العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مكارثية جديدة لدعم الاحتلال!

بقلم: د. منار الشوربجي

السبت ٢٣ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

بينما‭ ‬كنت‭ ‬أشاهد‭ ‬جلسة‭ ‬استماع‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬التي‭ ‬أُعدّت‭ ‬لقصف‭ ‬الحرية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬بالجامعات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬تذكرت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قرأت‭ ‬عن‭ ‬فترة‭ ‬المكارثية‭ ‬البغيضة‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات‭. ‬وقتها‭ ‬وفي‭ ‬أوج‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬أعلن‭ ‬السيناتور‭ ‬جوزيف‭ ‬مكارثي‭ ‬أنه‭ ‬يملك‭ ‬قائمة‭ ‬تضم‭ ‬أسماء‭ ‬‮«‬لشيوعيين‮»‬‭ ‬يحتلون‭ ‬مواقع‭ ‬عدة‭ ‬‮«‬يخونون‭ ‬البلاد‭ ‬ويمثلون‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬أمنها‭ ‬القومي‮»‬‭.‬

وقام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لجنة‭ ‬ترأسها‭ ‬بالمجلس‭ ‬بحملة‭ ‬كانت‭ ‬نتيجتها‭ ‬اضطهاد‭ ‬المئات‭ ‬وطردهم‭ ‬من‭ ‬مناصبهم‭ ‬بوزارتي‭ ‬الخارجية‭ ‬والدفاع‭ ‬والجامعات،‭ ‬وملاحقة‭ ‬فنانين‭ ‬وأدباء‭.‬

أما‭ ‬المكارثية‭ ‬الجديدة‭ ‬بالكونجرس‭ ‬فتقوم‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬دعمًا‭ ‬للاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭! ‬وهي‭ ‬مكارثية‭ ‬لأن‭ ‬المصطلح‭ ‬صار،‭ ‬اليوم،‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬اتهامات،‭ ‬تُساق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دليل،‭ ‬لإسكات‭ ‬المعارضين‭ ‬وقمع‭ ‬آرائهم‭.‬

فالتحول‭ ‬الحقيقي‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬يشهد،‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بالصوت‭ ‬والصورة‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتلال‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬صار‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬عميق‭ ‬لدى‭ ‬أنصار‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬صارت‭ ‬أغلبيتهم‭ ‬على‭ ‬يمين‭ ‬الساحة‭ ‬الأمريكية‭.‬

ومن‭ ‬هنا،‭ ‬غدت‭ ‬قوى‭ ‬اليمين‭ ‬الأمريكي‭ ‬بفصائله‭ ‬المختلفة‭ ‬تسعى‭ ‬لإسكات‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تفضح‭ ‬الاحتلال‭ ‬أو‭ ‬تدعم‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

لكن‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬اليمينية‭ ‬تسعى‭ ‬أيضًا‭ ‬لتصفية‭ ‬حساباتها‭ ‬مع‭ ‬اليسار‭ ‬التقدمي،‭ ‬لا‭ ‬الليبراليين،‭ ‬إذ‭ ‬بات‭ ‬اليسار،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليسار‭ ‬اليهودي،‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬دعمًا‭ ‬لحقوق‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬وقوى‭ ‬اليمين‭ ‬تسعى‭ ‬أيضًا‭ ‬لتصفية‭ ‬حساباتها‭ ‬مع‭ ‬الأكاديمية‭ ‬التي‭ ‬تعتبرها‭ ‬معقلًا‭ ‬لليسار‭.‬

لذلك‭ ‬وجد‭ ‬اليمين‭ ‬فرصته‭ ‬الذهبية،‭ ‬فاستخدم،‭ ‬بكل‭ ‬انتهازية،‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬متهم‭ ‬بها‭ ‬بالمناسبة‭! ‬ففي‭ ‬اجتماع‭ ‬للجنة‭ ‬التعليم‭ ‬بالمجلس‭ ‬التي‭ ‬استدعت‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬هارفارد‭ ‬وبنسلفانيا‭ ‬وإم‭ ‬آي‭ ‬تي،‭ ‬قامت‭ ‬النائبة‭ ‬الجمهورية‭ ‬إليز‭ ‬ستيفانيك،‭ ‬المعروفة‭ ‬بمواقف‭ ‬شديدة‭ ‬التطرف،‭ ‬باستخدام‭ ‬تعبيرات‭ ‬تمثل‭ ‬جهلًا‭ ‬متعمدًا‭ ‬بهدف‭ ‬توجيه‭ ‬اتهامات‭ ‬للرؤساء‭ ‬الثلاثة‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬دليل‭ ‬عليها‭.‬

فهي،‭ ‬مثلًا،‭ ‬استخدمت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬انتفاضة‮»‬‭ ‬لتتهم‭ ‬الجامعات‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬‮«‬بمهادنة‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‮»‬‭ ‬وإنما‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تمانع‭ ‬من‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬‮«‬إبادة‭ ‬جماعية‮»‬‭!‬

‭ ‬فهي‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬الانتفاضة‭ ‬حين‭ ‬يستخدمها‭ ‬شباب‭ ‬الجامعات‭ ‬الثلاث‭ ‬معناها‭ ‬‮«‬ارتكاب‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬لليهود‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحول‭ ‬العالم‮»‬‭! ‬

والمؤسف‭ ‬حقًا‭ ‬أن‭ ‬أيًا‭ ‬من‭ ‬الرؤساء‭ ‬الثلاثة‭ ‬لم‭ ‬يصحح‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬الانتفاضة‮»‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬السجلات‭ ‬الرسمية‭ ‬للكونجرس،‭ ‬إما‭ ‬جهلًا‭ ‬بمعنى‭ ‬الكلمة‭ ‬العربية‭ ‬وإما‭ ‬ارتباكًا‭ ‬لشراسة‭ ‬الهجوم،‭ ‬وكلاهما‭ ‬ليس‭ ‬مبررًا‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬جامعات‭ ‬القمة‭.‬

وقد‭ ‬أدت‭ ‬جلسة‭ ‬الاستماع،‭ ‬المكارثية‭ ‬بامتياز،‭ ‬إلى‭ ‬استقالة‭ ‬رئيسة‭ ‬جامعة‭ ‬بنسلفانيا،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬تخل‭ ‬محاكم‭ ‬التفتيش‭ ‬تلك‭ ‬من‭ ‬عنصرية‭ ‬بغيضة‭.‬

فأول‭ ‬رئيسة‭ ‬من‭ ‬السود‭ ‬لجامعة‭ ‬هارفارد،‭ ‬كلودين‭ ‬جيي،‭ ‬كانت‭ ‬الأكثر‭ ‬تعرضًا‭ ‬للانتقادات‭ ‬الفجة،‭ ‬داخل‭ ‬اللجنة‭ ‬بل‭ ‬وخارجها،‭ ‬إذ‭ ‬زعم‭ ‬أنصار‭ ‬إسرائيل‭ ‬زورًا‭ ‬أنها‭ ‬اختيرت‭ ‬لمنصبها‭ ‬لأسباب‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بكفاءتها‭ ‬وإنما‭ ‬للوفاء‭ ‬بشروط‭ ‬‮«‬التعددية‭ ‬العرقية‮»‬‭! ‬

وقد‭ ‬تعرض‭ ‬الطلاب‭ ‬بالجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬كافة‭ ‬لحملات‭ ‬إرهاب‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬تسيير‭ ‬عربات‭ ‬تحمل‭ ‬صورهم‭ ‬وأسماءهم‭ ‬تطوف‭ ‬جامعاتهم‭ ‬ومواقع‭ ‬عملهم‭ ‬لاغتيالهم‭ ‬معنويًا‭ ‬وكدعوة‭ ‬لاستهدافهم‭.‬

وما‭ ‬جرى‭ ‬بجلسة‭ ‬استماع‭ ‬لجنة‭ ‬التعليم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وحده‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب‭. ‬

فقد‭ ‬وافق‭ ‬المجلس‭ ‬بأغلبية‭ ‬الجمهوريين،‭ ‬والديمقراطيين‭ ‬‮«‬الليبراليين‮»‬،‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬يعتبر‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ومعاداة‭ ‬السامية‮»‬‭ ‬شيئًا‭ ‬واحدًا،‭ ‬بل‭ ‬قدم‭ ‬جمهوريون‭ ‬وديمقراطيون‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬آخر‭ ‬يهدف‭ ‬شكليًا‭ ‬لإنشاء‭ ‬لجنة‭ ‬‮«‬لدراسة‭ ‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬‭ ‬بأمريكا،‭ ‬بينما‭ ‬تفضح‭ ‬حيثيات‭ ‬المشروع‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقي،‭ ‬أي‭ ‬إسكات‭ ‬معارضي‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬

أما‭ ‬لوبي‭ ‬إسرائيل‭ ‬فقد‭ ‬استعد‭ ‬بملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬لينفقها‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬2024‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬هزيمة‭ ‬تيار‭ ‬اليسار‭ ‬التقدمي‭ ‬بالكونجرس،‭ ‬وأغلبية‭ ‬أعضائه،‭ ‬بالمناسبة،‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬غير‭ ‬البيض‭!.‬

{ باحثة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬مختصة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمريكية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا