في الوقت الذي عاد فيه العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة، ومن ورائه عديد دول العالم (بما في ذلك الدول العربية) للحديث عن حل الدولتين باعتباره المخرج الوحيد للصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، ومع استبسال المقاومة الفلسطينية ومواصلة مقاتليها الإمعان في إذلال جنود جيش الدفاع الإسرائيلي في معارك قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) أن إسرائيل لن تقع في خطأ أوسلو مرة ثانية، وأن حل الدولتين انتهت مقوماته على الأرض وأن غزة لن تكون «حماسستان» ولا «فتحستان».
وقد توافق هذا كله مع توجهات قديمة/جديدة تبناها (نتنياهو) لإسدال الستار على ما اصطلح على تسمية (عملية السلام) مكرساً نظرة الكيان الصهيوني الراهنة والعلنية، ليس للضفة الغربية فقط بل ولقطاع غزة أيضاً، قوامها: خياران لا ثالث لهما (أيها الفلسطينيون): المغادرة أو الموت، أرضكم لنا.
عملية «طوفان الأقصى» أفقدت الكيان الصهيوني توازنه وبات يتصرف تحت وطأة سعار انتقامي يقارب الجنون (وخاصة، بعد مقتل ثلاثة محتجزين إسرائيليين -عن طريق الخطأ- على يد جنود إسرائيليين في قطاع غزة)، وفي ظل تزايد الضغوط على الحكومة الإسرائيلية من قبل عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، معلنا أنه يخوض حربا وجودية، وذلك في ظل خسارته للرأي العام العالمي بخطوات متسارعة.
ومن المعلوم إنه، منذ اللحظة الأولى «لطوفان الأقصى»، شهد الإعلام الإسرائيلي تجييشا للرأي العام الإسرائيلي في أجواء فاشية تستهدف التطهير العرقي. ويكفي متابعة ما قاله الجنرال والباحث الاستراتيجي الصهيوني (جيورا آيلاند) بكل صلافة انتقامية حين أعلن ساخراً: «إسرائيل تحارب دولة، وقطاع غزة يتصرف كما لو كان دولة شديدة التماسك.. ففي السابع من أكتوبر المواطنون الأبرياء، والنساء المساكين في قطاع غزة، هم أمهات وأخوات وزوجات «القتَلة» التابعين لحركة «حماس».
كان يكفينا أن نرى الفرحة على وجوههن، وهتافات التشجيع الفظيعة التي أطلقها كثيرون في الشوارع، بمن فيهم النساء. إذاً، لا، هؤلاء ليسوا مدنيين مساكين. لقد قررت قيادة الغزيين خوض عملية عسكرية، وهذا أمر يترتب عليه ثمن باهظ جداً يجب على السكان أيضاً دفعه».
حقيقة الكيان الصهيوني لم تعد خافية على أحد، فقد كشف «طوفان الأقصى» للعالم الغربي عن الوجه البشع «للدولة الديمقراطية الوحيدة (المزعومة) في منطقة الشرق الأوسط»! بل إنه، حتى في ظل ما تقترفه «إسرائيل» في قطاع غزة، ها هو الكيان يقر زيادات كبيرة في تمويل ما يسمى «وزارة شؤون المستوطنات والمهمات القومية»، في إطار التعديلات التي قررت الحكومة الإسرائيلية إدخالها إلى الميزانية العامة لسنة 2023، والتي يجري الدفع بها قدماً في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) هذه الأيام، حيث يقوم هذا الأخير في الوقت الحالي، بتعديل الميزانية لتغطية تكاليف العدوان على قطاع غزة، وحاجات الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، والأثر الاقتصادي للحملة العسكرية المستمرة، مع زيادات جديدة للمستعمرات/«المستوطنات» ترفع ميزانيتها من (343) مليون شيكل إلى (543) مليون شيكل.
المفارقة الكبرى إنه في ظل تكاثر الحديث أمريكياً وعربياً وعالمياً عن ضرورة حل الدولتين، وتكريس وحدة الضفة والقطاع تحت قيادة السلطة الفلسطينية المفعلـة، تتزايد الأصوات الإسرائيلية (القيادية والجماهيرية) الداعية لاستمرار حرب الإبادة والتطهير العرقي في قطاع غزة، وقمع كل من يملك أدنى إنسانية فيدعو لوقف العدوان على المدنيين في قطاع غزة.
وفي هذا السياق، فضح الكاتب الإسرائيلي الجريء (جدعون ليفي) حقيقة ما يحدث في داخل الكيان الصهيوني حين أعلن: «لم تكن لدينا حتى الآن حرب كهذه الحرب. حرب الاتفاق المطلق. حرب التأييد الأعمى. حرب دون معارضة أو احتجاج أو رفض؛ سواء في بدايتها أو في ذروتها؛ حرب بالإجماع مع الدعم الشامل من الجميع، باستثناء المواطنين العرب الذين تمّ منعهم من المعارضة، دون أي علامات استفهام أو حتى أي تشكيك».
إذن، نحن أمام (أقلها حتى الآن) شبه اجتماع صهيوني رافض لحل الدولتين، ومتحمس للمقولة الموجهة لأبناء فلسطين الأصلاء: خياران لا ثالث لهما: المغادرة أو الموت، أرضكم لنا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك