العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العالم بأسره خذل غزة في أحلك ساعاتها

غادة عابد

الخميس ٢١ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

سألني‭ ‬صديق‭ ‬أمريكي‭ ‬مؤخرا‭: ‬‮«‬كيف‭ ‬تشعرين‭ ‬يا‭ ‬غادة؟‮»‬

أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬مجلدات‭ ‬عن‭ ‬الخوف‭ ‬الذي‭ ‬يسيطر‭ ‬علينا‭ ‬كل‭ ‬ليلة،‭ ‬الرهبة‭ ‬المستمرة‭ ‬التي‭ ‬تجتاح‭ ‬قلوبنا‭.‬

وفي‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬أسمع‭ ‬أصوات‭ ‬بكاء‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬اتجاه‭. ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أنهم‭ ‬يدركون‭ ‬جيدًا‭ ‬الخطر‭ ‬الوشيك‭ ‬الذي‭ ‬نواجهه‭.‬

بدأت‭ ‬ابنة‭ ‬أخي‭ ‬جينان،‭ ‬أو‭ ‬جوجو،‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬عامين‭ ‬ونصف‭ ‬العام،‭ ‬في‭ ‬التحدث‭ ‬ببعض‭ ‬الكلمات‭ ‬مؤخرًا‭. ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كلمتي‭ ‬‮«‬ماما‮»‬‭ ‬و«بابا‮»‬،‭ ‬تعلمت‭ ‬حديثاً‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬قاصف‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬عربية‭ ‬تعني‭ ‬القصف‭.‬

يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬مجلدات‭ ‬عن‭ ‬الأصوات‭ ‬المؤرقة‭ ‬للغارة‭ ‬الجوية‭ ‬التي‭ ‬تنزل‭ ‬عليك‭. ‬ثم‭ ‬ينتابنا‭ ‬الشعور‭ ‬بالارتياح‭ ‬والامتنان‭ ‬لله‭ ‬عندما‭ ‬يتبين‭ ‬أن‭ ‬الغارة‭ ‬قد‭ ‬أصابت‭ ‬مكانا‭ ‬آخر‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬نوجد‭ ‬فيه‭. ‬

أعتقد‭ ‬أنني‭ ‬اكتشفت‭ ‬كيفية‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الغارة‭ ‬الجوية‭ ‬ستضربك‭ ‬أم‭ ‬لا‭. ‬فالجميع‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الطائرة‭ ‬إذا‭ ‬حلقت‭ ‬فوقك‭ ‬وسمعت‭ ‬صوتها‭ ‬وهي‭ ‬تهبط‭ ‬فلن‭ ‬تطلق‭ ‬عليك‭ ‬صاروخا‭.‬

إن‭ ‬الغارة‭ ‬الجوية‭ ‬التي‭ ‬تستهدفك‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غرة‭ ‬وتزرع‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬صوت‭.‬

أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬مجلدات‭ ‬عن‭ ‬ثقل‭ ‬الحزن،‭ ‬وعن‭ ‬النضال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬أتذكر‭ ‬من‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬التعازي‭.‬

إحدى‭ ‬زميلاتي‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬فقدت‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬فرداً‭ ‬من‭ ‬عائلتها‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬إسرائيلي‭ ‬واحد‭. ‬صديقة‭ ‬أخرى‭ ‬تنعى‭ ‬فقدان‭ ‬أختها‭ ‬الشاعرة‭ ‬الموهوبة‭.‬

بعد‭ ‬ظهر‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬مؤخرًا،‭ ‬تلقيت‭ ‬نبأً‭ ‬صادمًا‭ ‬يفيد‭ ‬بوفاة‭ ‬صحفي‭ ‬فلسطيني‭ ‬آخر‭: ‬منتصر‭ ‬الصواف‭. ‬وهو‭ ‬شقيق‭ ‬صديقي‭ ‬المخرج‭ ‬محمد‭ ‬الصواف‭.‬

إننا‭ ‬نعرب‭ ‬عن‭ ‬تعازينا‭ ‬لأصدقائنا‭ ‬الذين‭ ‬قتلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أحباءهم،‭ ‬لكننا‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أيضًا‭ ‬ننتظر‭ ‬ونتساءل‭ ‬متى‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬والقادة‭ ‬الغربيون‭ ‬سيعترفون‭ ‬بحقنا‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬يومًا‭ ‬آخر‭.‬

في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬بالكاد‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أشعر‭ ‬بقلبي‭ ‬ينبض‭.‬

أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬مجلدات‭ ‬عن‭ ‬اللحظات‭ ‬التي‭ ‬يصاب‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭. ‬هناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفوضى،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬المستشفيات‭ ‬مكتظة‭ ‬للغاية‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬معالجة‭ ‬الإصابات‭.‬

لكنني‭ ‬أشعر‭ ‬بالامتنان‭ ‬لأن‭ ‬الإصابات‭ ‬ليست‭ ‬حرجة‭.‬

كان‭ ‬بإمكاني‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬مجلدات‭ ‬عن‭ ‬الدبابات‭ ‬وقصفها‭ ‬المتواصل‭. ‬إنها‭ ‬معجزة‭ ‬محضة‭ ‬أن‭ ‬ننجو‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الدمار‭ ‬الهمجي‭.‬

لقد‭ ‬تعرض‭ ‬منزلي‭ ‬للقصف‭ ‬المدفعي‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭. ‬عندما‭ ‬غادرنا‭ ‬المنزل،‭ ‬كنا‭ ‬نعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬لسلامتنا‭ ‬وبقائنا‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭.‬

كان‭ ‬بإمكاني‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬مجلدات‭ ‬عن‭ ‬الشظايا‭ ‬التي‭ ‬اخترقت‭ ‬أبوابنا‭ ‬ولم‭ ‬تصبنا‭ ‬أو‭ ‬تمزقنا‭ ‬وتحولنا‭ ‬إلى‭ ‬أشلاء‭. ‬لقد‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬ضربت‭ ‬غارة‭ ‬جوية‭ ‬مركز‭ ‬شرطة‭ ‬مجاور‭.‬

لقد‭ ‬اهتزت‭ ‬الأرض‭ ‬تحت‭ ‬أقدامنا‭.‬

اخترقت‭ ‬الشظايا‭ ‬جسد‭ ‬جاري،‭ ‬واضطر‭ ‬إلى‭ ‬بتر‭ ‬ساقه‭.‬

ما‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬إسرائيل؟‭ ‬بعد‭ ‬الغارة‭ ‬الجوية،‭ ‬ينبغي‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يتوقع‭ ‬الشظايا‭ ‬المتطايرة‭.‬

عندما‭ ‬بدأ‭ ‬التصعيد،‭ ‬شعرت‭ ‬بالإحباط‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراء‭ ‬مباشر‭ ‬يتجاوز‭ ‬مشاركة‭ ‬تحديثات‭ ‬الأخبار‭ ‬على‭ ‬انستغرام‭ ‬وفيسبوك‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء،‭ ‬أتلقى‭ ‬رسائل‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬المعنيين،‭ ‬للاطمئنان‭ ‬على‭ ‬صحتي‭ ‬وتقديم‭ ‬المساعدة‭.‬

إنني‭ ‬أقدر‭ ‬دعمهم،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أتوق‭ ‬إليه‭ ‬حقًا‭ ‬هو‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لهذا‭ ‬الجنون‭.‬

كل‭ ‬من‭ ‬فقد‭ ‬منزله،‭ ‬يتساءل‭ ‬أحباؤه‭: ‬‮«‬أين‭ ‬العالم؟‭ ‬أين‭ ‬زعماء‭ ‬العالم؟‭ ‬أين‭ ‬الزعماء‭ ‬العرب؟

نشعر‭ ‬بأننا‭ ‬مهجورون،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يقف‭ ‬إلى‭ ‬جانبنا‭. ‬لقد‭ ‬خذلنا‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬أحلك‭ ‬ساعاتنا‭.‬

وعلى‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬يومًا‭ ‬مؤلمًا،‭ ‬اضطررنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نشهد‭ ‬على‭ ‬الخسارة‭ ‬المأساوية‭ ‬في‭ ‬الأرواح،‭ ‬وأن‭ ‬نحصي‭ ‬كل‭ ‬روح‭ ‬ثمينة‭ ‬أزهقت‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المأساة‭ ‬المتصاعدة،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬قد‭ ‬تغير‭.‬

يتم‭ ‬إبادة‭ ‬عائلات‭ ‬بأكملها،‭ ‬مما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتساءل‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لدينا‭ ‬أي‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬المتوقع‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬القادة‭ ‬العرب‭ ‬ومبعوثي‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بإصدار‭ ‬بيانات‭ ‬إدانة‭ ‬دون‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬حاسمة‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬للاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بالاستمرار‭ ‬في‭ ‬جرائمه‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬مع‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬ردع‭ ‬فعال،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬نقاط‭ ‬قوتها‭ ‬وتغيير‭ ‬ديناميكيات‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

{ صحفية‭ ‬فلسطينية‭ ‬من‭ ‬غزة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا