الرد الأفضل والأقوى على مواقف الولايات المتحدة الداعمة لإسرائيل سياسيا وماليا وعسكريا هو عدم الحديث أو الاجتماع بمندوبيها. فهؤلاء لم يأتوا مرة واحدة للمقاطعة في رام الله بفلسطين كممثلين لبلادهم، كانوا يأتون ومازالوا كممثلين لدولة الاحتلال يحملون رأيها ومطالبها بعد أن يضعوا عليها الهوية الأمريكية.
نحن نعرف ذلك منذ أول مفاوضات رعتها أمريكا بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال.
كان ذلك في عام 1997 عندما توسطت أمريكا لاستكمال تنفيذ إعادة الانتشار الإسرائيلي الذي بدأ عام 1995 بموجب اتفاقيات أوسلو 2 ثم توقف عندما خسر شمعون بيريس أمام نتنياهو.
إدارة كلينتون أرسلت دنيس روس، مبعوثها «لعملية السلام»، والأخير اتفق مع نتنياهو، ثم جاء بعرض تقسيم الخليل إلى منطقة1 ومنطقة 2. حتى الشياطين لا تخطر ببالهم فكرة حرمان نصف أهالي مدينة الخليل من مدينتهم لحماية 400 مستوطن كانوا في ذلك الوقت يقيمون في بلدة الخليل القديمة.
كل من حضر مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 يعلم أن أمريكا كانت تذهب الى إيهود باراك تأخذ منه ما يعرضه ثم تأتي للوفد الفلسطيني لتقدمه على أنه عرض أمريكي لإنهاء الصراع. وعندما فشلت المفاوضات لم يخجل الرئيس كلينتون وقام بتحميل الرئيس عرفات مسؤولية الفشل، وعندما تم سؤاله عن السبب رغم وعده لعرفات ألا يُحمله المسؤولية وهو الذي رفض الذهاب إلى كامب ديفيد قبل الإعداد الجيد للمفاوضات، قال كلينتون إنه اضطر إلى فعل ذلك دعماً لإيهود باراك الذي كان يعاني من مشاكل داخل ائتلافه الحاكم.
عندما قالت إسرائيل إن الرئيس عرفات ليس شريكا «لسلامها»، قام الرئيس الأمريكي «بوش الابن» بمطالبة الرئيس عرفات بالرحيل. وعندما قرر شارون الانسحاب من جانب واحد من غزة تحت ضربات المقاومة، تبنت أمريكا الموقف الإسرائيلي وسوقته على أنه خطوة عظيمة ومتقدمة باتجاه السلام.
ورغم أن شارون رفض تنسيق خطواته مع السلطة الفلسطينية، فإن أمريكا تولت مسؤولية «إجبار» السلطة على تسلم المعابر في غزة دون أن يكون لها صلاحيات فعلية عليها.
اليوم عندما يشتكي الفلسطينيون في غزة بأن آلاف الجرحى منهم يموتون رغم توفر المستشفيات في عدد من الدول العربية والغربية يتساءل البعض لماذا؟
والجواب بسيط، لأن دولة الاحتلال التي تقتل وتدمر في غزة هي من يقرر أيضاً من يموت ومن يعيش من الجرحى، وكل ذلك بفضل أمريكا التي رتبت لإسرائيل إحكام الحصار على قطاع غزة. بالطبع كلمة «إجبار» السلطة الفلسطينية على هذه الأوضاع يجب أن تُفهم مجازياً، لأن لكل سلطة مهما كانت بعضاً من الإرادة، ويمكنها أن تقبل أو أن ترفض، وعليها في كلتا الحالتين تحمّل نتائج قرارها.
وبينما رفضت إسرائيل تنفيذ خارطة الطريق وتحديداً الشق المتعلق «بعدم اتخاذ إجراءات أحادية الجانب تؤثر في عملية السلام» والمقصود بها وقف الاستيطان، أصرت أمريكا أن تنفذ السلطة التزاماتها في الخارطة والجزء المتعلق بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، وهو كل ما أرادته إسرائيل وأمريكا من خارطة الطريق.
وعندما أسقط نتنياهو كل «عملية السلام» بعد سقوط حكومة إيهود أولمرت عام 2008، أسقطت أيضاً أمريكا من أجندتها «عملية السلام». وعندما أصبحت إيران الشغل الشاغل لإسرائيل، أصبحت إيران محور اهتمام السياسة الأمريكية.
وعندما أعلن نتنياهو أن السلام مع العرب ممكن وممكن جداً من دون الفلسطينيين ومن دون الحديث عن قضيتهم، تجندت أمريكا لتحقيق الرغبة الإسرائيلية.
اليوم يتم إبادة غزة بالسلاح الأمريكي وبتغطية سياسية وبحماية عسكرية وبمعلومات استخبارية من أمريكا. واليوم يكذب بايدن وأركان إدارته وبلا خجل في كل ما حدث يوم 7 أكتوبر من «قطع» الرؤوس إلى «اغتصاب» النساء. ثم يخرج علينا بتصريح هزيل يقول فيه «إن إسرائيل تخسر أمام الرأي العام العالمي» وإن «حكومة هي الأكثر تطرفاً في تاريخها تقودها» ويلحق بالقول «إن بإمكان إسرائيل الاعتماد علينا وعلى الغرب».
ثم يقوم البعض «منا» بالتنظير: إن أمريكا «ضاقت ذرعاً» بإسرائيل وأنها أعطت إسرائيل «مهلة» لتنجز المهمة – المقصود مهمة حرق ما تبقى من غزة وإبادة مواطنيها قبل أن ترفع الكارت الأحمر لها. وتتوقف حرب الإبادة.
اسمحوا لي أن أقول إن هذا إما أن يكون جهلاً بحقيقة السياسة الأمريكية أو أنه مجرد أمنيات لوقف الحرب. هذه إدارة رئيسها يقول إنه لا حاجة له ليكون يهودياً حتى يكون صهيونياً، وأن أمريكا كان عليها أن تخلق إسرائيل إن لم توجد إسرائيل.
هذه إدارة جميع من يتحدث باسمها من وزير خارجيتها «بلينكن» إلى الناطق باسم مجلسها للأمن القومي «كيربي» إلى رئيس مجلسها للأمن القومي «سوليفان» إلى وزير دفاعها «أوستين» هم ناطقون رسميون باسم «جيش الاحتلال الإسرائيلي».
هؤلاء بلا قيم أخلاقية أو مبادئ إنسانية. هم يتحدون العالم أجمع برفضهم لوقف إطلاق النار، وهم مستمرون في خدمتهم لدولة الاحتلال وتشجيعهم لها وتقديم النصيحة لها، من أجل الاستمرار في المزيد من قتل الأطفال والنساء في غزة والضفة، وهم لن يتحركوا من أجل الفلسطينيين الى «أن تشبع إسرائيل من القتل» أو أن «تُهزَم بالقتل» وفي النهاية هي، إسرائيل، من سيقرر الوقت لاستدعاء الشريك أو الوكيل الأمريكي للقيام بمهمة «التنظيف» في مرحلة ما بعد المذبحة.
والشريك أو الوكيل الأمريكي سيطلب من السلطة الفلسطينية والعرب والأوروبيين القيام بعملية «التنظيف» وليس ذلك فحسب، بل القيام «بالتنظيف» بالطريقة التي تريدها ووفقاً للشروط التي تضعها إسرائيل.
دولة الاحتلال هي من عليها أن يتحمل مسؤولية الجرائم التي ارتكبتها في غزة بما في ذلك إعادة إعمار غزة وتعويض أهلها.
وإلى أن تتوقف أمريكا عن لعب دور الخادم الأمين لدولة الاحتلال «العظمى» إسرائيل، وإلى أن تتوقف عن لعب دور «المندوب» الذي أرسلته دولته، فإن السلطة الفلسطينية يجب ألا تستقبل مندوبي أمريكا في رام الله، ويجب ألا تتحدث معهم، لا عن مستقبل غزة ولا عن مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك