العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

موازين القوى وحسابات الحرب في غزة

بقلم: د. ناجي صادق شراب {

الثلاثاء ١٢ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

شتان‭ ‬بين‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬والقوة‭ ‬العسكرية‭ ‬المتاحة‭ ‬فلسطينيا‭ ‬بما‭ ‬تشمله‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬المقاومة‭ ‬بكل‭ ‬فصائلها،‭ ‬فإسرائيل‭ ‬تملك‭ ‬كل‭ ‬القوة‭ ‬المتفوقة‭ ‬والمدعومة‭ ‬أمريكيا،‭ ‬والفلسطينيون‭ ‬يملكون‭ ‬ما‭ ‬يقدرون‭ ‬على‭ ‬حمله‭ ‬من‭ ‬سلاح‭ ‬يدافعون‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬وقضيتهم‭. ‬

والفارق‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬وظيفة‭ ‬السلاح‭ ‬إسرائيليا‭ ‬والسلاح‭ ‬فلسطينيا‭. ‬ومصداقية‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬مبادئ‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬والحاكم‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬وخصوصا‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬خاضتها‭ ‬دول‭ ‬وشعوب‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرر‭ ‬والاستقلال،‭ ‬فلا‭ ‬توجد‭ ‬قوة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬الدول‭ ‬والإمبراطوريات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬كما‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬والفرنسية‭ ‬وغيرها‭ ‬ولكنها‭ ‬قوة‭ ‬الضعف‭ ‬للشعوب‭ ‬الإفريقية‭ ‬والأسيوية‭ ‬التي‭ ‬انتصرت‭ ‬ولدينا‭ ‬النموذج‭ ‬الجزائري‭ ‬وغطرسة‭ ‬القوة‭ ‬الفرنسية‭ ‬واعتبار‭ ‬الجزائر‭ ‬أرضا‭ ‬فرنسية‭ ‬ومليون‭ ‬شهيد‭ ‬والنتيجة‭ ‬انتصار‭ ‬مبدأ‭ ‬قوة‭ ‬الضعف‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬القوة‭. ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬المحلل‭ ‬السياسي‭ ‬والإستراتيجي‭ ‬الفرنسي‭ ‬برتران‭ ‬بادي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬عجز‭ ‬القوة‭ ‬طارحا‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسئلة‭: ‬إن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تكتف‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬بهذه‭ ‬القوة‭ ‬الشاملة‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬بهذا‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬كقوة‭ ‬أحادية‭. ‬والسؤال‭ ‬الأول‭ ‬لماذا‭ ‬يصعب‭ ‬عليها‭ ‬السيطرة؟‭ ‬والإجابة‭ ‬إن‭ ‬الإطار‭ ‬الدولي‭ ‬قد‭ ‬تغير‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬بيئة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الثانية‭ ‬وسقوط‭ ‬الإتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وثنائية‭ ‬القطبية‭ ‬ثم‭ ‬مرحلة‭ ‬الأحادية‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬مثلتها‭ ‬أمريكا‭ ‬قائمة‭ ‬اليوم،‭ ‬وذلك‭ ‬مع‭ ‬بروز‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬جديدة‭ ‬كالصين‭ ‬وقوى‭ ‬إقليمية‭ ‬وبروز‭ ‬دور‭ ‬الجماعات‭ ‬والأشخاص‭ ‬والمنظمات‭ ‬التي‭ ‬اعتبرها‭ ‬الغرب‭ ‬إرهابية،‭ ‬وانتشار‭ ‬للقوة‭.‬

والسؤال‭ ‬الثاني‭ ‬ما‭ ‬انعكاسات‭ ‬وتداعيات‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬الجديدة؟‭ ‬والإجابة‭ ‬تظهر‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬التقليدية‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مؤثرة‭ ‬وفاعلة‭ ‬وغير‭ ‬كافية‭. ‬فالعنف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لا‭ ‬يحارب‭ ‬بالقوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬فكلما‭ ‬أظهرت‭ ‬أمريكا‭ ‬قوة‭ ‬أكبر‭ ‬زادت‭ ‬درجة‭ ‬المعارضة‭ ‬والمقاومة‭ ‬والتشدد‭. ‬وتصبح‭ ‬لعبة‭ ‬التحالفات‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭. ‬والسؤال‭ ‬الثالث‭ ‬ما‭ ‬المقاربات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية؟‭ ‬والإجابة‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬نزاعات‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬مرتبطة‭ ‬بعدم‭ ‬المساوة‭ ‬ماديا‭ ‬ورمزيا‭ ‬وبالإذلال‭ ‬وعدم‭ ‬التوازن‭ ‬في‭ ‬احترام‭ ‬قضايا‭ ‬الشعوب‭. ‬وكما‭ ‬يشير‭ ‬السيد‭ ‬أمين‭ ‬هويدي‭ ‬وزير‭ ‬المخابرات‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وله‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬عجز‭ ‬القوة‭ ‬وقوة‭ ‬العجز‭. ‬فالقوة‭ ‬تتحول‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬ضعف‭ ‬والضعف‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭. ‬وإن‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬وتحكم‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬الدولية،‭ ‬فالقوة‭ ‬حدود‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوزها‭ ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬القوة‭ ‬الأكبر‭ ‬وتملك‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬القوة‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬استخدامها‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المنازعات‭. ‬وإلا‭ ‬تنقلب‭ ‬عليها‭ ‬بنتائج‭ ‬سلبية‭. ‬والضعف‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬عندما‭ ‬يرتبط‭ ‬بعدالة‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬تحارب‭ ‬من‭ ‬أجلها‭.‬

والأمثلة‭ ‬كثيرة،‭ ‬والأكثر‭ ‬بروزا‭ ‬وتجسيدا‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬غزة‭ ‬الآن‭ ‬وقبلها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬حروب‭. ‬فمن‭ ‬منظور‭ ‬القوة‭ ‬تستطيع‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تدمر‭ ‬غزة‭ ‬بالكامل‭ ‬وتمحوها‭ ‬عن‭ ‬الخارطة‭ ‬وتوقع‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬القتلى‭ ‬لكنها‭ ‬أيضا‭ ‬حدود‭ ‬القوة،‭ ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬ستفقد‭ ‬الحرب‭ ‬كل‭ ‬مبرراتها‭ ‬وذرائعها،‭ ‬ونرى‭ ‬كيف‭ ‬التحول‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬تأييد‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ضد‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وإدانة‭ ‬الإبادة‭ ‬والسرديات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لتصل‭ ‬اليوم‭ ‬دعما‭ ‬للموقف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لما‭ ‬يقارب‭ ‬95‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬وهنا‭ ‬يأتي‭ ‬السؤال‭: ‬ما‭ ‬عناصر‭ ‬قوة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وضعفها‭. ‬عناصر‭ ‬قوة‭ ‬إسرائيل‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬قوتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الشاملة‭ ‬وهذا‭ ‬العنصر‭ ‬ليس‭ ‬ثابتا‭ ‬بل‭ ‬متحولا،‭ ‬العنصر‭ ‬الثاني‭ ‬التحالف‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬باعتبارها‭ ‬القوة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وكما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬ذهب‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬واجتمع‭ ‬مع‭ ‬مجلس‭ ‬الحرب‭ ‬وأعلن‭ ‬تأييده‭ ‬الكامل‭ ‬للرواية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مدافعا‭ ‬عن‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬زيارات‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬والدفاع‭. ‬وحتى‭ ‬هذا‭ ‬العنصر‭ ‬قابل‭ ‬للتغير‭ ‬والتحول‭ ‬ورأينا‭ ‬صورا‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭.‬

أما‭ ‬عناصر‭ ‬الضعف‭ ‬فتكمن‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬كثيرة‭ ‬كمشاكل‭ ‬التكامل‭ ‬والاندماج‭ ‬الداخلية‭ ‬ووجود‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬عربا،‭ ‬ومشاكل‭ ‬الهوية‭ ‬الدينية‭ ‬وتراجع‭ ‬الديموقراطية‭ ‬والاحتلال‭ ‬نفسه‭ ‬عنصر‭ ‬ضعف،‭ ‬ووجودها‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المنظومة‭ ‬العربية‭ ‬عنصر‭ ‬ضعف‭ ‬آخر‭. ‬وتحالفاتها‭ ‬الخارجية‭ ‬لا‭ ‬تضمن‭ ‬لها‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭. ‬ومشاكل‭ ‬تتعلق‭ ‬بالبنية‭ ‬الحزبية‭ ‬وتنامي‭ ‬الاتجاهات‭ ‬العنصرية‭ ‬والشعبوية‭ ‬والاستعلائية‭. ‬ويبقى‭ ‬أن‭ ‬خيار‭ ‬القوة‭ ‬والحرب‭ ‬لا‭ ‬يضمن‭ ‬لها‭ ‬الأمن‭ ‬والبقاء‭. ‬وإسرائيل‭ ‬تعيش‭ ‬على‭ ‬الهجرة‭ ‬وهذه‭ ‬قابلة‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬هجرة‭ ‬عكسية‭ ‬مع‭ ‬زيادة‭ ‬الحروب‭.‬

وعنصر‭ ‬الضعف‭ ‬الرئيس‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬تجذر‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬وتمسكه‭ ‬وعدم‭ ‬هجرته‭ ‬ومقاومته‭ ‬ورفضه‭ ‬للاحتلال‭ ‬ونقطة‭ ‬الضعف‭ ‬الأخرى‭ ‬إن‭ ‬السلام‭ ‬وهو‭ ‬عنصر‭ ‬القوة‭ ‬ليس‭ ‬خيارا‭ ‬إستراتيجيا‭ ‬لها‭ ‬لأنها‭ ‬تؤمن‭ ‬بسلام‭ ‬القوة‭. ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬دولة‭ ‬ضعف‭ ‬وليس‭ ‬دولة‭ ‬قوة‭ ‬وبقاؤها‭ ‬مرتبط‭ ‬ببقاء‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وأخيرا‭ ‬أختتم‭ ‬بالعنصر‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬وهو‭ ‬التحالف‭ ‬بين‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭ ‬والصهيونية‭ ‬القومية‭ ‬وانزلاق‭ ‬إسرائيل‭ ‬نحو‭ ‬اليمين‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬عناصر‭ ‬الضعف‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للقوة‭ ‬أن‭ ‬تحميها‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬فلسطيني‭ ‬مختص

‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا