العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تزييف الحقائق وفشل الإعلام الصهيوني

بقلم: أنطوان شلحت {

الأربعاء ١٣ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لا‭ ‬يُعدّ‭ ‬أداء‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الحالية‭ ‬ضد‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬مختلفًا‭ ‬عن‭ ‬أدائها‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬السابقة،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬جبهات‭ ‬أخرى،‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬النأي‭ ‬بالنفس‭ ‬عن‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬الخفايا‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬الضوء‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بتحدّي‭ ‬الرقابة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يَخفى‭ ‬أنها‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬صرامةً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقتٍ‭ ‬مضى‭.‬

كما‭ ‬يتّسم‭ ‬أداء‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬هذه‭ ‬بتغييب‭ ‬الجانب‭ ‬المدنيّ‭ ‬للحرب،‭ ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬الجانب‭ ‬المدنيّ‭ ‬المتعلق‭ ‬بالطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬قصص‭ ‬المعاناة‭ ‬لدى‭ ‬السكّان‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬لها‭ ‬حتى‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وكذلك‭ ‬ضمن‭ ‬جلّ‭ ‬تقارير‭ ‬الصحافتين‭ ‬المكتوبة‭ ‬والمسموعة‭.‬

وحتى‭ ‬اللحظة‭ ‬ما‭ ‬انفكّت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مساهما‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬مناخ‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬التأييد‭ ‬الكامل‭ ‬والمطلق‭ ‬للحرب‭ ‬وترويج‭ ‬‮«‬عدالتها‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬بعضها‭ ‬لا‭ ‬يُقصي‭ ‬علامات‭ ‬استفهام‭ ‬طرحت‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لاندلاعها،‭ ‬بشأن‭ ‬مسؤولية‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬عنها‭. ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬تظهر‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى،‭ ‬في‭ ‬موازاة‭ ‬هذا‭ ‬التأييد،‭ ‬مواقف‭ ‬نقدية‭ ‬تشي‭ ‬ببعض‭ ‬العناصر‭ ‬المتعلقة‭ ‬بإدارة‭ ‬الحرب،‭ ‬والأهم‭ ‬بقدرتها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الموضوعة‭ ‬لها،‭ ‬وقد‭ ‬تعاظمت‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬النقدية‭ ‬مع‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الهدن‭ ‬التي‭ ‬توصف‭ ‬بأنها‭ ‬إنسانية،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اتّضح‭ ‬جليا‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قد‭ ‬أخفق‭ ‬في‭ ‬إحراز‭ ‬النصر،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الروح‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬من‭ ‬تغطية‭ ‬الحرب،‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الأوسع،‭ ‬أي‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬غير‭ ‬نقدية‭ ‬عيانًا‭ ‬بيانًا،‭ ‬منذ‭ ‬لحظة‭ ‬اندلاعها‭.‬

يتمثّل‭ ‬الجزء‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬من‭ ‬نزعة‭ ‬تأييد‭ ‬الحرب‭ ‬والمطالبة‭ ‬بعودتها‭ ‬إثر‭ ‬انتهاء‭ ‬الهدن،‭ ‬والتي‭ ‬تهيمن‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬تصميم‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬غاياتها‭ ‬مثلما‭ ‬جرى‭ ‬صوغها‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬شنّها،‭ ‬وهي‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬قدرات‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬العسكريّة‭ ‬والسلطوية،‭ ‬والسعي‭ ‬نحو‭ ‬إقامة‭ ‬‮«‬واقع‭ ‬أمني‮»‬‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬وإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الأسرى‭ ‬والرهائن‭ ‬المدنيين‭. ‬وهي‭ ‬نزعة‭ ‬تؤكّد‭ ‬قراءتنا‭ ‬للفشل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الغايات‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وتشير‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬إلى‭ ‬قدرات‭ ‬المقاومة‭.‬

وبحسب‭ ‬معظم‭ ‬المحللين‭ ‬العسكريين‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬يديعوت‭ ‬أحرونوت‭ ‬ويسرائيل‭ ‬هيوم‭ ‬ومعاريف‭ ‬وهآرتس،‭ ‬حقّق‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬المناورة‭ ‬البريّة‭ ‬التي‭ (‬بدأت‭ ‬يوم‭ ‬27‭/‬10‭/‬2023‭) ‬إنجازات‭ ‬مهمّة‭ ‬ولكنها‭ ‬تكتيكية،‭ ‬وتلقّت‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬ضربات‭ ‬عسكرية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬مازال‭ ‬حسم‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬بعيدًا‭ ‬جدًا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬بعيدة‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬رفع‭ ‬الراية‭ ‬البيضاء‭.‬

وفي‭ ‬الواقع‭ ‬المستجد‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬يسيطر‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬معظم‭ ‬مناطق‭ ‬الشمال،‭ ‬باستثناء‭ ‬القسم‭ ‬الشرقي‭ ‬الذي‭ ‬واجه‭ ‬فيه‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬معارك‭ ‬ضارية‭ ‬في‭ ‬جباليا‭ ‬والشجاعيّة‭. ‬وفي‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬الهدن،‭ ‬شهدت‭ ‬مناطق‭ ‬شمال‭ ‬القطاع‭ ‬التي‭ ‬يسيطر‭ ‬عليها‭ ‬الجيش‭ ‬مواجهات‭ ‬يومية‭ ‬مع‭ ‬فرق‭ ‬مقاتلين‭ ‬من‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬تشن‭ ‬هجماتها‭ ‬من‭ ‬فتحات‭ ‬الأنفاق،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قنّاصة‭ ‬كانوا‭ ‬متمركزين‭ ‬وراء‭ ‬نوافذ‭ ‬بنايات‭ ‬شاهقة،‭ ‬وأدّت‭ ‬إلى‭ ‬تدفيع‭ ‬الجيش‭ ‬ثمنًا‭.‬

وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬بمثابة‭ ‬روتين‭ ‬يومي‭ ‬عايشه‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬حانون‭ ‬والشاطئ‭ ‬والشيخ‭ ‬عجلين‭ ‬والرمال‭ ‬وتلّ‭ ‬الهوى‭ ‬وأحياء‭ ‬وبلدات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬القطاع‭. ‬كما‭ ‬أثبت‭ ‬مسار‭ ‬الهدنة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬أطر‭ ‬منظمّة‭ ‬للغاية،‭ ‬ووفقًا‭ ‬لهيكلية‭ ‬قيادية‭.‬

لئن‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تقدّم‭ ‬نقله‭ ‬من‭ ‬تقارير‭ ‬الصحف‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬هو‭ ‬بمنزلة‭ ‬معلومات‭ ‬عامة‭ ‬غير‭ ‬تفصيلية‭ ‬أو‭ ‬نسبية‭ ‬لا‭ ‬أكثر،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬دلالاتها،‭ ‬فإن‭ ‬أقصى‭ ‬المتفائلين‭ ‬بشأن‭ ‬الإنجازات‭ ‬التي‭ ‬حقّقتها‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬يبدون‭ ‬متشائمين‭ ‬أيضًا،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬لشعبة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬العسكرية‭ ‬وقيادة‭ ‬سلاح‭ ‬الجو،‭ ‬الجنرال‭ ‬احتياط‭ ‬عاموس‭ ‬يدلين،‭ ‬الذي‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬إنجاز‭ ‬هدف‭ ‬تقويض‭ ‬حماس‭ ‬لم‭ ‬تجتز‭ ‬إسرائيل‭ ‬سوى‭ ‬50%‭ ‬من‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬بالطبع،‭ ‬ومازالت‭ ‬طريق‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬النقطة‭ ‬المرغوبة‭ ‬طويلة‭ ‬جدًا‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬ومحلل‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا