العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

شعوب عربية من اللاجئين.. لماذا؟

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٧ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

صفة‭ ‬كان‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ينفرد‭ ‬بها‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬صفة‭ ‬اللاجئ،‭ ‬وذلك‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬المحنة‭ ‬لم‭ ‬يشاركهم‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬رغم‭ ‬تعرضهم‭ ‬جميعًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تستعمر‭ ‬بلادهم،‭ ‬وصارت‭ ‬أحوال‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬سيئة‭ ‬بدليل‭ ‬مشاركتهم‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هذه‭ ‬الصفة‭ ‬البغيضة،‭ ‬وكانت‭ ‬الأسباب‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬سوء‭ ‬الإدارة‭ ‬لبعض‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬اتصف‭ ‬بسببها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بهذه‭ ‬الصفة،‭ ‬فمن‭ ‬المنطقي‭ ‬أن‭ ‬تصاب‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬بنفس‭ ‬هذه‭ ‬الصفة،‭ ‬فاتصف‭ ‬بها‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي،‭ ‬والشعب‭ ‬السوري،‭ ‬والشعب‭ ‬اليمني،‭ ‬والشعب‭ ‬اللبناني،‭ ‬وصار‭ ‬كل‭ ‬خطيب‭ ‬جمعة‭ ‬يضيف‭ ‬شعبًا‭ ‬جديدًا‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬تتصف‭ ‬بهذه‭ ‬الصفة‭ ‬البغيضة‭ ‬إلى‭ ‬نفوسنا،‭ ‬وكنا‭ ‬لا‭ ‬نستغرب‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬تساوت‭ ‬أنظمتها‭ ‬في‭ ‬سوء‭ ‬الإدارة‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬لو‭ ‬أحسن‭ ‬تدبيرها‭ ‬أن‭ ‬تنقل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬نقلة‭ ‬حضارية‭ ‬تضعها‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬الدول‭ ‬المتحضرة،‭ ‬ولأن‭ ‬محنة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ليست‭ ‬مسؤولية‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وحدهم،‭ ‬بل‭ ‬تشاركهم‭ ‬فيها‭ ‬أنظمة‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬وكنا‭ ‬نضع‭ ‬أيدينا‭ ‬على‭ ‬قلوبنا‭ ‬حين‭ ‬نستمع‭ ‬إلى‭ ‬خطيب‭ ‬الجمعة‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬يضيف‭ ‬شعبًا‭ ‬جديدًا‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬اللاجئين،‭ ‬ولما‭ ‬ساءت‭ ‬أحوال‭ ‬العرب،‭ ‬وضعفت‭ ‬شوكتهم،‭ ‬وتمزقت‭ ‬أوصال‭ ‬دولتهم‭ ‬غزاها‭ ‬الغزاة،‭ ‬وتحكمت‭ ‬في‭ ‬مصائرها‭ ‬الدول‭ ‬المستعمرة‭: ‬فرنسا،‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬وأمريكا،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يساوي‭ ‬شيئًا‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب‭ ‬لا‭ ‬يحاربنا‭ ‬بأسلحته‭ ‬هو،‭ ‬بل‭ ‬يغزونا‭ ‬ويحاربنا‭ ‬بترسانة‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تزود‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب‭ ‬بدعم‭ ‬لوجستي‭ ‬لا‭ ‬ينقطع‭ ‬تدفقه،‭ ‬فعطاء‭ ‬الترسانة‭ ‬الحربية‭ ‬للكيان‭ ‬الغاصب‭ ‬غير‭ ‬مقطوع‭ ‬ولا‭ ‬ممنوع‭ ‬ولا‭ ‬مجذوذ‭.‬

وكان‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬يستر‭ ‬أفعاله‭ ‬القبيحة،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تقرها‭ ‬الأديان‭ ‬والأعراف‭ ‬الدولية‭ ‬بشعار‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬والتحضر‭ ‬والعَلْمانية،‭ ‬والادعاء‭ ‬بأن‭ ‬فيها‭ ‬الخير‭ ‬كل‭ ‬الخير‭ ‬لهذه‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬قوة،‭ ‬والزعم‭ (‬الكاذب‭) ‬بأنهم‭ ‬إنما‭ ‬جاؤوا‭ ‬إلى‭ ‬بلادنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحضرها‭ ‬وتقدمها،‭ ‬وكانوا‭ ‬بهذه‭ ‬الحجة‭ ‬الملفقة‭ ‬ينهبون‭ ‬ثرواتها،‭ ‬ويجدون‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬عونًا‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬أحوالها،‭ ‬وتدني‭ ‬أوضاعها‭ ‬التي‭ ‬هم‭ ‬ومن‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬ركابهم‭ ‬السبب‭ ‬المباشر‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

كانت‭ ‬الدول‭ ‬المستعمرة‭ ‬تمارس‭ ‬طغيانها‭ ‬واستبدادها‭ ‬وراء‭ ‬غطاء‭ ‬من‭ ‬يدينون‭ ‬لهم‭ ‬بالولاء،‭ ‬ولقد‭ ‬حذرهم‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬ونهاهم‭ ‬عن‭ ‬اتخاذ‭ ‬غير‭ ‬المؤمنين‭ ‬أولياء‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المؤمنين،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬لا‭ ‬تتخذوا‭ ‬اليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬أولياء‭ ‬بعضهم‭ ‬أولياء‭ ‬بعض‭ ‬ومن‭ ‬يتولهم‭ ‬منكم‭ ‬فإنه‭ ‬منهم‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يهدي‭ ‬القوم‭ ‬الظالمين‭) ‬المائدة‭ /‬51‭.‬

إذًا،‭ ‬فالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عاش‭ ‬ردحًا‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬الشعب‭ ‬الوحيد‭ ‬المحتكر‭ ‬لصفة‭ ‬اللاجئين‭ ‬صار‭ ‬اهتمام‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية،‭ ‬وربما‭ ‬الإسلامية‭ - ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الظاهر‭ - ‬صار‭ ‬يشاركهم‭ ‬فيها،‭ ‬وتنافسهم‭ ‬عليها‭ ‬شعوب‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭.‬

ولقد‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬وعينا‭ - ‬وكنا‭ ‬نخشى‭ ‬أن‭ ‬يستقر‭- ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كل‭ ‬جمعة‭ ‬شعبًا‭ ‬جديدًا‭ ‬سوف‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬القائمة،‭ ‬وكأن‭ ‬طالبًا‭ ‬سوف‭ ‬يُعطى‭ ‬واجبًا‭ ‬جديدًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬الذي‭ ‬كلف‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬ورغم‭ ‬الأولوية‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬باعتباره‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬اتصف‭ ‬بهذه‭ ‬الصفة‭ ‬والتي‭ ‬مرَّ‭ ‬عليها‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬السبعين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الكفاح‭ ‬والجهاد‭.‬

إذًا،‭ ‬فقد‭ ‬استقر‭ ‬عربيًّا‭ ‬وإسلاميًّا،‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬دوليًّا‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬استحق‭ ‬وعن‭ ‬جدارة‭ ‬أن‭ ‬ينفرد‭ ‬بهذا‭ ‬الوصف،‭ ‬وأن‭ ‬يسعى‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬المسارعة‭ ‬إلى‭ ‬نجدته،‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقه‭ ‬المسلوبة،‭ ‬وحريته‭ ‬المستباحة،‭ ‬وندعو‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬بعد‭ ‬إعداد‭ ‬ما‭ ‬نستطيع‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام،‭ ‬كما‭ ‬نسأله‭ ‬سبحانه‭ ‬ونصر‭ ‬على‭ ‬الدعاء‭ ‬ألا‭ ‬يضيف‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬اللاجئين‭ ‬شعبًا‭ ‬لاجئًا‭ ‬جديدًا‭.‬

‭ ‬وكانت‭ ‬الطامَّة‭ ‬الكبرى‭ ‬حين‭ ‬غزا‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬بحجة‭ ‬أنها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬ودخل‭ ‬حربًا‭ ‬ضروسًا،‭ ‬وكان‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬شعب‭ ‬جديد‭ ‬يتصف‭ ‬بنفس‭ ‬صفحة‭ ‬الشعب‭ ‬اللاجئ‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬انفرد‭ ‬بها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬يأخذها‭ ‬ذريعة‭ ‬على‭ ‬شرعية‭ ‬احتلاله‭ ‬لفلسطين‭ ‬والادعاء‭ ‬بأنه‭ ‬حق‭ ‬مشروع‭ ‬للصهيونية‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يماري‭ ‬فيه‭ ‬أحد،‭ ‬وصار‭ ‬من‭ ‬المنكر‭ ‬الذي‭ ‬أمرنا‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بأن‭ ‬ننهى‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استباح‭ ‬العربي‭ ‬المسلم‭ ‬دم‭ ‬العربي‭ ‬المسلم‭.‬

قاتل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬البغي‭ ‬والعدوان،‭ ‬وما‭ ‬ينتج‭ ‬عنهما‭ ‬من‭ ‬سفك‭ ‬للدماء،‭ ‬وهتك‭ ‬للأعراض،‭ ‬وتبديد‭ ‬للثروات،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬ألم‭ ‬تر‭ ‬كيف‭ ‬فعل‭ ‬ربك‭ ‬بعاد‭ (‬6‭) ‬إرم‭ ‬ذات‭ ‬العماد‭ (‬7‭) ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يخلق‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ (‬8‭) ‬وثمود‭ ‬الذين‭ ‬جابوا‭ ‬الصخر‭ ‬بالواد‭ (‬9‭) ‬وفرعون‭ ‬ذي‭ ‬الأوتاد‭(‬10‭) ‬الذين‭ ‬طغوا‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ (‬11‭) ‬فأكثروا‭ ‬فيها‭ ‬الفساد‭ (‬12‭) ‬فصب‭ ‬عليهم‭ ‬ربهم‭ ‬سوط‭ ‬عذاب‭ (‬13‭) ‬إن‭ ‬ربك‭ ‬لبالمرصاد‭ (‬14‭)) ‬سورة‭ ‬الفجر‭.‬

هؤلاء‭ ‬المستبدون‭ ‬الذين‭ ‬أوردوا‭ ‬شعوبهم‭ ‬ما‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬تخلف‭ ‬وجهل‭ ‬وفشل،‭ ‬ونسوا‭ ‬أو‭ ‬تناسوا‭ ‬أن‭ ‬أعمارهم‭ ‬محدودة،‭ ‬وبقاءها‭ ‬على‭ ‬كراسي‭ ‬الحكم‭ ‬قصيرة،‭ ‬ولابد‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يغادروا‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا،‭ ‬ويقدموا‭ ‬على‭ ‬إله‭ ‬عادل‭ ‬ليحاسبهم‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فرطوا‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬العباد،‭ ‬وسوف‭ ‬يحصي‭ ‬عليهم‭ ‬كم‭ ‬سفكوا‭ ‬من‭ ‬دماء،‭ ‬وكم‭ ‬هتكوا‭ ‬من‭ ‬أعراض،‭ ‬وكم‭ ‬نهبوا‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬وثروات،‭ ‬فليعدوا‭ ‬لكل‭ ‬سؤال‭ ‬جوابًا‭ ‬ينجيهم‭ ‬من‭ ‬عذاب‭ ‬أليم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا