس عشر الأكبر في الولايات المتحدة. ما يعد أكبر فشل مصرفي منذ الأزمة المالية عام 2008. ولقيت بنوك أخرى مثل ((Silvergate وSignature Bank)) نفس المصير من الانهيار الكامل. وقد تم وضع البنوك الثلاثة الآن تحت سيطرة المؤسسة الفيدرالية الأمريكية لضمان التأمين على الودائع مما يعني أن الحكومة الفيدرالية ستمنح أموال دافعي الضرائب لتعويض كل عملاء هذه البنوك المنهارة.
لكن الضرر لم يتوقف عند هذا الحد. فقد فرضت هذه الانهيارات ضغوطاً على بنوك إقليمية وعالمية أخرى. باختصار، يتأرجح الوضع المالي على حافة أزمة كبرى. ولكن هل مجريات هذه الأحداث تمت بالصدفة؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما الأجندة التي تقف وراء ذلك؟
أولا: نقول قطعا لا.. كل ما جرى ليست صدفة وحسب. ولكن هل هذا يعني أن الانهيارات تم التخطيط لها وهندستها بأدق التفاصيل؟ ربما وربما لا. من المؤكد أنه كان هناك على الأقل بعض التحذير للأشخاص الذين يعرفون ذلك. فقد قام الرئيس التنفيذي والمدير المالي لبنك SVB بالتخلص من ما مجموعه 4 ملايين دولار من الأسهم في الأسبوعين السابقين للانهيار، وقام صندوق مؤسسي بيتر ثيل (البليونير الأمريكي) بسحب جميع أمواله من SVB قبل الانهيار.
وحدث هذا على الرغم من أن إدارة كاليفورنيا للحماية المالية والابتكار وجدت أن بنك SVB كان «مؤسسة مالية سليمة» حتى التاسع من مارس الماضي، وأنه لم يدخل في مرحلة الإعسار إلا بعد أن تسبب المستثمرون في سحب أموالهم وودائعهم تخوفا من عجز البنك عن سدادها بالكامل.
من الواضح أن هذا ليس دليلاً على الانهيار المتعمد، لكنه شيء يجب أخذه بعين الاعتبار. كان من الممكن لأي شخص لديه نوع من المعرفة المسبقة أن يحقق ثروة من خيارات البيع خلال عطلة نهاية الأسبوع. لكن كل هذا ليس له أي أهمية، لأننا نعلم أنهم تعمدوا خنق الاقتصاد مدة ثلاث سنوات كردة فعل على «الجائحة». لقد قاموا بتضخيم تكلفة الغذاء والطاقة من خلال «طباعة» مليارات ومليارات الدولارات والجنيهات واليوروهات. لذا، فحتى لو لم يكن هناك ترتيب محدد لإدارة هذه البنوك على وجه التحديد، فإن فشل البنوك كان نتيجة حتمية لهذا التخريب الاقتصادي – وهو أمر لا مفر منه.
الأسئلة الأكثر أهمية هي «لماذا؟» و«ماذا يحدث الآن؟» سيكون أحد الجوانب هو اللوائح التنظيمية الأكثر صرامة، وخاصة فيما يتعلق بالعملات المصرفية المشفرة الجديدة. ليس من الصدفة أن اثنين من البنوك التي انهارت Silvergate وSignature هما مستثمران رئيسيان في العملات المشفرة، ومن المعروف أن بنك SVB له روابط بالعملات المشفرة أيضًا. من المحتمل أن وراء الحكاية الترويج لفكرة أن «استثمار العملات المشفرة غير المنظم يشكل خطراً على النظام المالي» أو أن «العملات المشفرة غير المنظمة تجعل مؤسساتنا المالية عرضة للحرب الاقتصادية» أو شيء مشابه. ونحن نشهد بالفعل مقالات تطرح على هذا المنوال على الصعيد العالمي، بالإضافة إلى تحذيرات خطيرة بهذا الشأن منذ الخريف الماضي.
ومن المرجح أن تكون المرحلة التالية هي الجدل حول أن البنوك الخاصة الإقليمية الصغيرة لا يمكنها ضمان أمن أموال عملائها، وسيكون من الأكثر سلامة وأمنا للأفراد التعامل مع البنوك الدولية العملاقة أو مباشرة مع البنوك المركزية. وهذا ما نراه من عمليات دمج أو استحواذ للبنوك على الصعيد المحلي والعالمي. منطقيًا، هناك مكان واحد فقط تتجه إليه هذه الدعاية ألا وهي: التبشير والتمهيد لفكرة «العملة الرقمية للبنوك المركزية».
من الآن فصاعدا، يمكن تقديم العملات الرقمية للبنوك المركزية على أنها أكثر أمانًا من الخدمات المصرفية التقليدية، وأكثر تنظيمًا من العملات المشفرة «التقليدية». علاوة على ذلك، نظرًا لأن مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية FDIC تضمن الآن الودائع بالكامل بالنسبة إلى البنوك المفلسة، فأنت عمليًا تتعامل مع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ذاته مباشرة على أي حال. فيطرح السؤال لماذا لا نجهز على الجهة الوسيطة (البنوك المصرفية) وننهي هذه العملية على أي حال؟
نحن نعلم أنهم سيقدمون هذه الحجج لأنهم بدأوا بالفعل في تقديمها. في يناير 2023، نشر المنتدى الاقتصادي العالمي مقالا في موقعه الرسمي بعنوان: «هل يمكن للعملات الرقمية للبنوك المركزية أن تساعد في استقرار الأسواق المالية العالمية؟»، فعمليات التسويق والترويج واضحة على هذا النحو. ولكن أكثر من ذلك، من المحتمل أن يتم تشجيع عمليات سحب الأموال من البنوك في المستقبل، لأنها قد تزيد من استيعاب العملة الرقمية المصرفية الجديدة.
وفقًا لتقرير صادر عن بنك التسويات الدولية (تم اقتباس بعض من الفقرات للتأكيد):
«... وتركز مجموعة أخرى من الدراسات على خطورة أن تعمل العملة الرقمية للبنوك المركزية على زيادة حساسية المودعين للأزمات المصرفية من خلال تسهيل تحويل الودائع. قد لا يكون لتوافر العملات الرقمية للبنوك المركزية تأثير كبير في عمليات الذعر المصرفي للبنوك الفردية حيث إنه من الممكن بالفعل تحويل الأموال رقميًا وفوريًا بين بنك ضعيف وبنك قوي ... ومع ذلك، خلال أي أزمة مصرفية، ستواجه التحويلات من الودائع المصرفية إلى العملات الرقمية للبنوك المركزية تكاليف معاملات أقل من تلك المرتبطة بالسحب النقدي (مثل الذهاب إلى أجهزة الصراف الآلي، والانتظار في الطابور، وما إلى ذلك)، وستوفر وجهة الملاذ الآمن في شكل البنك المركزي. إن انخفاض تكاليف اللجوء إلى العملات الرقمية للبنك المركزي (CBDC) مقارنة بالنقد يعني أن المزيد من المودعين سوف ينسحبون بسرعة مع احتمالية أقل لحدوث أزمة ملاءة مصرفية على الصعيد العام».
إنهم يجادلون بأنه نظرًا لأن أي عملة رقمية للبنوك المركزية افتراضية ستكون أكثر أمانًا من الودائع المصرفية التقليدية، وأسهل في الحصول عليها من النقد، فإن الناس سيختارون استخدامها في حالة حدوث تهافت على البنوك، وبالتالي فإن تهافت البنوك على الودائع سيكون أكثر احتمالًا وشائعاً.
هل ترى المعنى هنا؟ وبمجرد ظهور العملات الرقمية للبنوك المركزية، وهو أمر «اختياري» في البداية بالطبع، يمكن للبنوك المركزية من الناحية النظرية زيادة استيعابها من خلال هندسة عدم الاستقرار المالي بشكل مصطنع والتسبب في انهيار البنوك الإقليمية. لن يجعلوها إلزامية، بل سيجعلونها «آمنة» فقط. ووصف تقرير آخر، نشره مجلس اللوردات في المملكة المتحدة في عام 2022، العملات الرقمية للبنوك المركزية بأنها «حل للبحث عن مشكلة». يبدو أنهم وجدوا مشكلتهم للتو. والمشاكل مثل أي شيء آخر، أفضلها هي تلك التي تصنعها بنفسك.
{ كاتب بحريني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك