العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

فيتو أمريكي من أجل استمرار القتل في غزة

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ١٥ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

أجهزت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالفيتو‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬قدمته‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيقاف‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لأسباب‭ ‬إنسانية‭. ‬كان‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬كلهم‭ ‬باستثناء‭ ‬بريطانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬وافقوا‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬فإذا‭ ‬بالأخيرة‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬وجهها‭ ‬البشع‭ ‬داخل‭ ‬المجلس‭ ‬وتفسد‭ ‬المحاولة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬نجاحها‭ ‬أن‭ ‬يوقف‭ ‬القتل‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ويمنع‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬الذهاب‭ ‬بمشروعه‭ ‬الإجرامي‭ ‬إلى‭ ‬مديات‭ ‬أبعد‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬كله‭ ‬مشدود‭ ‬إلى‭ ‬قدمي‭ ‬جلاد،‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يبحث‭ ‬دائما‭ ‬عن‭ ‬ممثلين‭ ‬نموذجيين‭ ‬لتنفيذ‭ ‬جرائمه‭ ‬بالوكالة‭. ‬ولهذا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬استلهاما‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬أمريكية‭ ‬للحل‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يقم‭ ‬وزنا‭ ‬لمليوني‭ ‬إنسان‭ ‬هم‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬خُيروا‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬حصار‭ ‬مميت‭ ‬وبين‭ ‬موت‭ ‬عاجل‭.‬

لطالما‭ ‬توجهت‭ ‬أعين‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬أمريكيا‭. ‬وفي‭ ‬الوضع‭ ‬المزري‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬إليه‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬وكانت‭ ‬الصين‭ ‬يومها‭ ‬تحث‭ ‬الخطى‭ ‬لترتيب‭ ‬مستقبلها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬غير‭ ‬عابئة‭ ‬بالسياسة‭ ‬انطلت‭ ‬الكذبة‭ ‬على‭ ‬الكثيرين‭. ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬قائدا‭ ‬بحجم‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬مبادرة‭ ‬روجرز‭ ‬الأمريكية‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الصراع‭. ‬ولكن‭ ‬مياه‭ ‬البحيرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬آسنة‭ ‬ولا‭ ‬تصلح‭ ‬للعوم‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ستظل‭ ‬عليه‭ ‬دائما‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬العيب‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬العيب‭ ‬في‭ ‬مَن‭ ‬حلم‭ ‬بعبورها‭ ‬آمنا‭. ‬الممر‭ ‬الأمريكي‭ ‬كان‭ ‬أسوأ‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الممر‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬الجحيم‭ ‬مجسدا‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬عرفه‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سلطتهم‭ ‬التي‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬نواة‭ ‬للدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الموعودة‭ ‬صارت‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬رأيا‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أمانتها‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التاريخ‭. ‬ولكن‭ ‬الهاجس‭ ‬الأمريكي‭ ‬كان‭ ‬مزعجا‭ ‬دائما‭.‬

تكره‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬قتلهم‭ ‬ما‭ ‬يخل‭ ‬بالسلام‭ ‬العالمي‭. ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬قد‭ ‬أسس‭ ‬لضمان‭ ‬سلام‭ ‬إسرائيل‭. ‬فنادرا‭ ‬ما‭ ‬تستعمل‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬الفيتو‭. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬جنون‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬سلمت‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬مدمرا‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاح‭ ‬ما‭ ‬فعلته؟‭ ‬وليس‭ ‬مبالغا‭ ‬فيه‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تطرب‭ ‬للنغمة‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬كرهها‭ ‬ومعاداتها‭. ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬صديقة‭ ‬لأحد‭ ‬باستثناء‭ ‬إسرائيل‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬بها‭ ‬بعلاقة‭ ‬غامضة،‭ ‬يشك‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭. ‬ولكن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ديمقراطية‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬جمهورية‭ ‬تضع‭ ‬مصالح‭ ‬إسرائيل‭ ‬فوق‭ ‬مصالحها‭.‬

بعد‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬سوى‭ ‬مواجهة‭ ‬قدرهم‭. ‬لقد‭ ‬عجز‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بوجهه‭ ‬القانوني‭ ‬عن‭ ‬إنقاذهم‭. ‬ليست‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬تُرتكب‭ ‬في‭ ‬حقهم‭ ‬مجرد‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬انتقامي‭ ‬إسرائيلي‭. ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬عظمى‭ ‬كانت‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الوساطة‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬هدنة‭ ‬مؤقتة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تبادل‭ ‬الأسرى‭ ‬وإيصال‭ ‬المعونات‭ ‬الإنسانية‭. ‬أفصحت‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬شريكة‭ ‬في‭ ‬الجريمة‭. ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬إيقاف‭ ‬العدوان‭ ‬حلا،‭ ‬بل‭ ‬ترى‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬استمراره‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬القتل‭ ‬والدمار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬الوحش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بالتعب‭ ‬والضجر‭.‬

صحيح‭ ‬أنها‭ ‬حرب‭ ‬مكلفة،‭ ‬بشريا‭ ‬وماديا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المعتدي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ولكن‭ ‬الصحيح‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬اتخذت‭ ‬طابعا‭ ‬مصيريا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وغيرت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬والرؤى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬حتى‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬كانوا‭ ‬يأملون‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬التفاهم‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬يمكن‭ ‬البناء‭ ‬عليها،‭ ‬ثقة‭ ‬منهم‭ ‬بأن‭ ‬الأطراف‭ ‬كلها‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬المنطقة‭ ‬حالة‭ ‬دائمة‭ ‬من‭ ‬السلام‭. ‬جاء‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬تجسيد‭ ‬لموقف‭ ‬مصطف‭ ‬مع‭ ‬نهج‭ ‬الإبادة‭ ‬ليلقي‭ ‬بتلك‭ ‬الآمال‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬المهملات‭.‬

لا‭ ‬ترغب‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يعم‭ ‬السلام‭ ‬المنطقة‭. ‬الأسوأ‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬الداعم‭ ‬الرئيس‭ ‬لإسرائيل‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تنهي‭ ‬إسرائيل‭ ‬مشكلاتها‭ ‬مع‭ ‬العرب‭. ‬وهي‭ ‬مشكلات‭ ‬كلف‭ ‬العرب‭ ‬أنفسهم‭ ‬مشقة‭ ‬طي‭ ‬صفحة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬المصيرية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تجاوزها‭. ‬لذلك‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬الرسمي‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬فإن‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬ستتغير‭ ‬وفي‭ ‬الأخص‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشعبي‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬نافرا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬أبواب‭ ‬المنطقة‭ ‬لإسرائيل‭. ‬أما‭ ‬الثقة‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فستصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬الصفر‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا