الكيان الصهيوني لا يمتلك سلاحا نوويا واحدا فحسب وإنما في حوزته وتحت يده حسب بعض التقديرات نحو 90 رأسا نوويا على الأقل من أسلحة الدمار الشامل، فمَن الذي يستطيع أن يمنع هذا الكيان المغتصب الظالم من استخدام هذه الأسلحة النووية؟ ومن له القدرة على كبح جماح هذا الثور الهائج المدمر الذي تسبب في الإبادة الجماعية للبشر، والشجر، والحجر؟ فكل ما سيقوم به المجتمع الدولي من الأمم المتحدة ومنظماتها، ودول العالم من الغرب والشرق لو قام الكيان فعليا باستخدام السلاح النووي هو الإدانة، والشجب، والاستنكار ليوم أو يومين، ثم ينتهي الأمر وكأن شيئا لم يكن.
ولكن في الواقع هل ما قام به الكيان الصهيوني حتى الآن من تدمير شامل للبنية التحتية ومختلف أنواع المرافق في قطاع غزة لا يقل عن تأثير وقوة تدمير قنبلة الدمار الشامل النووية؟ فقد أفادت بعض التقارير، مثل المقال المنشور في مجلة «استخبارات الطاقة» (Energy Intelligence) في 13 نوفمبر 2023 تحت عنوان: «الأسلحة النووية لإسرائيل تحت الأضواء»، حيث أشار التقرير إلى أن قوة المتفجرات التي نزلت على غزة حتى الآن تُقدر بنحو 25 ألف طن من المتفجرات، بما يساوي 20 كيلوطن قنبلة ذرية، وهذه القنابل والمتفجرات التي أُلقيت على غزة قوتها وشدتها أكبر من قنبلتي هيروشيما وناجازاكي النوويتين.
وهل ما ارتكبته يداه المجرمة من قتل للبشر يقل عن تدمير القنبلة الذرية للإنسان؟
وهل ما قام به من إبادة جماعية وتطهير عرقي يراه كل إنسان يعيش على سطح الأرض يقل في حجمه عما تُخلفه القنبلة الذرية من تشريد وإبادة لعشرات الآلاف من البشر؟
فما نشاهده الآن أمامنا منذ السابع من أكتوبر من دمار شامل لا يقل عن تأثير أية قنبلة ذرية، بل ويوازي، وقد يفوق في قوته التدميرية لأي سلاح نووي.
وحسب آخر التقارير والإحصائيات، فقد ارتكب الكيان الصهيوني ما يلي:
أولاً: الإبادة الجماعية للبشر، حيث إن المحصلة حتى الآن استشهاد أكثر من 16 ألف فلسطيني، منهم أكثر من 6 آلاف طفل تيتموا وتشردوا دون أب أو أم أو كليهما، وما تبقى من الضحايا البشرية هم من النساء والشباب وكبار السن الذين اشتعل رأسهم شيباً وبلغوا من الكبر عتيا، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين.
ثانياً: الإبادة الجماعية للشجر، حيث تدمرت مساحات واسعة من الأراضي والبنية التحتية الزراعية من شجر الزيتون، والمحاصيل الزراعية الأخرى، إضافة إلى عددٍ كبير من الأشجار والمساحات الخضراء من الحدائق والمتنزهات.
ثالثاً: الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية للحجر، وأقصد بذلك المباني والعمارات السكنية، والمستشفيات والمراكز الصحية، والمساجد، والكنائس، والمقابر، والمتاحف. وقد أفادت تقارير المنظمات المعنية بالتراث العالمي التاريخي والإنساني بأن هناك أكثر من 100 مرفق تراثي ثقافي يهم الإنسانية جمعاء في كل دول العالم قد فقدته البشرية، وتم تدميره كلياً أو جزئياً. ومنها التقرير من منظمة «التراث من أجل السلام» (Heritage for Peace)، تحت عنوان: «أهم المواقع الأثرية التي تم تدميرها نتيجة للهجمات الحالية في عام 2023»، وتقرير آخر عنوانه: «تأثيرات الحرب الحالية في عام 2023 في التراث الثقافي في قطاع غزة»، والمنشورين في 7 نوفمبر 2023. وقد أكدت هذه التقارير التي أَجْرتْ حصراً ميدانياً على المواقع والمنشآت الأثرية أن هناك 70 منزلاً أثرياً تم تدميره جزئياً، وتدمير مركز للأرشيف وحفظ الوثائق التاريخية، وتدمير ثلاثة مساجد بشكل كلي، ومنها المسجد العمري الكبير، وتدمير جزئي لأربع كنائس، منها كنيسة تاريخية للروم الأورثوذكس عمرها أكثر من ألف عام، وتُعد ثالث أقدم كنيسة في العالم، وهي كنيسة القديس برفيريوس (Saint Porphyrius)، ومقبرة رومانية عمرها أكثر من 2000 عام.
أما عن امتلاك واستخدام الكيان الصهيوني للأسلحة النووية بجميع أحجامها وأنواعها فهو قضية في غاية السرية والكتمان على كل المستويات، كما يُحيط بها بشكلٍ متعمد الغموض والشكوك، فلا يعلم أحد علم اليقين تفاصيل ما يمتلكه هذا الكيان، علماً بأن هذا الكيان المعتدي يُنكر دائماً حيازته لأي سلاح نووي، أو برنامج نووي عسكري.
وقد جاءت أثناء هذه الحرب الظالمة أول إشارة واضحة من الكيان الصهيوني إلى امتلاكه للسلاح النووي عندما أدلى وزير التراث الصهيوني «عنيحاي إلياهو» (Amihai Eliyahu) في 5 نوفمبر 2023 بتصريح خطير جداً وفاضح للسر الكوني الصهيوني قائلاً في مقابلة عبر الأثير إن هناك إمكانية لاستخدام القنبلة الذرية ضد الشعب الفلسطيني في غزة. وهذا الاعتراف الحكومي الرسمي يعد الأول من نوعه، والذي يؤكد امتلاك الكيان الصهيوني لقنبلة الدمار الشامل، ويقدم الدليل المادي على ذلك. ونظراً لخطورة التصريح وما يكشفه من حقيقة عن امتلاك الكيان الصهيوني للأسلحة النووية، فقد قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتعليق مشاركة الوزير في اجتماعات مجلس الوزراء. وعلاوة على هذا التصريح، فقد نَشرتْ صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية تحقيقاً في 3 ديسمبر 2023، ونشرته صحيفة «جيروزاليم بوست» (The Jerusalem Post) في 4 ديسمبر تحت عنوان: «حماس تضرب قاعدة للجيش تحتوي على صواريخ نووية في 7 أكتوبر»، حيث أفاد التقرير بأن هذه القاعدة تُستخدم لتجهيز الصواريخ النووية.
ولكن ماذا تقول التقارير العلمية الصادرة من المنظمات المستقلة المختصة عن امتلاك الكيان للسلاح الذري، وما هو عدد ونوع أسلحة الدمار الشامل التي بحوزته؟
لقد بدأ البرنامج النووي العسكري بعد أن استتب زرع الورم السرطاني في قلب الأمة العربية في عام 1948، حيث شرع الكيان في عام 1958 بأمر من أول رئيس وزراء «ديفيد بن جوريون» وبدعم ومساعدة فرنسية وفي سرية تامة وبعيداً عن أنظار العالم الصديق والعدو، حتى من دون علم الولايات المتحدة الأمريكية وعلم رئيسها آنذاك آيزن هاور (Eisenhower)، إلى بناء مفاعل نووي كبير انتهى العمل فيه عام 1965، كما قام الكيان الصهيوني بشراء 20 طناً من الماء الثقيل من النرويج، ثم البدء في برنامج نووي عسكري لإنتاج البلوتونيوم في عام 1966 تحت مسمى «مشروع دايمونة» (Dimona Project) في صحراء النقب، حيث كان الكيان يدَّعي ومازال بأن المشروع لأغراض مدنية ولتوليد الطاقة الكهربائية، كما أن الكيان الصهيوني يمنع زيارة المفتشين من أية منظمة أممية مختصة، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولم تعلم أمريكا عن نية هذا الكيان إلا في ديسمبر 1960 عندما اعترفت فرنسا بذلك، وأنها هي التي زودت الكيان بالمواد الخام لإنتاج القنبلة الذرية، وعلى رأسها اليورانيوم.
وهناك عدة تقارير نُشرتْ وتُقدم تقديرات لأعداد وأنواع الرؤوس النووية التي يمتلكها الكيان الصهيوني، ومنها الكتاب السنوي لعام 2022 الصادر من «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» والمنشور في يناير 2023 تحت عنوان: «القوى النووية الدولية: الرؤوس النووية»، إضافة إلى تقرير «اتحاد علماء أمريكا» حول الأسلحة النووية للكيان الصهيوني تحت عنوان: «حالة القوات النووية الدولية» المنشور في 31 مارس 2023، في مجلة «نشرة علماء الذرة» (Bulletin of the Atomic Scientists). وهذه التقارير تعطي تقديرات مختلفة، فمنها أن عدد الرؤوس النووية يتراوح بين 75 إلى 400، ومنها أن العدد 80، ومنها أن العدد 90، وهذه الرؤوس النووية تُستخدم في إطلاقها الصواريخ الباليستية، أو الطائرات، أو السفن الحربية والغواصات.
فالخلاصة إذن أن الكيان الصهيوني يمتلك مئات الرؤوس النووية منذ الستينيات من القرن المنصرم، وهو إضافة إلى الدول الغربية، وبالتحديد أمريكا وفرنسا، تتستر على برنامجه النووي العسكري الذي لم يتوقف منذ ذلك الوقت، بل يتطور ويتم تحديثه. كما أن الدول الغربية تمنع أي جهة أممية من أن تقترب من هذا البرنامج، أو أن تنوي التفتيش عليه، وأخيراً فإن الأجواء السياسية كلها تدعم هذا الكيان وبقوة!!
bncftpw@batelco.com.bh
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك