تشكل الزيارة التاريخية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الشقيقتين فرصة نادرة وغير مسبوقة بكل المعايير السياسية والاقتصادية إذا ما وضعناها في إطار الأوضاع العالمية الحالية وفي إطار ما تتعرض له روسيا الاتحادية من ضغوطات وحصار ومقاطعة غربية وأمريكية.
وإذا ما نظرنا إلى هذه الزيارة من زاوية التوقيت في ظل تطورات الأوضاع العالمية عامة ومنطقة الشرق الأوسط خاصة تكون هذه الزيارة ذات أهمية كبيرة سواء بالنسبة إلى روسيا الاتحادية أو بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ويمكننا النظر إلى هذه الزيارة من زاويتين:
الأولى: الفوائد الاستراتيجية والاقتصادية الضخمة التي ستجنيها كل من روسيا والإمارات والسعودية، حيث تبين نتائج هذه الزيارة حجم الفوائد للأطراف الثلاثة على الصعيد الاقتصادي والمالي والنفطي والتعاون في تثبيت واستقرار أسواق النفط العالمية باعتبار أن النفط هو السلعة الأساسية بالنسبة للدول الثلاث واستقراره وعدم انخفاض أسعاره على المدى المتوسط والطويل يشكل ضمانة رئيسية للاستقرار الاقتصادي للجميع، كما كان من أبرز نتائج هذه الزيارة حجم العقود والاتفاقيات الضخمة التي تم توقيعها بين روسيا الاتحادية من ناحية والبلدين من ناحية ثانية، والتي شملت الجوانب المالية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والطاقة والزراعة وكل الجوانب ذات الأهمية للأطراف الثلاثة:
كما تدل هذه الزيارة على الثقة المتزايدة بين هذه الأطراف والثقة الكبيرة التي تحظى بها روسيا في المنطقة الخليجية خاصة والمنطقة العربية عامة، وذلك استنادا إلى مواقف روسيا الثابتة في تحالفاتها مع أصدقائها وشركائها، فلا تنقلب عليهم ولا تخذلهم عند الأزمات مثلما تفعل معظم الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. ولسنا هنا في حاجة إلى استعراض كل النتائج الفعلية لهذه الزيارة على الصعيد الاقتصادي والمالي فهي منشورة في وكالات الانباء والصحف، ولكن الأبرز من كل ذلك أن هذه الزيارة قد حققت وحدة الموقف فيما يجري من عدوان وحشي على الشعب الفلسطيني المظلوم في الأراضي العربية المحتلة عامة وفي قطاع غزة خاصة، فروسيا الاتحادية تتفق مع الدول العربية في أن ما يحدث في غزة هو جريمة إبادة منهجية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين والقضاء على آمالهم في إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة التي تنص عليها الشرعية الدولية ويتفق على أهميتها وضرورتها معظم دول العالم. وقد أكدت الأطراف الثلاثة في بياناتها الرسمية وفي المؤتمرات الصحفية التي أعقبت هاتين الزيارتين اتفاق وجهات النظر على إيجاد أفق واضح للسلام الدائم والشامل والعادل في المنطقة، والذي يقوم بالضرورة وبالأساس على حل الدولتين.
ثانيا: على الصعيد السياسي، فإن هذه الزيارة تعتبر نصرا مؤكدا لروسيا الاتحادية فهي مثلما وصفها مساعد الرئيس الروسي بأنها «طلقة مركزة في سياسة موسكو الخارجية واشارة قوية إلى المجتمع الدولي» بمعنى أن هاتين الزيارتين كسرتا العزلة التي فرضها الغرب على روسيا كما كسرتا الحصار الاقتصادي والمالي الذي فرض على الدولة الروسية، وكذلك كسر قرار ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية القاضي باعتقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ها هو الرئيس الروسي ينتقل بحرية وينتقل إلى قلب شبه الجزيرة العربية ودول الخليج بكل أريحية ويلقى ترحابا كبيرا ومنقطع النظير ويوقع العقود والاتفاقيات ويحظى باستقبالات حافلة.
وبالنسبة إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فإن استقبال الرئيس الروسي في هذا الظرف المتوتر هو رسالة إلى الغرب عامة وإلى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة، بأن العالم العربي قد بدأ يفقد الأمل في الموقف الغربي والموقف الأمريكي بوجه خاص سواء إزاء القضية الفلسطينية أو إزاء العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، كما هي إشارة إلى أن دول الخليج بدأت تتجه نحو علاقات متوازنة بين القوى العالمية الكبرى ومنها روسيا الاتحادية وهذا طبعا يأتي في صلب مصلحتنا لأن التعويل على الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من اللازم أدى إلى الفشل نتيجة انعدام الثقة في العديد من المواقف والتطورات وبهذا المعنى تكون هذه الزيارة تاريخية واقتصادية وسياسية فهي تصب في مصلحة الجميع سواء في مستوى تبادل وجهات النظر بشأن القضايا المشتركة والتطورات في الإقليم وفي العالم أو على مستوى مستجدات الأزمة الروسية الأوكرانية أو فيما يتعلق بالتحاق كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بمنظمة بريكس ومستقبل هذه المجموعة الاقتصادية ودورها المستقبلي في العالم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك