في السادس من ديسمبر 2023 أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارة رسمية لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتعد هي الزيارة الثانية للرئيس الروسي للمنطقة حيث كانت الأولى في عام 2019 ، وعلى الرغم من وجود العديد من مجالات التعاون بين روسيا ودول الخليج العربي عموماً فإن تلك الزيارة جاءت في ظل ظروف ذات خصوصية سواء على الصعيد الإقليمي وفي مقدمتها أحداث غزة وتأثيرها على الأمن الإقليمي ككل، أو على الصعيد العالمي في ظل الجدل حول قدرة الدول الغربية الاستمرار في دعم أوكرانيا وتأثير ذلك في مسار الحرب الراهنة لجهة إمكانية التفاوض بين الجانبين، ومع أهمية مجالات التعاون المشترك بين روسيا والخليج العربي في الطاقة والاستثمار والتجارة فإن الشراكة الخليجية مع روسيا تكتسب أهميتها وقد عبر عن ذلك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالقول «نتشاطر مع روسيا الكثير من المصالح والملفات التي نعمل عليها سويا لمصلحة بلدينا والشرق الأوسط والعالم أيضاً» أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقد قال «إن العلاقات مع السعودية وصلت إلى مستوى غير مسبوق خلال السنوات السبع الماضية»، وخلال لقائه أيضاً برئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أشاد الرئيس الروسي «بدور دولة الإمارات العربية المتحدة في المحافل الدولية وخاصة مجلس الأمن وجهودها التي تسهم في استقرار الأوضاع حول العالم» ومن جانبه أكد الشيخ محمد بن زايد أن الإمارات «تدعم تسوية كل النزاعات في العالم عبر الحوار والدبلوماسية»، من ناحية ثالثة وخلال اعتماده أوراق عدد من السفراء المعتمدين لدى روسيا في الرابع من الشهر ذاته ومن بينهم سفير دولة الكويت قال الرئيس بوتين «إن روسيا تعتبر التعاون مع الكويت من أولوياتها».
ومع أهمية تلك الزيارة فإن اهتمام روسيا بمنطقة الخليج العربي ليس وليد اليوم، إذ يمتد لعقود طويلة بل كان واضحاً خلال الحرب العراقية-الإيرانية في الثمانينيات عندما أعلن الاتحاد السوفيتي آنذاك إرسال سبع سفن الخليج العربي لحماية ناقلات النفط من الاعتداءات خلال تلك الحرب وكان ذلك في ذروة الحرب الباردة، بالتوازي مع التحالف البحري الذي أعلنه الرئيس ريجان للغرض ذاته، فضلاً عن مبادرات روسيا لأمن الخليج العربي ففي يوليو 2019 أعلنت روسيا مبادرة بعنوان: «مفهوم روسيا للأمن الجماعي في منطقة الخليج العربي» ومضمونها تأسيس نظام أمني متعدد الأطراف في منطقة الخليج العربي بحيث يكون على مراحل من خلال إجراءات بناء الثقة والمحادثات الثنائية، ومن بين الأهداف مواجهة الإرهاب والهدف بعيد المدى هو إنشاء منظمة للأمن والتعاون تضم كل دول المنطقة ويكون فيها مراقبون من خارج المنطقة مثل روسيا والصين، ولم تكن المرة الأولى التي تعلن فيها روسيا مثل تلك المبادرة، حيث طرحتها في عامي 2004م و2007م بمضامين مشابهة وتعديلات طفيفة.
ومع التسليم بأهمية تطور العلاقات الروسية- الخليجية خلال السنوات الأخيرة والتي كانت توصف من جانب العديد من الباحثين أنها «الاحتياج الاستراتيجي المتبادل» فإن التساؤل الذي يطرح ذاته هو هل تلبي تلك الشراكة بالفعل احتياجات الجانبين؟ وفي الواقع توجد أسس لتطور تلك الشراكة فمن جانبها روسيا ترى أن دول الخليج العربي تكتسب أهميتها على صعيد الطاقة والاستثمارات والتجارة والحرص الروسي على تفعيل العلاقات الشعبية في الوقت ذاته من خلال إعفاء مواطني عدد من دول الخليج من تأشيرة الدخول لروسيا ، فضلاً عن بدء بعض دول الخليج العربي الاهتمام بتدريس اللغة الروسية ، ومن جانبها ترى دول الخليج العربي أن روسيا شريك دولي مهم ذو تأثير في أسواق النفط وكذلك دورها في بعض التجمعات الاقتصادية المهمة ومن بينها تجمع البريكس الذي انضمت إليه مؤخراً كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن دور روسيا كأحد الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي.
ومع أهمية ما سبق فإن رؤية روسيا لتأثير منظومة الأمن الإقليمي على أمن دول الخليج العربي تظل أمراً مهماً ضمن مسار الشراكة مع دول الخليج العربي، ومن ذلك علاقات روسيا مع إيران في مجالات عديدة من بينها المجال العسكري، ومن الطبيعي أن تكون لروسيا علاقات متعددة مع الأطراف الإقليمية ومن ذلك زيارة الرئيس الإيراني لروسيا في السابع من ديسمبر 2023 التي أعقبت جولته الخليجية ولكن من المهم أن تلبي الشراكة الخليجية- الروسية احتياجات دول الخليج الأمنية، ففي مشاركة كاتب هذا المقال في النسخة الثالثة لمؤتمر «روسيا والشرق الأوسط البحث عن عالم جديد» بمدينة سانت بطرسبرج في سبتمبر 2023 كان لافتاً أن هناك اهتماما روسيا ملحوظا بمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي وتدرك روسيا جيداً أن المدخل الأساسي لتلك الشراكات هو «الأمن غير العسكري» من خلال التعاون في مجالات محددة ولكن في تصوري أن هناك تحديات لابد وأن تكون في جوهر تلك الشراكة من بينها الانتشار النووي وتأثيره في توازن القوى الإقليمي وتهديدات الأمن البحري وسوء توظيف الجماعات دون الدول للتكنولوجيا الحديثة لتهديد أمن الدول ومنشآتها الحيوية وكذلك احتدام الأزمات الإقليمية وتأثيرها في أمن دول الخليج العربي وهي قضايا يمكن لروسيا أن تؤدي دوراً مهماً تجاهها سواء من خلال مجلس الأمن الدولي أو من خلال تنسيق المواقف مع شركائها من دول الخليج العربي بالإضافة إلى دعم قدرات دول الخليج العربي في مجال توظيف التكنولوجيا في مجال الدفاع.
وفي تقديري أن التقاء المصالح الخليجية- الروسية يتجاوز منطقة الخليج العربي ابتداءً بتجمع البريكس ومروراً بمنظمة الأوبك من خلال اتفاق أوبك بلس وانتهاءً بالتنسيق الخليجي- الروسي بشأن قضايا الأمن الإقليمي.
ربما تكون هناك حاجة إلى المزيد من الحوار بين الجانبين بشأن تحديد الأولويات والقدرات وآلية العمل المشترك في ظل حقائق ثلاث أولها: زيادة اهتمام الأطراف الدولية الأخرى بمنطقة الخليج العربي، وثانيها: وجود تهديدات مشتركة تتطلب التنسيق بشكل أكبر أكثر من أي وقت مضى، وثالثها: علاقة التأثير والتأثر بين الأمن العالمي ونظيره الإقليمي ومن ذلك الأزمة الأوكرانية الراهنة.
والأخذ بالاعتبار خصوصية وأهمية منطقة الخليج العربي للأمن الإقليمي عموماً حيث أكدت الأزمات أنها شريك مهم للأطراف الدولية والإقليمية على حد سواء.
وآخراً وليس أخيراً فإن العلاقات الخليجية- الروسية تأتي ضمن تنويع شراكات الخليج الدولية في ظل عالم تتسارع وتيرة تحولاته بما يفرض على الدول ترتيب أولوياتها والمنافع النسبية من الشراكات الجديدة بما لا يتعارض مع شراكاتها التقليدية وتحقيق مفهوم القيمة المضافة للأمن.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك