على مدى ستة أسابيع متتالية استمرت أسعار النفط الخام في الانخفاض، محققة خسارة بنسبة 18% عن مستواها في سبتمبر. وتعزز هذا الانخفاض إثر إعلان إرجاء اجتماع «أوبك بلس»، الذي كان مقررًا له يوم 26 نوفمبر، إلى 30 من الشهر ذاته، في ضوء أخبار عن اختلاف الدول الأعضاء حول مستويات الإنتاج، حيث تراجعت الأسعار بعد الإعلان بنسبة 5%، ثم انخفضت إلى1% في اليوم التالي، وبلغ سعر خام برنت 78.65 دولارا للبرميل، وسعر خام غرب تكساس 74 دولارا للبرميل.
وفيما كانت السعودية قد أعلنت استعدادها لتمديد خفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميًا إلى العام الجديد؛ فقد رفضت «أنجولا»، و«نيجيريا»، التخفيضات التي دعت إليها دول أخرى. ومن المعلوم، أن كبار منتجي «أوبك بلس» (السعودية، وروسيا)، كانتا قد أجريتا تخفيضات خلال عام 2023 في محاولة لتعزيز الأسعار التي تعرضت لضغوط؛ بسبب التباطؤ الاقتصادي في الدول الكبرى. وبينما يسحب ارتفاع الإنتاج في الدول غير الأعضاء في المنظمة، جزءًا من سوق الأخيرة، فقد كانت هناك أيضًا توقعات أن تلجأ «أوبك بلس»، إلى زيادة الإنتاج حفاظًا على حصتها السوقية، وأن تتجه لإجراء خفض جماعي أعمق في إنتاجها اليومي، كحصانة ضد الضعف المحتمل في السوق خلال الربع الأول لعام 2024، وكانت «الرياض»، و«موسكو»، قد أكدتا التزامهما بتخفيضات الإنتاج البالغ إجماليها 1.3 مليون برميل يوميًا حتى نهاية ديسمبر 2023.
وفي اجتماع 30 نوفمبر، أعلنت «المنظمة»، اتفاق العديد من الأعضاء على إجراء تخفيضات طوعية في الإنتاج بإجمالي 2.2 مليون برميل يوميًا في الربع الأول لعام 2024، حيث تقود «السعودية»، -أكبر مصدر للنفط الخام في العالم- هذه الجهود من خلال تمديد خفض الإنتاج الطوعي بمقدار مليون برميل يوميًا حتى نهاية مارس 2024، وتخفض «روسيا»، إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميًا، والعراق 223 ألف برميل يوميًا، والإمارات 163 ألف برميل يوميًا، والكويت 135 ألف برميل يوميًا، وكازاخستان 82 ألف برميل يوميًا، والجزائر 51 ألف برميل يوميًا، وسلطنة عُمان 42 ألف برميل يوميًا، وفي هذا الاجتماع تم إعلان انضمام البرازيل إلى التحالف النفطي.
وجاءت هذه التخفيضات الطوعية بعد رفض وزراء «المنظمة»، إعلان تخفيضات رسمية جديدة لإنتاج النفط، مؤكدين التزامهم بضمان «سوق نفط مستقرة ومتوازنة». ويُذكر أن هذا الخفض الطوعي سبقه آخر يبدأ في أبريل2023، ويمتد حتى نهاية ديسمبر 2024، حيث تخفض السعودية بمقدار (500 ألف برميل يوميًا)، والجزائر (48 ألف برميل يوميًا)، وسلطنة عُمان، (40 ألف برميل يوميًا)، والكويت (128 ألف برميل يوميًا)، وعليه، فإن السعودية و8 دول أخرى تكون قد أعلنت تمديد خفضها الطوعي الإضافي الذي بدأت فيه من مايو 2023 حتى نهاية 2024 بإجمالي 1.7 مليون برميل يوميًا.
وفي اجتماعه الوزاري الأخير في 4 يونيو2023، كان تحالف «أوبك بلس»، قد قرر تثبيت سياسة خفض الإنتاج دون تغيير في نفس العام، وأعلن تعديل مستويات إنتاج النفط الإجمالية إلى 46.40 مليون برميل يوميًا، بدءًا من أول يناير 2024 حتى 31 ديسمبر 2024، وشدد على أن جميع دوله ستخضع لتقييم من قِبل ثلاثة مصادر متخصصة مستقلة بحلول نهاية يونيو 2024، من أجل تحديد القدرات الإنتاجية للدول الأعضاء؛ لاستعمالها بوصفها «مستويات إنتاج مرجعية لعام 2025»، حيث توقع «التحالف»، أن يبلغ إجمالي الطلب العالمي 104.36 مليون برميل يوميًا، بزيادة 2.25 مليون برميل يوميًا عن العام السابق -تستأثر مجموعة دول «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» بـ46.1 مليون برميل يوميًا من هذا الطلب- كما توقع أيضا أن يصل إجمالي المعروض من خارجه إلى 68.17 مليون برميل يوميًا، بزيادة نحو 1.38 مليون برميل يوميًا عن عام 2023، وتأتي معظم هذه الزيادة من الولايات المتحدة، وكندا، والبرازيل، والنرويج.
وفيما يبلغ نصيب «السعودية»، من تخفيضات الإنتاج قرابة النصف، فقد أعلن وزير الطاقة لديها الأمير «عبد العزيز بن سلمان» في 4 ديسمبر، أن تخفيضات إنتاج النفط في «أوبك بلس»، يمكن أن تستمر ما بعد نهاية مارس 2024 إذا لزم الأمر، وسيتم الالتزام بها بشكل كامل.
وقبيل اجتماع «التحالف»، كانت التوترات السياسية تنبئ أن أسعار النفط الخام سوف تتجه صعودًا. وتوقع «البنك الدولي»، أن تصل إلى 150 دولارا للبرميل، لكن سرعان ما انحسرت المخاوف بشأن تأثير هذه التوترات، واستمرت الأسعار في اتجاهها النزولي، مع اتجاه الولايات المتحدة إلى تخفيض عقوباتها على قطاع النفط في فنزويلا، ما يضيف 500 ألف برميل يوميًا إلى المعروض النفطي، والأداء المخيب للآمال بشأن استعادة عافية الاقتصاد الصيني، الذي كان قد استهدف معدل نمو 5%، فيما تبلغ مشترياته اليومية 11.53 مليون برميل.
فضلا عن ذلك، عززت مخاوف الركود في الاقتصاد العالمي انخفاض أسعار النفط. وتوقع «صندوق النقد الدولي»، تراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي من (3.5% في 2022، إلى 3% في 2023 و2024)، وزيادة مخزونات النفط الأمريكي -التي ارتفعت بمقدار 1.33 مليون برميل في 10 نوفمبر بعد زيادة قدرها 11.9 مليون برميل في الأسبوع السابق- كذلك زيادة إنتاج وصادرات النفط الإيراني، التي بلغت أعلى مستوياتها في خمس سنوات برغم العقوبات الأمريكية، حيث بلغ إنتاجها نحو 3 ملايين برميل يوميًا، والصادرات نحو 1.5 مليون برميل يوميًا.
وفي حين بلغت الإيرادات النفطية السعودية 752 مليار ريال في ميزانية 2023، مقابل توقعات بـ749 مليار ريال من متوسط إنتاج يومي بلغ 9.6 مليون برميل على سعر 82 دولارا لخام برنت؛ فقد قدرت شركة «الراجحي كابتل»، سعر النفط في ميزانية 2024 عند مستوى 80 دولارا للبرميل.
وبشكل عام، يتأثر نمو الاقتصاد السعودي «صعودًا وهبوطًا»، بتغييرات أسعار النفط، وكميات الإنتاج والصادرات النفطية، فبعد نسب نمو منخفضة لاقتصادها بلغت (2.75%) عام 2018، و(0.82%) في 2019، و(-4.38%) عام2020؛ بلغ معدل النمو 3.92% في 2021، و8.85% عام2022، مسجلاً أعلى وتيرة نمو في مجموعة العشرين. وفي هذا العام حققت «المملكة»، إيرادات نفطية بقيمة 857 مليار ريال، وغير نفطية 411 مليار ريال، فيما كان متوسط سعر برميل النفط 73.16 دولارا في 2018، و54.9 دولارا في 2019، و40.05 دولارا في 2020، و75.22 دولارا في 2021، و79،91 دولارا في 2022.
وفي الميزانية السعودية 2024 تبلغ الإيرادات الإجمالية 1.172 تريليون ريال، في مقابل 1.13 تريليون ريال في ميزانية 2023، والنفقات الإجمالية 1.251 تريليون ريال، في مقابل 1.16 تريليون ريال في ميزانية 2023، بعجز محدود في ميزانية 2024 عند 79 مليار ريال بنسبة 1.9% من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل عجز بنحو 82 مليار ريال في 2023، نتيجة تراجع أسعار النفط مقارنة مع عام 2022، نتج عنه إيرادات نفطية بلغت 752 مليار ريال، بينما كانت 857 مليار ريال في 2022، مع توقع أن يحقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموًا بنسبة 0.03% في 2023 و4.4% في 2024.
وتقدر الإيرادات النفطية لعام 2024 على أساس سعر85 دولارا للبرميل. وتوقعت وكالة «فيتش»، للتصنيف الائتماني يوم 9 ديسمبر في تقريرها لآفاق الاقتصاد العالمي، أن تبلغ أسعار النفط في المتوسط 80 دولارا للبرميل في العام القادم بينما كان متوسط سعره 82 دولارا للبرميل في 2023، فيما سجل خام برنت، وخام غرب تكساس انخفاضًا للأسبوع السابع على التوالي في أطول سلسلة انخفاضات أسبوعية في خمسة أعوام، وسط مخاوف من استمرار وجود فائض في الأسواق، وسجلت العقود الآجلة لخام برنت 75.84 دولارا للبرميل، وغرب تكساس 71.32 دولارا للبرميل.
وإذا كان قرار «الرياض»، بتمديد خفض الإنتاج الطوعي لإنتاجها النفطي حتى نهاية 2023، قد أسهم في دعم جهود «أوبك بلس»، لجهة استقرار سوق النفط؛ إلا أن هذا القرار كان له أثر واضح على أدائها الاقتصادي. وأعلنت «الهيئة العامة للإحصاء»، السعودية أن الناتج المحلي الإجمالي قد انكمش بنسبة 4.5% على أساس سنوي في الربع الثالث لعام 2023، ويعد هذا هو أكبر انكماش منذ جائحة كورونا.
وفي الثلاثة أشهر الأولى لعام 2023، استمر الإمداد النفطي للمملكة عند مستوى 10.5 ملايين برميل يوميًا، وتراجع إلى 10.4 ملايين برميل يوميًا في أبريل، وانخفض إلى 10 ملايين برميل يوميًا في مايو ويونيو، ثم انخفض إلى 9 ملايين برميل يوميًا في يوليو وأغسطس، ثمّ مددت الخفض الطوعي حتى نهاية مارس من عام 2024، ويمكن أن تستمر هذه التخفيضات بعد ذلك التاريخ. وعليه، فقد ظهرت أهمية استراتيجية تنمية القطاعات غير النفطية في دعم الاقتصاد السعودي، حيث كان يمكن لتراجع الإيرادات النفطية أن يكون أكثر تأثيرًا فيما لم تكن القطاعات غير النفطية قد نشطت وغطت النفقات في الميزانية من 17% في 2015 إلى نحو 35% في عام 2023.
ومع أن النفط يظل هو العامل المهيمن أيضًا على الميزانية الكويتية؛ فإن انخفاض الإنتاج مع انخفاض الأسعار قد أديا إلى عجز متوقع في الميزانية الكويتية (2023/2024) يقدر بنحو 9 مليارات دولار، في مقابل فائض بلغ 6.1 مليارات دولار في ميزانية (2022/2023) لأول مرة من 9 سنوات، وفي هذه الميزانية بلغ متوسط سعر برميل النفط 97.1 دولارا، بينما في ميزانية (2023/2024) نحو 85.7 دولارا. وتحوطًا اعتمد مشروع ميزانية «البحرين» (2023/2024)، لسعر برميل النفط 60 دولارا، فيما يحقق 42.2 دولارا للبرميل سعر التعادل للنفط في «قطر»، ومن ثمّ، تعد الأقل انكشافًا لتقلبات أسعار النفط في السوق العالمية، فيما كانت «سلطنة عُمان»، قد حددت لموازنتها في 2023 سعر النفط 55 دولارا للبرميل.
على العموم، فقد اتجهت دول مجلس التعاون الخليجي إجمالاً للحد من انكشاف اقتصاداتها للصدمات السوقية، إلى تعزيز دور القطاعات غير النفطية، وهو ما أكدته رؤاها المستقبلية، في وقت يتعرض فيه أيضًا الوقود الأحفوري لضغوط عالية؛ بسبب إسهام استهلاكه في ارتفاع وتيرة التغيرات المناخية. وعليه، قدر «البنك الدولي»، أن القطاعات غير النفطية ستقود النمو الاقتصادي في دول الخليج في 2024و2025، والمقدر له 3.6%، حيث بدأت جهود التنويع الاقتصادي تؤتي ثمارها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك