شتان بين القوة العسكرية لإسرائيل والقوة العسكرية المتاحة فلسطينيا بما تشمله من قوة المقاومة بكل فصائلها، فإسرائيل تملك كل القوة المتفوقة والمدعومة أمريكيا، والفلسطينيون يملكون ما يقدرون على حمله من سلاح يدافعون فيه عن أنفسهم وقضيتهم.
والفارق كبير بين وظيفة السلاح إسرائيليا والسلاح فلسطينيا. ومصداقية هذا المبدأ الذي يعد أحد مبادئ العلاقات بين الدول، والحاكم لكثير من الحروب وخصوصا الحروب التي خاضتها دول وشعوب العالم الثالث من أجل التحرر والاستقلال، فلا توجد قوة أكبر من قوى الدول والإمبراطوريات الاستعمارية كما الإمبراطورية البريطانية والفرنسية وغيرها ولكنها قوة الضعف للشعوب الإفريقية والأسيوية التي انتصرت ولدينا النموذج الجزائري وغطرسة القوة الفرنسية واعتبار الجزائر أرضا فرنسية ومليون شهيد والنتيجة انتصار مبدأ قوة الضعف على ضعف القوة. وكما يقول المحلل السياسي والإستراتيجي الفرنسي برتران بادي في كتابه عجز القوة طارحا ثلاثة أسئلة: إن الولايات المتحدة لم تكتف في يوم من الأيام بهذه القوة الشاملة ولم تكن في يوم من الأيام بهذا العجز في مواجهة التحديات التي تواجهها كقوة أحادية. والسؤال الأول لماذا يصعب عليها السيطرة؟ والإجابة إن الإطار الدولي قد تغير ولم تعد بيئة النظام الدولي التي سادت بعد الحرب الثانية وسقوط الإتحاد السوفيتي وثنائية القطبية ثم مرحلة الأحادية الدولية التي مثلتها أمريكا قائمة اليوم، وذلك مع بروز قوى دولية جديدة كالصين وقوى إقليمية وبروز دور الجماعات والأشخاص والمنظمات التي اعتبرها الغرب إرهابية، وانتشار للقوة.
والسؤال الثاني ما انعكاسات وتداعيات هذه المعطيات الجديدة؟ والإجابة تظهر عناصر القوة التقليدية أنها لم تعد مؤثرة وفاعلة وغير كافية. فالعنف الاجتماعي لا يحارب بالقوة العسكرية، فكلما أظهرت أمريكا قوة أكبر زادت درجة المعارضة والمقاومة والتشدد. وتصبح لعبة التحالفات أكثر صعوبة. والسؤال الثالث ما المقاربات الجديدة في العلاقات الدولية؟ والإجابة كما يقال إن نزاعات القرن الواحد والعشرين مرتبطة بعدم المساوة ماديا ورمزيا وبالإذلال وعدم التوازن في احترام قضايا الشعوب. وكما يشير السيد أمين هويدي وزير المخابرات المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وله الفضل في مفهوم عجز القوة وقوة العجز. فالقوة تتحول أحيانا إلى ضعف والضعف يتحول إلى قوة. وإن هذه المعادلة هي التي تحكم العلاقات الدولية وتحكم الحروب والصراعات الدولية، فالقوة حدود لا يمكن تجاوزها فالولايات المتحدة وهي القوة الأكبر وتملك كل أنواع القوة لا يمكنها استخدامها كما رأينا في كثير من المنازعات. وإلا تنقلب عليها بنتائج سلبية. والضعف يتحول إلى قوة عندما يرتبط بعدالة القضية التي تحارب من أجلها.
والأمثلة كثيرة، والأكثر بروزا وتجسيدا الحرب التي تشهدها غزة الآن وقبلها أكثر من خمسة حروب. فمن منظور القوة تستطيع إسرائيل أن تدمر غزة بالكامل وتمحوها عن الخارطة وتوقع مئات الآلاف من القتلى لكنها أيضا حدود القوة، ففي هذه الحالة ستفقد الحرب كل مبرراتها وذرائعها، ونرى كيف التحول اليوم في تأييد الرأي العام ضد العدوان الإسرائيلي وإدانة الإبادة والسرديات الإسرائيلية لتصل اليوم دعما للموقف الفلسطيني لما يقارب 95 في المائة. وهنا يأتي السؤال: ما عناصر قوة إسرائيل وضعفها. عناصر قوة إسرائيل تكمن في قوتها العسكرية الشاملة وهذا العنصر ليس ثابتا بل متحولا، العنصر الثاني التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة باعتبارها القوة الأولى في العالم وكما رأينا في الحرب على غزة ذهب الرئيس بايدن إلى إسرائيل واجتمع مع مجلس الحرب وأعلن تأييده الكامل للرواية الإسرائيلية مدافعا عن حقها في الدفاع عن نفسها، إلى جانب زيارات وزير الخارجية والدفاع. وحتى هذا العنصر قابل للتغير والتحول ورأينا صورا كثيرة في الحرب الأخيرة.
أما عناصر الضعف فتكمن في أمور كثيرة كمشاكل التكامل والاندماج الداخلية ووجود 20 في المائة من السكان عربا، ومشاكل الهوية الدينية وتراجع الديموقراطية والاحتلال نفسه عنصر ضعف، ووجودها في قلب المنظومة العربية عنصر ضعف آخر. وتحالفاتها الخارجية لا تضمن لها السلام والأمن. ومشاكل تتعلق بالبنية الحزبية وتنامي الاتجاهات العنصرية والشعبوية والاستعلائية. ويبقى أن خيار القوة والحرب لا يضمن لها الأمن والبقاء. وإسرائيل تعيش على الهجرة وهذه قابلة لتتحول إلى هجرة عكسية مع زيادة الحروب.
وعنصر الضعف الرئيس يكمن في تجذر الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه وعدم هجرته ومقاومته ورفضه للاحتلال ونقطة الضعف الأخرى إن السلام وهو عنصر القوة ليس خيارا إستراتيجيا لها لأنها تؤمن بسلام القوة. هذه العناصر تجعل من إسرائيل دولة ضعف وليس دولة قوة وبقاؤها مرتبط ببقاء الشعب الفلسطيني وأخيرا أختتم بالعنصر الأيديولوجي وهو التحالف بين الصهيونية الدينية والصهيونية القومية وانزلاق إسرائيل نحو اليمين. هذه هي عناصر الضعف التي لا يمكن للقوة أن تحميها.
{ أكاديمي فلسطيني مختص
في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك