لقد ظلت أوكرانيا خارج الصفحات الأولى من الجرائد الأمريكية عدة أشهر – إذ إنها تعد قصة قديمة تراجع الاهتمام بها بسبب الفظائع المرعبة التي ترتكب يوميا في قطاع غزة.
ولكن في الأسبوع الماضي، عادت أوكرانيا إلى العناوين الرئيسية ليس بسبب التطورات هناك، بل بسبب رفض الكونجرس الأمريكي الموافقة على طلب إدارة بايدن الحصول على تمويل إضافي بقيمة 61 مليار دولار لإعادة تعزيز ترسانة أوكرانيا المتضائلة.
ويعود تردد الكونجرس إلى عدد من العوامل. لم يؤيد بعض المشرعين الحرب منذ البداية ويعتبرونها الآن بمثابة مأزق مميت مستمر منذ عامين. ويرى بعض الجمهوريين أن الضرورة الملحة وراء طلب الرئيس بايدن المساعدة لأوكرانيا هي فرصة للضغط من أجل زيادة التمويل من أجل «تأمين الحدود الجنوبية للولايات المتحدة».
ويسعى جمهوريون آخرون إلى ربط الموافقة على المساعدات لأوكرانيا بخفض الإنفاق المحلي، في حين يدعو بعض الديمقراطيين إلى إعادة تخصيص الأموال لزيادة الإنفاق المحلي ذاته.
لقد أدى الجدل الداخلي في الحزب الجمهوري حول طلب بايدن للمساعدة إلى الإطاحة بالفعل برئيس مجلس النواب الجمهوري كما أنه يسبب الآن صداعًا لخليفته. إن الحل غير مؤكد، لكن الأقليات المصوتة في كلا الجانبين الجمهوري والديمقراطي في الكونجرس ليست على استعداد للتمويل المستمر للحرب الدائرة رحاها منذ عامين في أوكرانيا.
ويعكس تحفظ المشرعين الرأي العام الأمريكي بشأن أفضل السبل للتعامل مع الغزو الروسي لأوكرانيا. في شهر أكتوبر الماضي، أجرت مؤسسة زغبي للأبحاث دراسة استقصائية للمواقف تجاه الحرب في أوكرانيا في سبع دول أوروبية والولايات المتحدة. لقد وجدنا في معظم البلدان تبرما متزايداً من تكاليف الحرب ورغبة في التوصل إلى نهاية عن طريق التفاوض.
ويقول واحد من كل خمسة مشاركين أمريكيين إن الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة بشكل رئيسي عن الحرب كما العقبة الرئيسية أمام السلام، وهي وجهة نظر يتقاسمها الديمقراطيون والجمهوريون بالتساوي.
ويشعر سبعة من كل عشرة أمريكيين بالقلق إزاء تكاليف الحرب ويريدون التوصل إلى حل وسط لإنهائها، وهو الموقف الذي يتبناه ثلاثة أرباع الجمهوريين وستة من كل عشرة ديمقراطيين. ويرى عدد كبير من الجمهوريين أن الحرب أضعفت الولايات المتحدة على المسرح العالمي.
ويزعم معارضو استمرار التمويل الأمريكي أن الدول الأوروبية لابد أن تكثف جهودها وتدفع الفاتورة لأوكرانيا، متجاهلة التغيرات السياسية المهمة التي تجري في مختلف أنحاء أوروبا. فأولا، لا تمتلك أي مجموعة من الدول الأوروبية الموارد اللازمة لمطابقة مستوى التمويل الأمريكي الداعم لأوكرانيا.
إن التيار الشعبوي المتنامي ذا الميول اليمينية في عديد من البلدان الأوروبية يتسم بميل قوي للسكان الأصليين والانعزالية. وعلى هذا النحو، انخفض الدعم الأوروبي لزيادة شحنات الأسلحة والمساعدات لأوكرانيا.
وبينما يُظهر استطلاع مؤسسة زغبي أن ثلاثة أرباع الأوروبيين يواصلون تحميل روسيا مسؤولية الحرب ويدعمون العقوبات، فإن الزيادات في تكاليف المعيشة، وخاصة الطاقة، بسبب هذه الحرب والعقوبات ضد روسيا، أثرت سلباً في الرأي العام الأوروبي.
ويقول ثمانية من كل 10 أشخاص الآن إن ارتفاع تكاليف المعيشة هو مصدر قلقهم الأكبر في هذه الحرب، ولأن تكاليف استمرار الحرب مرتفعة للغاية، يجب التوصل إلى حل وسط لإنقاذ الأرواح والموارد.
وعلى الرغم من انقسام الرأي العام الأمريكي حول استمرار هذه الحرب وتزايد تساؤلات أوروبا حول تكاليفها، فقد ضاعف الرئيس بايدن دعمه لأوكرانيا وإسرائيل باعتبارهما من قضايا السياسة الخارجية المميزة لإدارته.
قام الرئيس مؤخراً بكتابة مقال يحاول فيه الربط بين الحروب ضد بوتين وحماس باعتبارها المعارك التي تحدد جيلنا. وقد ارتدى بايدن عباءة المحافظين الجدد، وتدثر جلباب رونالد ريغان في مواجهة إمبراطورية الشر، وجورج دبليو بوش الذي يتحدى محور الشر الذي اخترعه، حيث كانت أمريكا قوة الخير ضد قوى الشر في معركة ضرورية لتأمين مستقبل البشرية.
إنها صيغة مشكوك فيها. حماس ليست روسيا، وإسرائيل ليست أوكرانيا. ولا يشكل أي منهما التحدي الوجودي الذي كان يمثله الاتحاد السوفيتي للغرب ذات يوم. وفي حين أن روسيا هي المحتل في أوكرانيا، فإن إسرائيل هي المحتل في غزة.
ومن ثم، فإن مجموعة متنامية من الرأي في أوروبا والولايات المتحدة تشكك في الحكمة من كون أوكرانيا «حربا بلا نهاية» أخرى ــ وهو ما يمثل تحديا لكل من أوكرانيا وإدارة بايدن.
وبينما كانت أوكرانيا خارج عناوين الأخبار، أخرت الحرب في غزة القرارات الصعبة التي اتخذها الكونجرس والبيت الأبيض بشأن المستقبل. ولكن مع ضرورة الاهتمام بأمور الميزانية بحلول نهاية العام، فإن يوم الحساب أصبح أقرب من أي وقت كان.
رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك