كانت الولايات المتحدة قبل 7 أكتوبر 2023 في وضع القائد والمهندس لشرق أوسط جديد يخفف التزاماتها في المنطقة، ويعزز الاستقرار والتعايش بين مكوناته المتصارعة.
شهدت المنطقة خفض تصعيد إيران ووكلائها، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بوساطة صينية بعد 7 سنوات عجاف.، والعمل الجاد لإحداث تحول جيو – بولتيكي إقليمي كبير في المنطقة ، قبل انشغال الرئيس بايدن وحزبه والنظام الأمريكي على مدى عام بانتخابات الرئاسة بدءا من يناير العام المقبل، والعمل مع حلفاء واشنطن في المنطقة لإطلاق مشروع إدارة بايدن الطموح في قمة مجموعة العشرين في الهند في سبتمبر الماضي.
مشروع إقامة ممر اقتصادي وعبور من الهند عبر منطقة الخليج والشرق الأوسط – وصولا إلى أوروبا لتسهيل التبادل الاقتصادي والشحن ونقل البضائع عبر الشرق الأوسط – يشمل الولايات المتحدة – الهند – الإمارات العربية المتحدة – السعودية والاتحاد الأوروبي.
لكن هدف المشروع الحقيقي احتواء الصين وسحب البساط من مشروعها العملاق الحزام والطريق الواحد، لكن تجمدت تلك المشاريع بعد إطلاق حماس عملية طوفان الأقصى بمفردها، دون تنسيق مع أي طرف. واعترفت إيران أنه لم يكن لها دور في الإعداد والتنفيذ.
لا يلوم بايدن والإدارات السابقة إلا أنفسهم، وليتحملوا مسؤولية انحيازهم واصطفافهم التاريخي والتقليدي مع إسرائيل، وإهمالهم أهمية حل القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي.
وكذلك سكوتهم وتواطؤهم مع جرائم حرب نهج حكومات اليمين المتطرفة، وخاصة حكومة نتنياهو وفريقه من عتاة اليمين الفاشي – والتنكيل بالفلسطينيين وتوسعة بؤر الاستيطان السرطاني (غير الشرعي والمخالف للقانون الدولي)، والقمع والاعتداءات المتكررة، والسماح لقطعان المستوطنين بتدنيس باحات المسجد الأقصى باستفزاز لتكريس حق تقاسم المكان والزمان للعبادة، ما يخالف ويتعدى على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وهناك الاعتداءات على حي الشيخ جراح، واقتحام جنين ونابلس والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، واعتداءات وبلطجة المستوطنين بالقتل، والتنكيل والاعتداء على الفلسطينيين وقتلهم وحرق منازلهم ومزارعهم، والتعدي عليهم بدعم وإسناد الشرطة وقوى الأمن.
أدت اعتداءات الصهاينة إلى استشهاد 250 فلسطينيا منذ مطلع العام في الضفة الغربية، و131 شهيدا منذ 7 أكتوبر 2023، في أعلى حصيلة للشهداء في الضفة الغربية على الإطلاق.
صمت وتواطؤ الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وخاصة إدارة بايدن، التي أبدت اهتماما أكبر بانتقاد تجرؤ نتنياهو وحكومته الأكثر تطرفا بتاريخ الاحتلال الإسرائيلي بالسعي لتمرير تعديلات تشريعية، تحد من صلاحيات السلطة القضائية والمحاكم من التدخل بشؤون السلطة التنفيذية، وقرارات حكومته تهميش القضاء ومنع القضاء من عزل رئيس الوزراء؛ حتى لا يفقد حصانته ويحاكم على التهم الجنائية الخطيرة التي تلاحقه بالفساد وخيانة الأمانة والتكسب غير الشرعي!! ما قد يطيح به وينهي حياته السياسية ويدخله السجن، لهذا استمات نتنياهو للتحالف مع الفاشيين كبن غفير وزير الأمن الوطني وسموترتش وزير المالية، وصعد بجرائم حرب في غزة لينقذ جلده، ما جعله رهينة لابتزاز وعنصرية واستفزاز اليمين المتطرف.
ما حدث في 7 أكتوبر، فاق جميع التوقعات بتغيير معالم الشرق الأوسط، وبفرض وقائع جديدة على المستويات الفلسطينية والإقليمية والدولية.
كتب والي نصر وماريا فانتابي مقالا عن تداعيات حرب غزة – في دورية «الفورين افيرز» – الأمريكية بعنوان: «الحرب التي أعادت تشكيل الشرق الأوسط… وكيف يمكن لواشنطن العمل على استقرار وتحويل المنطقة».
أرى أن «عملية طوفان الأقصى عطلت الاستراتيجية الأمريكية وكثيرا من مكوناتها»، أبرزها تعرية وفضح وتماهي الانحياز الأمريكي والغربي مع جرائم حرب وعدوان الصهاينة، وتوفير الدعم والحماية والتمويل والسلاح والفيتو في مجلس الأمن. ووصل الأمر برفض بايدن وقف الحرب وتبريره مع قادة أوروبا بشكل مستفز، أنه يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها، ما زاد من كراهية أمريكا وأوروبا في الشارع العربي، وأحرج حلفاء واشنطن، وعمّق أزمة الثقة مع حلفاء واشنطن ومنح إيران وحلفاءها؛ حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله والحوثيين، التقدير في العقلية العربية – الإسلامية.
في المقابل، عرّت جرائم حرب الإبادة على غزة انحياز أمريكا والغرب السافر لإسرائيل، كشركاء في حرب الإبادة التي أودت بحياة 20.000 شهيد و7000 مفقود تحت الركام والأنقاض و40.000 مصاب، ثلثا الضحايا أطفال ونساء، وترحيل قسري لـ1.5 مليون في أكبر حرب مدمرة في أكثر من 70 يوما.
ولم يترك الصهاينة جريمة حرب وخرقا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، إلا وارتكبوها في عقاب جماعي وإبادة جماعية، وتدمير مربعات سكنية وشقق ومدارس ومستشفيات ومساجد على رؤوس ساكنيها، وفرض حصار وقطع إمدادات الكهرباء والوقود والماء والغذاء والدواء.
ومع دخول الهدنة الإنسانية لأربعة أيام حيز التنفيذ صباح 24/11/2023 – بوساطة قطرية ناجحة، ودعم مصري لوجيستي، وضغط أمريكي بسبب الغضب الشعبي والمظاهرات الصاخبة والانتقاد والتمرد داخل حزب بايدن الديمقراطي –، ما دفع بايدن لممارسة ضغط على نتنياهو، ترافق مع غضب وتظاهرات أهالي المحتجزين الإسرائيليين، ساهم بنجاح وساطة قطر بتحقيق اختراق مهم والتوصل إلى هدنة إنسانية أربعة أيام قابلة للتمديد، وإلى صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية في مرحلتها الأولى بإطلاق الاحتلال 150 سجينا، مقابل إفراج حماس عن 50 محتجزا إسرائيليا من الأطفال والشباب والنساء والعائلات، وتدفق مئات شاحنات المساعدات الغذاء والدواء ومواد طبية ووقود عبر معبر رفح المصري.
لكن الضرر الأكبر من حرب غزة على أمريكا، هو تهاوي مكانتها وتعطيل مشروعها، وإفشال احتوائها للصين وإيران.
{ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الكويت
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك