العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تحولات الموقف الغربي تجاه الأزمة الأوكرانية

بقلم: د. نبيل العسومي

الاثنين ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

عندما‭ ‬أرادت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬جر‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭  ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬عامها‭ ‬الثالث‭ ‬رغم‭ ‬المحاولات‭ ‬الروسية‭ ‬ورغم‭ ‬الخيارات‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬طرحتها‭ ‬لحل‭ ‬مشكلة‭ ‬الدونباس‭ ‬ذات‭ ‬الأغلبية‭ ‬الروسية‭ ‬والتي‭ ‬تتعرض‭ ‬لحملة‭ ‬شرسة‭ ‬وحرب‭ ‬إبادة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬نظام‭ ‬كييف‭ ‬ورغم‭ ‬الدعوات‭ ‬الروسية‭ ‬للتفاهم‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬توافقات‭ ‬لحل‭ ‬الأزمة‭ ‬وفق‭ ‬اتفاقيات‭ ‬مينسك‭ ‬1‭ ‬لعام‭ ‬2014‭ ‬ومينسك‭ ‬2‭ ‬لعام‭ ‬2015‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬توقيعها‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وجمهورية‭ ‬أوكرانيا‭ ‬برعاية‭ ‬فرنسية‭ ‬وألمانية‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬مختلف‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬والمالية‭ ‬لكييف‭ ‬ومع‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬فرضت‭ ‬عقوبات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وتجارية‭ ‬ومالية‭ ‬تجاوزت‭ ‬7000‭ ‬عقوبة‭ ‬شملت‭ ‬كل‭ ‬القطاعات‭ ‬حتى‭ ‬الثقافة‭ ‬والرياضة‭ ‬والفن‭ ‬والموسيقى‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬القديم‭ ‬والحديث‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لعزل‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭.‬

إلا‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬اقتراب‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬عامها‭ ‬الثالث‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬وتمكن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬من‭ ‬الصمود‭ ‬وفشل‭ ‬الهجوم‭ ‬الأوكراني‭ ‬الذي‭ ‬طبل‭ ‬له‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬ونجاح‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬صد‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وتغير‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬لصالح‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وبروز‭ ‬مؤشرات‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬قرب‭ ‬خسارة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬رغم‭ ‬الدعم‭ ‬والمساعدات‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬والتي‭ ‬علق‭ ‬عليها‭ ‬الغرب‭ ‬آمالا‭ ‬لإلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بروسيا‭ ‬فإن‭ ‬الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬التغير‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬تراجع‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬وبالتالي‭ ‬رفع‭ ‬يدها‭ ‬عن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وتركها‭ ‬تواجه‭ ‬مصيرها‭ ‬وحدها‭ ‬بعد‭ ‬إن‭ ‬دمرت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬وخربت‭ ‬وهدمت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬في‭ ‬الأقاليم‭ ‬الشرقية‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬وتسويتها‭ ‬مع‭ ‬الأرض‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬زمنا‭ ‬ووقتا‭ ‬طويلا‭ ‬وميزانيات‭ ‬ضخمة‭ ‬لإعادة‭ ‬البناء‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬توفر‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المالية‭ ‬للدولة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وهكذا‭ ‬وجد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬نفسه‭ ‬وحيدا‭ ‬يواجه‭ ‬هو‭ ‬وشعبه‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬المسلح‭ ‬تسليحا‭ ‬حديثا‭ ‬ومزود‭ ‬بتقنية‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬حصدت‭ ‬أرواح‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الأوكراني‭ ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬الزهور‭ ‬مما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬معاناة‭ ‬لأسرهم‭ ‬وأهاليهم‭ ‬إذا‭ ‬عرفنا‭ ‬إن‭ ‬أغلب‭ ‬الأسر‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لديها‭ ‬طفل‭ ‬أو‭ ‬طفلان‭ ‬بالكثير‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬الزيارة‭ ‬الأخيرة‭ ‬للرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والفتور‭ ‬الذي‭ ‬استقبل‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬ورفض‭ ‬الكونجرس‭ ‬تقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬إضافية‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭ ‬رغم‭ ‬محاولات‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬لإقناع‭ ‬الكونجرس‭ ‬بتمرير‭ ‬قرار‭ ‬تقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬جديدة‭ ‬إلى‭ ‬كييف‭ ‬لتتمكن‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬المساعدات‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬لدعمها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬ضد‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬أول‭ ‬مؤشرات‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬حيث‭ ‬غادر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬صفر‭ ‬اليدين‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬ولم‭ ‬تحقق‭ ‬الزيارة‭  ‬أيا‭ ‬من‭ ‬مطالبه‭ ‬بعكس‭ ‬زياراته‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬استقبل‭ ‬فيها‭ ‬بترحيب‭ ‬حار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلسي‭ ‬النواب‭ ‬والشيوخ‭ ‬ولاقى‭  ‬كل‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المسألة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تثير‭ ‬اهتمام‭ ‬المواطن‭ ‬الأمريكي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬الأمريكان‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬جدوى‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬دافعي‭ ‬الضرائب‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وعليه‭ ‬بدأت‭ ‬الضغوطات‭ ‬تتزايد‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الجمهوريين‭ ‬للتقليل‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬المخصص‭ ‬لأوكرانيا‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬فإن‭ ‬الموقف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬أعادت‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مسالة‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬لكييف‭ ‬بسبب‭ ‬تراجع‭ ‬المخزون‭ ‬من‭ ‬الذخيرة‭ ‬في‭ ‬مخازن‭ ‬السلاح‭ ‬الأوروبية‭ ‬وزيادة‭ ‬التكلفة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التضخم‭ ‬الذي‭ ‬تشهده‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬بسب‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬والتي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية‭ ‬تجاوز‭ ‬7%‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬ونتيجة‭ ‬للضغط‭ ‬الشعبي‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬مساعدة‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والدعوات‭ ‬إلى‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬لإنهاء‭ ‬الحرب‭.‬

هذا‭ ‬بعكس‭ ‬الموقف‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬عبر‭ ‬عنه‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمره‭ ‬الصحفي‭ ‬السنوي‭ ‬في‭ ‬موسكو‭ ‬مؤخرا‭ ‬عندما‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ممكن‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬بعد‭ ‬تحقيق‭ ‬موسكو‭ ‬لأهدافها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتغير‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الحملة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬وهو‭ ‬استئصال‭ ‬النازية‭ ‬ونزع‭ ‬سلاح‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وحياديتها‭ ‬وإن‭ ‬روسيا‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬وهي‭ ‬ماضية‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬رغم‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الغربية‭ ‬ورغم‭ ‬العزلة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬وذلك‭ ‬بفضل‭ ‬الصمود‭ ‬الروسي‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وماليا‭ ‬وتماسك‭ ‬المجتمع‭ ‬الروسي‭ ‬والقدرات‭ ‬المتزايدة‭ ‬للجيش‭ ‬الروسي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا