العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل توصل اجتماع دبي إلى اتفاقية مناخية ملزمة؟

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الجمعة ١٥ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

اجتماعات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬والتي‭ ‬تُعرف‭ ‬رسميا‭ ‬باجتماعات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للدول‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬‮«‬الاتفاقية‭ ‬الإطارية‭ ‬بشأن‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‮»‬‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬مُكررة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬بنودها‭ ‬الأساسية‭ ‬والتي‭ ‬مازالت‭ ‬تراوح‭ ‬في‭ ‬مكانها‭ ‬دون‭ ‬حلٍ‭ ‬جذري‭ ‬دائم‭. ‬

فقمة‭ ‬الأرض‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1992‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ريو‭ ‬دي‭ ‬جانيروا‭ ‬وضعتْ‭ ‬القاعدة‭ ‬الرئيسة‭ ‬وخارطة‭ ‬طريق‭ ‬لدول‭ ‬العالم‭ ‬للتفاوض‭ ‬حول‭ ‬صيغة‭ ‬معاهدة‭ ‬دولية‭ ‬مشتركة‭ ‬ملزمة‭ ‬ينفذها‭ ‬الجميع‭ ‬سواسية،‭ ‬ويعمل‭ ‬بمقتضاها‭ ‬على‭ ‬خفض‭ ‬انبعاثاتها‭ ‬بمستويات‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬الغازات‭ ‬المتهمة‭ ‬بإحداث‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬وتداعياته‭ ‬الكثيرة‭ ‬كارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬الأرض،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬خفض‭ ‬انبعاث‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬الذي‭ ‬ينبعث‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬عملية‭ ‬احتراق‭ ‬للوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬في‭ ‬السيارات،‭ ‬أو‭ ‬محطات‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء،‭ ‬أو‭ ‬المصانع‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬لحماية‭ ‬كوكبنا‭ ‬من‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬ومنع‭ ‬سخونتها‭ ‬وارتفاع‭ ‬حرارتها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬ومساعدة‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬والنامية‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬فقد‭ ‬دعتْ‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬اجتماعات‭ ‬سنوية‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الإطارية‭ ‬للتغير‭ ‬المناخي‭ ‬لصياغة‭ ‬معاهدة‭ ‬مناخية‭ ‬والتفاوض‭ ‬حولها،‭ ‬فكان‭ ‬الاجتماع‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬برلين،‭ ‬والمعروف‭ ‬بـ‭ ‬كوب‭ (‬1‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬1995،‭ ‬والاجتماع‭ ‬الأخير‭ ‬رقم‭ (‬28‭) ‬في‭ ‬دبي‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬تحليلي‭ ‬للقرارات‭ ‬التي‭ ‬تمخضت‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الاجتماعات‭ ‬التي‭ ‬تُعقد‭ ‬مدة‭ ‬28‭ ‬عاما‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬ففي‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬الاجتماعات‭ ‬لم‭ ‬تُحدث‭ ‬أي‭ ‬فرقٍ‭ ‬جوهري‭ ‬مشهود‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الرئيسة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاجتماعات‭ ‬الأممية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬خفض‭ ‬انبعاثات‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬والغازات‭ ‬المناخية‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬منع‭ ‬سخونة‭ ‬الأرض‭ ‬وارتفاع‭ ‬حرارتها،‭ ‬كما‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تُقدم‭ ‬أي‭ ‬إنجازٍ‭ ‬ملموس‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ولذلك‭ ‬نسي‭ ‬التاريخ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاجتماعات،‭ ‬وبقيت‭ ‬ميتة‭ ‬وموجودة‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬أرشيف‭ ‬هذه‭ ‬الاجتماعات‭.‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬الاجتماعات‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬الأهداف،‭ ‬وسارت‭ ‬بالطريق‭ ‬السليم‭ ‬لعلاج‭ ‬قضية‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬وخطت‭ ‬خطوات‭ ‬جبارة‭ ‬ومتقدمة‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬هي‭ ‬اجتماع‭ ‬كيوتو‭ ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬أو‭ ‬كوب‭ (‬3‭) ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬عام‭ ‬1997‭. ‬ففي‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬وافق‭ ‬المفاوضون‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بالإجماع‭ ‬على‭ ‬بروتوكول‭ ‬كيوتو‭ ‬الذي‭ ‬يلزم‭ ‬قانونياً‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭ ‬المسؤولة‭ ‬تاريخياً‭ ‬عن‭ ‬وقوع‭ ‬ظاهرة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬بالحد‭ ‬من‭ ‬انبعاثاتها‭ ‬بنسبٍ‭ ‬معينة‭ ‬ومحددة‭ ‬سلفاً،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬صناعية‭ ‬كبرى‭ ‬باتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬العملية‭ ‬الميدانية‭ ‬لخفض‭ ‬انطلاق‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬تداعيات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬مثل‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬الأرض،‭ ‬وارتفاع‭ ‬مستوى‭ ‬سطح‭ ‬البحر،‭ ‬وزيادة‭ ‬حمضة‭ ‬مياه‭ ‬المحيطات،‭ ‬والكوارث‭ ‬المناخية‭ ‬التي‭ ‬تنجم‭ ‬عنها‭. ‬

ولكن‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬التاريخي‭ ‬الكبير‭ ‬لم‭ ‬يدم‭ ‬طويلاً،‭ ‬فالأجواء‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬تغيراً‭ ‬جذرياً‭ ‬في‭ ‬زعامة‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬من‭ ‬الديمقراطي‭ ‬كلينتون‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬بروتوكول‭ ‬كيوتو‭ ‬وتعهد‭ ‬بالالتزام‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الجمهوري‭ ‬جورج‭ ‬بوش‭ ‬الابن‭ ‬الذي‭ ‬رفض‭ ‬البروتوكول‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلاً‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2001،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكونجرس‭ ‬لم‭ ‬يصادق‭ ‬عليه‭. ‬فهذه‭ ‬النكسة‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬والسياسات‭ ‬تجاه‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬أرجع‭ ‬القضية‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬كثيراً‭ ‬وإلى‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬بدأت،‭ ‬وهي‭ ‬العمل‭ ‬لصياغة‭ ‬جديدة‭ ‬لمعاهدة‭ ‬ثانية،‭ ‬والتفاوض‭ ‬عليها‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء‭ ‬عُقدت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاجتماعات‭ ‬العقيمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬أي‭ ‬تقدم‭ ‬في‭ ‬المفاوضات،‭ ‬ولم‭ ‬تَخرجْ‭ ‬بأية‭ ‬نتيجة‭ ‬ملموسة‭ ‬تحمي‭ ‬كوكبنا‭ ‬من‭ ‬شر‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارتها،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬اجتماع‭ ‬كوب‭(‬21‭) ‬في‭ ‬باريس‭ ‬عام‭ ‬2015‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬أجمع‭ ‬المفاوضون‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬‮«‬طوعياً‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬انبعاث‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري،‭ ‬وبخاصة‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬بحث‭ ‬تعمل‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬حسب‭ ‬مصالحها،‭ ‬وظروفها،‭ ‬وإمكاناتها‭ ‬المالية‭ ‬والتقنية‭ ‬والفنية‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬حدٍ‭ ‬لانبعاث‭ ‬الملوثات‭ ‬المناخية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحديد‭ ‬أهدافها‭ ‬القطرية،‭ ‬بحيث‭ ‬إن‭ ‬مجموع‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬القطرية‭ ‬الدولية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬الأرض‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1.5‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬من‭ ‬مستويات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬الصناعية‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فعلى‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬تقديم‭ ‬تقرير‭ ‬سنوي‭ ‬‮«‬طوعي‮»‬‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬الإنجازات‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬خفض‭ ‬الانبعاث‭.  ‬

وهذا‭ ‬الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُعد‭ ‬تاريخياً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬أهدافه‭ ‬الرئيسة‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭. ‬فالأول‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الانبعاث‭ ‬كان‭ ‬طوعياً‭ ‬وليس‭ ‬الزامياً،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬تلتزم‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬بتعهداتها،‭ ‬ولم‭ ‬تُقدم‭ ‬أية‭ ‬تقارير‭ ‬سنوية‭ ‬تبين‭ ‬جهودها‭ ‬في‭ ‬خفض‭ ‬انبعاث‭ ‬الملوثات،‭ ‬والثاني‭ ‬وهو‭ ‬الأهم‭ ‬فهو‭ ‬موقف‭ ‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬ملوثة‭ ‬للهواء‭ ‬الجوي‭ ‬وتتحمل‭ ‬تاريخياً‭ ‬مسؤولية‭ ‬نزول‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬المناخية‭ ‬على‭ ‬كوكبنا،‭ ‬وهي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬لوثت‭ ‬بيئتنا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬فما‭ ‬حدث‭ ‬لبروتوكول‭ ‬كيوتو‭ ‬وقع‭ ‬نفسه‭ ‬لتفاهمات‭ ‬باريس‭. ‬فالرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬وقَّع‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التفاهمات،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬وصول‭ ‬الجمهوري‭ ‬رونالد‭ ‬ترامب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬أصلاً‭ ‬بدور‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬وقوع‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬ولا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالعمل‭ ‬الدولي‭ ‬الجماعي‭ ‬المشترك،‭ ‬انسحب‭ ‬كلياً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التفاهمات،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬أمريكا‭ ‬دورها‭ ‬وتقوم‭ ‬بواجباتها‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬في‭ ‬خفض‭ ‬انبعاثاتها‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬أحد‭ ‬الأهداف‭ ‬الرئيسة‭ ‬لاجتماع‭ ‬باريس،‭ ‬وهو‭ ‬منع‭ ‬سخونة‭ ‬الأرض‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1‭.‬5‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭.  ‬

ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬عاشت‭ ‬الدول،‭ ‬ومازالت‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬فراغ‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬معاهدة‭ ‬ملزمة‭ ‬لخفض‭ ‬الانبعاث،‭ ‬وجميع‭ ‬الاجتماعات‭ ‬التي‭ ‬عُقدت‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬تطوراً‭ ‬ملموساً‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬عاماً،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬رقم‭ (‬26‭) ‬أو‭ ‬كوب‭ ‬26‭ ‬الذي‭ ‬عُقد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬جلاسجو‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬وبعد‭ ‬مناقشات‭ ‬ماراثونية‭ ‬عصيبة‭ ‬استمرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬يوماً‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬المفاوضون‭ ‬من‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬جماعي‭ ‬مشترك‭ ‬بشأن‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭. ‬وفي‭ ‬الدقائق‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبل‭ ‬إغلاق‭ ‬الاجتماع،‭ ‬توصلت‭ ‬الوفود‭ ‬المشاركة‭ ‬باقتراح‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬والدول‭ ‬النامية‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬قرار‭ ‬ضعيف‭ ‬ومرن‭ ‬ومكون‭ ‬أساساً‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬حروف‭ ‬فقط،‭ ‬وهي‭ ‬الخفض‭ ‬التدريجي‭ ‬لاستخدام‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬عبر‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭(‬phase‭ ‬down‭)‬،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الصيغة‭ ‬الأولية‭ ‬وهي‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬والتخلص‭ ‬منه‭ ‬نهائياً‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭(‬phase‭ ‬out‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬المناقشات‭ ‬الطويلة‭ ‬دارت‭ ‬حول‭ ‬كلمتي‭ (‬down‭) ‬و‭ (‬out‭). ‬وفي‭ ‬اجتماع‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ،‭ ‬كوب‭ (‬27‭) ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬أية‭ ‬انفراجة‭ ‬في‭ ‬المفاوضات،‭ ‬سوى‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬إنشاء‭ ‬صندوق‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬الخسائر‭ ‬والأضرار‮»‬‭ ‬ليسهم‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬النامية‭ ‬التي‭ ‬تضررت‭ ‬من‭ ‬الكوارث‭ ‬المناخية‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭.‬

وأخيراً‭ ‬جاء‭ ‬اجتماع‭ ‬دبي،‭ ‬كوب‭ (‬28‭) ‬الذي‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬إصدار‭ ‬قرار‭ ‬بالموافقة‭ ‬على‭ ‬تفعيل‭ ‬وتشغيل‭ ‬الصندوق،‭ ‬والتزمت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬بدفع‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬زهيدة‭ ‬لا‭ ‬تبلغ‭ ‬في‭ ‬إجمالها‭ ‬1%‭ ‬مما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬الصندوق‭ ‬فعلياً‭. ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬حدث‭ ‬هدوء‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الاجتماع‭ ‬حتى‭ ‬الساعات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬آخر‭ ‬يوم،‭ ‬وهو‭ ‬الأربعاء‭ ‬13‭ ‬ديسمبر‭. ‬وبعد‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬مسودات،‭ ‬وافق‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحقق‭ ‬هدف‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬معاهدة‭ ‬دولية‭ ‬ملزمة‭ ‬للجميع‭ ‬لخفض‭ ‬الانبعاث،‭ ‬كما‭ ‬إنها‭ ‬لن‭ ‬تمنع‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬الأرض‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1.5‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭. ‬وقد‭ ‬طرح‭ ‬الاجتماع‭ ‬‮«‬جملة‮»‬‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭ ‬المرنة‭ ‬الطوعية‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬الفرصة‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭ ‬لاختيار‭ ‬ما‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬مصالحها‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وافق‭ ‬المفاوضون‭ ‬على‭ ‬التحول‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬ضمن‭ ‬أنظمة‭ ‬الطاقة،‭ ‬والبدء‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬بخطة‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الحالي‭ ‬لتحقيق‭ ‬الحياد‭ ‬الصفري‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2050،‭ ‬وبما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬النتائج‭ ‬العلمية‭. ‬كما‭ ‬دعا‭ ‬الاجتماع‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬التسريع‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬ورفع‭ ‬كفاءة‭ ‬وفاعلية‭ ‬تشغيل‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة،‭ ‬والتعجيل‭ ‬في‭ ‬خفض‭ ‬الانبعاث‭. ‬كما‭ ‬حث‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬التقنيات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنبعث‭ ‬منها‭ ‬الملوثات،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬قبل‭ ‬انبعاثه‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬وخفض‭ ‬الانبعاث‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬المواصلات‭ ‬بالوسائل‭ ‬المناسبة‭.   ‬

وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬فإن‭ ‬اجتماعات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬واد‭ ‬وشركات‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬في‭ ‬واد‭ ‬آخر،‭ ‬وكأننا‭ ‬في‭ ‬عالمين‭ ‬مختلفين‭ ‬غير‭ ‬مترابطين‭. ‬فاجتماعات‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬استخدام‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬بشكلٍ‭ ‬تدريجي‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬تعمل‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬على‭ ‬مشاريع‭ ‬جديدة‭ ‬لاستخراج‭ ‬النفط،‭ ‬والغاز،‭ ‬والفحم،‭ ‬أي‭ ‬ضد‭ ‬توجهات‭ ‬اجتماعات‭ ‬المناخ،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬أرباحها‭ ‬لم‭ ‬تتغير،‭ ‬بل‭ ‬وتزيد‭. ‬والتحقيق‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬شبيجل‮»‬‭ ‬الألمانية‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬هل‭ ‬العالم‭ ‬حقاً‭ ‬مستعد‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري؟‮»‬،‭ ‬يؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭. ‬فهذا‭ ‬التحقيق‭ ‬يؤكد‭ ‬استمرار‭ ‬الحفر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬الأرض‭ ‬دون‭ ‬هوادة،‭ ‬واستمرار‭ ‬الازدهار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬النفطية‭ ‬العملاقة‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬الخمس‭ ‬مثل‭ ‬إكسون‭ ‬موبايل،‭ ‬وشيفرون،‭ ‬و‭ ‬بي‭ ‬بي،‭ ‬وشل‭ ‬حققت‭ ‬أرباحاً‭ ‬نحو‭ ‬200‭ ‬بليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭. ‬كما‭ ‬أفاد‭ ‬التحقيق‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬الإجماع‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬تفاهمات‭ ‬باريس،‭ ‬تم‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬مشروعاً‭ ‬ضخماً‭ ‬متعلقاً‭ ‬بأحد‭ ‬أنواع‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬وهناك‭ ‬الآن‭ ‬128‭ ‬مشروعاً‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬التخطيط‭.‬

وهذا‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬مثال‭ ‬صارخ‭ ‬على‭ ‬النفاق‭ ‬الدولي‭ ‬وعدم‭ ‬الشفافية‭ ‬والوضوح‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تغليب‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للشركات‭ ‬العملاقة‭ ‬المتنفذة‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬وصحة‭ ‬كوكبنا‭.‬

 

bncftpw@batelco‭.‬com‭.‬bh

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا