إن إدارة الرئيس جو بايدن بصدد إلحاق الضرر بمكانة الولايات المتحدة الأمريكية ومصداقيتها وبقيمنا ومبادئنا التي كرسناها بأنفسنا.
لقد سلطت أحداث الأسبوع الماضي الضوء على الكيفية التي ألحق بها سلوك الولايات المتحدة المتساهل والعقيم تجاه السياسات التي تنتهجها إسرائيل الضرر بمكانة أمريكا في العالم.
أظهرت عمليتا التصويت في منظمة الأمم المتحدة على مشروعي قرارين يدعوان إلى وقف إطلاق النار في غزة أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تم التخلي عنها من قبل معظم أقرب حلفائنا، الذين يشكك العديد منهم بشكل متزايد في قيادتنا العالمية.
أكثر من ثلاثة أشهر، استمرت إسرائيل في قصف الفلسطينيين في غزة بلا هوادة. وقد وصل عدد القتلى حتى الآن إلى ما يقرب من 20 ألف شخص، معظمهم من المدنيين.
وقد أدى القصف الإسرائيلي على شمال غزة إلى تحويل أكثر من نصف القطاع المدمر إلى أنقاض، في حين أجبر ما يقرب من مليوني فلسطيني على الفرار من منازلهم.
بعد الهدنة الإنسانية القصيرة التي سمحت بتبادل الرهائن والأسرى، نقلت إسرائيل حملة القصف إلى الجنوب حيث تصدر أوامر يومية للفلسطينيين بالانتقال من منطقة إلى أخرى، فقط لقصف المناطق التي أمروا بالانتقال إليها.
أما في المخيمات المؤقتة التي ظهرت في جنوب القطاع فهي تشهد تفشي معضلتي الجوع والمرض. إنها كارثة إنسانية تتفاقم بسبب سلوك إسرائيل الذي لا يمكن وصفه إلا بأنه إبادة جماعية.
وفي ظل هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، قدمت بعثة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى منظمة الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي مشروع قرار إلى مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية.
وقد تمت الموافقة على القرار من قبل 13 دول أخرى، وهو رقم قياسي من الدول الداعمة. وكان من المثير للانزعاج الشديد أن الولايات المتحدة الأمريكية استغلت الوقت الذي سبق التصويت في إنفاق قدر كبير من رأسمالها السياسي لحمل الآخرين على الانضمام إليها في التصويت بالرفض.
لقد فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في مساعيها، وكان التصويت النهائي يعكس مدى عزلة الولايات المتحدة –13 دولة مؤيدة لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن، ومعارضة الولايات المتحدة، وامتناع المملكة المتحدة عن التصويت.
وجاء المزيد من الأدلة على عزلة أمريكا في اليوم التالي عندما حصل قرار غير ملزم لوقف إطلاق النار في الجمعية العامة على 153 صوتاً، في حين صوتت الولايات المتحدة ومجموعة من تسع دول أخرى ضده.
وكان تفسير الولايات المتحدة لاستخدامها حق النقض والتصويت بـ «لا» هو أن القرار تم التعجيل به دون إتاحة الوقت الكافي للتشاور. كان هذا كذبًا واضحًا ومحرجًا، حيث إن الأزمة الإنسانية في غزة استغرقت أكثر من ثلاثة أشهر، وكان مشروع القرار الإماراتي متداولًا لعدة أيام، مما أتاح متسعًا من الوقت للمناقشة.
وبدلاً من التفاوض، فقد ركزت الولايات المتحدة الأمريكية على لي الأذرع لحمل الدول الأخرى على الانضمام إليها في المعارضة. وما أصبح واضحا للعالم هو أن إدارة الرئيس جو بايدن غير مستعدة للدعوة إلى وقف إطلاق النار.
وهناك عاملان آخران يعززان هذا الاستنتاج. بعد يوم واحد من تصويت الأمم المتحدة، الذي اشتكت الولايات المتحدة من أنه ليس لديها الوقت الكافي للنظر فيه بشكل مناسب، أعلن البيت الأبيض في عهد بايدن أنه اتخذ قرارًا أحاديًا بشحن 14000 قذيفة مدفعية إلى إسرائيل دون إخطار الكونجرس أولاً.
بمعنى آخر، لم يكن لدى هذه الإدارة ما يكفي من الوقت للنظر في وقف إطلاق النار، لكنها لم تكن في حاجة إلى وقت على الإطلاق لإرسال المزيد من الأسلحة الفتاكة إلى إسرائيل في انتهاك للقواعد التي تتطلب إشراف الكونجرس طبقًا للقواعد التي وضعها قانون مراقبة تصدير الأسلحة.
قبل أسبوع واحد، في تجمع بمناسبة عيد الهانوكا اليهودي في البيت الأبيض، تحدث الرئيس بايدن بحماس عن حبه لإسرائيل، وحقها في الدفاع عن نفسها، وتعهد بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستقف دائمًا إلى جانب إسرائيل.
ثم تحول بعد ذلك إلى توجيه ما بدا أنه انتقاد لسلوك إسرائيل في الحرب متهماً إسرائيل بـ «القصف العشوائي» في قطاع غزة.
وقبل أن يتمكن أي شخص من تخيل أن هذا يمثل نقطة تحول، في اليوم التالي، «قلل» أحد المتحدثين باسم الإدارة من تصريحات الرئيس بايدن، في حين أشار آخر إلى أن إسرائيل كانت في الواقع أكثر حذرًا واستهدافًا في حملة القصف المتجددة في الجنوب.
فبدلاً من معالجة الخسائر الفادحة في أرواح الفلسطينيين والظروف اليائسة التي أرغم الناجون على العيش في ظلها، تواصل الولايات المتحدة الأمريكية إعطاء الأولوية للهدف العسكري الإسرائيلي الخيالي المتمثل في «القضاء على حركة حماس». ونتيجة لذلك، يرى صناع السياسات في الولايات المتحدة الأمريكية أن الدعوات إلى وقف إطلاق النار تعد مقوضة للجهود الإسرائيلية والأمريكية.
أتذكر محادثة أجريتها مع أحد كبار المسؤولين في إدارة بايدن، بعد أسابيع قليلة من اندلاع هذه الحرب. وفي مرحلة ما، قال، مردداً الخطوط الإسرائيلية، إن «وقف إطلاق النار لن يكون مقبولاً لأنه لن يؤدي إلا إلى منح حماس الوقت لإعادة التسلح».
وفي وقت لاحق، عندما ازداد تسليط الضوء على أعداد الضحايا والدمار العارم في غزة، قال: «هذا أيضًا أمر لا يطاق». أجبته: «إذن هناك أمران لا يطاقان، وقد اخترت الأمر الذي لا يزال يكلف المزيد من أرواح الفلسطينيين». حصلت هذه المحادثة عندما بلغ عدد القتلى في غزة 3000 شخص.
والآن يقترب العدد من 20 ألف ضحية، والعالم وجزء كبير من الرأي العام الأمريكي يشعرون بالسخط ليس فقط على حرب إسرائيل، بل أيضاً على الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل. إن إدارة بايدن تلحق الضرر بمكانة الولايات المتحدة ومصداقيتها وبقيمنا ومبادئنا التي كرسناها بأنفسنا.
خلاصة القول هي أنه بينما يتغير الرأي العام الأمريكي والعالمي بشأن السلوك الإسرائيلي، فإن السياسة الأمريكية ما زالت عالقة ومعزولة على نحو متزايد.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك