صفة كان الشعب الفلسطيني ينفرد بها بين الشعوب العربية، وهي صفة اللاجئ، وذلك طوال سنوات المحنة لم يشاركهم فيها أحد من الشعوب العربية رغم تعرضهم جميعًا إلى أن تستعمر بلادهم، وصارت أحوال الشعوب العربية سيئة بدليل مشاركتهم للشعب الفلسطيني هذه الصفة البغيضة، وكانت الأسباب وراء ذلك سوء الإدارة لبعض شعوب هذه المنطقة، ولما كانت الأسباب التي اتصف بسببها الشعب الفلسطيني بهذه الصفة، فمن المنطقي أن تصاب الشعوب العربية بنفس هذه الصفة، فاتصف بها الشعب العراقي، والشعب السوري، والشعب اليمني، والشعب اللبناني، وصار كل خطيب جمعة يضيف شعبًا جديدًا إلى قائمة الشعوب التي تتصف بهذه الصفة البغيضة إلى نفوسنا، وكنا لا نستغرب ذلك لأن هذه الشعوب تساوت أنظمتها في سوء الإدارة رغم ما تملكه من ثروات كان من الممكن لو أحسن تدبيرها أن تنقل هذه الدول نقلة حضارية تضعها في مصاف الدول المتحضرة، ولأن محنة الشعب الفلسطيني ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، بل تشاركهم فيها أنظمة عربية أخرى، وكنا نضع أيدينا على قلوبنا حين نستمع إلى خطيب الجمعة خشية أن يضيف شعبًا جديدًا على قائمة اللاجئين، ولما ساءت أحوال العرب، وضعفت شوكتهم، وتمزقت أوصال دولتهم غزاها الغزاة، وتحكمت في مصائرها الدول المستعمرة: فرنسا، وبريطانيا، وأمريكا، بل وحتى الكيان الصهيوني الذي لا يساوي شيئًا في موازين الدول الاستعمارية، لأن هذا الكيان الغاصب لا يحاربنا بأسلحته هو، بل يغزونا ويحاربنا بترسانة الأسلحة الأمريكية التي تزود هذا الكيان الغاصب بدعم لوجستي لا ينقطع تدفقه، فعطاء الترسانة الحربية للكيان الغاصب غير مقطوع ولا ممنوع ولا مجذوذ.
وكان الغرب الاستعماري يستر أفعاله القبيحة، والتي لا تقرها الأديان والأعراف الدولية بشعار الديمقراطية، والتحضر والعَلْمانية، والادعاء بأن فيها الخير كل الخير لهذه الدولة التي لا حول لها ولا قوة، والزعم (الكاذب) بأنهم إنما جاؤوا إلى بلادنا من أجل تحضرها وتقدمها، وكانوا بهذه الحجة الملفقة ينهبون ثرواتها، ويجدون على ذلك عونًا من سوء أحوالها، وتدني أوضاعها التي هم ومن يسير في ركابهم السبب المباشر أو غير المباشر في ذلك.
كانت الدول المستعمرة تمارس طغيانها واستبدادها وراء غطاء من يدينون لهم بالولاء، ولقد حذرهم القرآن الكريم من هذا، ونهاهم عن اتخاذ غير المؤمنين أولياء لهم من دون المؤمنين، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) المائدة /51.
إذًا، فالشعب الفلسطيني بعد أن عاش ردحًا من الزمن الشعب الوحيد المحتكر لصفة اللاجئين صار اهتمام بعض الأنظمة العربية، وربما الإسلامية - هذا في الظاهر - صار يشاركهم فيها، وتنافسهم عليها شعوب عربية أخرى.
ولقد استقر في وعينا - وكنا نخشى أن يستقر- أن هناك كل جمعة شعبًا جديدًا سوف يضاف إلى القائمة، وكأن طالبًا سوف يُعطى واجبًا جديدًا قبل أن ينتهي من الواجب الذي كلف به من قبل، ورغم الأولوية التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني باعتباره أول من اتصف بهذه الصفة والتي مرَّ عليها ما يربو على السبعين سنة من الكفاح والجهاد.
إذًا، فقد استقر عربيًّا وإسلاميًّا، بل وحتى دوليًّا أن الشعب الفلسطيني استحق وعن جدارة أن ينفرد بهذا الوصف، وأن يسعى الجميع إلى المسارعة إلى نجدته، والدفاع عن حقوقه المسلوبة، وحريته المستباحة، وندعو الله تعالى، بعد إعداد ما نستطيع من قوة أن يحقق للشعب الفلسطيني الأمن والسلام، كما نسأله سبحانه ونصر على الدعاء ألا يضيف إلى قائمة اللاجئين شعبًا لاجئًا جديدًا.
وكانت الطامَّة الكبرى حين غزا صدام حسين دولة الكويت بحجة أنها جزء من العراق، ودخل حربًا ضروسًا، وكان السبب في خلق شعب جديد يتصف بنفس صفحة الشعب اللاجئ التي طالما انفرد بها الشعب الفلسطيني، وقد كان الكيان الصهيوني يأخذها ذريعة على شرعية احتلاله لفلسطين والادعاء بأنه حق مشروع للصهيونية الذي لا يماري فيه أحد، وصار من المنكر الذي أمرنا الله تعالى بأن ننهى عنه بعد أن استباح العربي المسلم دم العربي المسلم.
قاتل الله تعالى البغي والعدوان، وما ينتج عنهما من سفك للدماء، وهتك للأعراض، وتبديد للثروات، قال تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) التي لم يخلق مثلها في البلاد (8) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد (9) وفرعون ذي الأوتاد(10) الذين طغوا في البلاد (11) فأكثروا فيها الفساد (12) فصب عليهم ربهم سوط عذاب (13) إن ربك لبالمرصاد (14)) سورة الفجر.
هؤلاء المستبدون الذين أوردوا شعوبهم ما يعانون من تخلف وجهل وفشل، ونسوا أو تناسوا أن أعمارهم محدودة، وبقاءها على كراسي الحكم قصيرة، ولابد لهم من أن يغادروا هذه الدنيا، ويقدموا على إله عادل ليحاسبهم على ما فرطوا فيه من حقوق العباد، وسوف يحصي عليهم كم سفكوا من دماء، وكم هتكوا من أعراض، وكم نهبوا من أموال وثروات، فليعدوا لكل سؤال جوابًا ينجيهم من عذاب أليم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك