يقول تعالى (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) ص/29.
إذًا، فهذا القرآن العظيم، كتاب محكم أُنزِلَ لغاية، وحتى تتحقق هذه الغاية، ويبلغها المؤمنون لابد وأن يتذكر المؤمنون هذا الكتاب، ويعملوا عقولهم الراشدة في فهم آياته، ويتدبروا سوره، والبحث عن غاياته، ومقاصده العظيمة، وهو -كما نصت الآية الجليلة- كتاب مبارك عطاؤه لا ينفد، وبره بالمؤمنين لا ينضب، من آمن به هُدِيَ إلى صراط مستقيم، ومن عمل به أُجِرْ، ومن حكم به عدل، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله وراءه ظهريًّا ألقاه في النار، وهو الذكر الحكيم، من أعرض عنه من جَبَّار قصمه الله تعالى، ومن ابتغى الًهدى في غيره أضله الله سبحانه، وهو الحبل المتين، والصراط المستقيم.
إذًا، فقد نَزَّلَ الله تعالى هذا القرآن، وأُنزِلَ ليقوم المؤمنون بتدبره ومعرفة آياته المحكمة منها والمتشابه، إذا تلوناه في الليل والنهار، فلنا في كل حرف عشر حسنات، لا نقول: (ألم) حرف، بل: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، ولكل حرف منه عشر حسنات إلى سبعمائة حسنة إلى ما يزيد، ويربو على ذلك، وإذا كان هذا عطاؤه ًفي التلاوة، فما بالكم إذا عملنا به، وحرصنا على تدبر محكمه ومتشابهه، فعملنا بما جاء فيه من أوامر ونواه، وتخلقنا بأخلاقه التي إنما جاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبعث ليتمم مكارمها، ويثبت أركانها، ويسوس الناس بقيمها ومبادئها، وهو نص مقدس من عند الله تعالى، محفوظ بحفظه إياه، محاط بالرعاية والحماية من عبث العابثين، وتحريف المحرفين، قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرا) النساء/82.
ومن عظمة هذا الكتاب (المعجز)، وجلال قدره عند الله تعالى أنه السبيل إلى وحدانية الله تعالى، ولقد استدل به الحق سبحانه على صحة بيانه وكمال نظمه وتمامه، قال تعالى: (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) النحل/ 103.
إذًا، فهذا البيان الساحر، والنص المقدس الذي لا يمسه إلا المطهرون، نص مقدس كامل صادر عن إله واحد لا شريك له سبحانه. كتاب لًا مبدل لكلماته، بل. حتى حروفه، ومحكم في ألفاظه.. محكم في آياته وسوره، وفضله على أصحاب الرسالات السابقة لرسالة الإسلام حيث هو المرجع الوحيد لتاريخ البشرية، وبالأخص تاريخ الأنبياء مع أقوامهم، ولولا ما ذكره القرآن العظيم عن قصص الأنبياء والمرسلين ومعجزاتهم التي أثبتوا بها صحة بلاغهم عن الله تعالى لما علمت البشرية شيئًا.
كتاب حفظه الله تعالى من أن يعبث به العابثون، أو يحرفه المحرفون بالزيادة والنقصان، قال تعالى: (.. وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)) فصلت.
هذه الرعاية الكريمة لهذا الكتاب (المعجز) تجعلنا على ثقة تامة لا يماري فيها أحد، على علو شأنه، وعظيم قدره بين الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على الأنبياء والمرسلين السابقين على رسولنا الكريم.
وعلى الرغم من جلال القرآن، وعظيم قدره، وعلو شأنه، فإنه لم يدع أمر تيسيره إلى الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، أو لجبريل (عليه السلام) بل تولى سبحانه ذلك بنفسه، قال سبحانه وتعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) القمر / 17.. ولقد جاء ذلك في أربعة مواضع من نفس سورة القمر، ليؤكد بذلك على أن هذا الكتاب (المعجز) جمع بين العظمة والجلال واليسر في وقت واحد، وهذه المواضع هي: الآيات (17، 22، 32، 40) من سورة القمر.
ولقد انفرد القرآن الكريم من بين الكتب، والمعجزات التي ظهرت على أيدي الرسل السابقين أنه جمع بين المعجزة والتشريع في إهاب مبارك واحد، فالمعجزة تحفظ المنهج، والمنهج يفعل المعجزة، وبهذا تظل معجزة الرسول الأعظم باقية خالدة لا تنتهي بموت الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وتبقى شريعته خالدة هي الأخرى بخلود المعجزة، بل سيظل كل أمر له علاقة بالمعجزة خالدا بخلودها، وهناك أمر لابد من بيانه، وهو أن تيسير الحق سبحانه وتعالى للقرآن يجعله أتم تيسير وأولاه بالاتباع لأن الذي يسره هو الله تعالى العليم بمقاصد قرآنه وغاياته.
والقرآن الكريم فوق كونه معجزة وتشريع، ففيه إشارات لا يخطئها العقل الراشد المتدبر، وهي حديثه عن الكون وما فيه من مظاهر القدرة الإلهية والكمال في الخلق والإيجاد، والقوانين الصارمة التي تحكمه، وتضبط حركته، وفيه كذلك إشارات تاريخية تقص على الناس تاريخ العلاقات الإنسانية وما جرى للرسل الكرام مع أقوامهم، وفيه أيضًا ذكر للسياسة وما يتعلق بها من قواعد تنظم العلاقة بين الحكام والمحكومين كقصة ملكة سبأ ونبي الله سليمان (عليه الصلاة والسلام)، وما قام به الملك طالوت في حرًبه مع جالوت، وقصة فرعون وملأه وإدعاؤه الألوهية، ومصيره الذي انتهى إليه. كما تحدث القرآن عن طغيان المال، وما يؤول أمر الذين استغنوا بالمال عن هدايات السماء، وجاء بمثل صارخ هو قارون، وهو من قوم موسى، قال تعالى: (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) (القصص / 76) لكنه لًم يستمع إلى نصحهم، وكان من أمره ما كان حين خسف الله تعالى به وبكنوزه الأرض.
هذا بعض عطاء القرآن الكريم، وإشاراته العلمية والتاريخية، والسياسية حيث يدلنا القرآن العظيم على الغاية من نزوله على قلب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو التدبر لإدراك المعاني والغايات، وصدق الله العظيم حين قال سبحانه: (كتاب أنزلناه. إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) سورة ص / 29.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك