العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مغزى تكسير الآنية الزجاجية الممتلئة

بقلم: د. زكريا خنجي

الأحد ١٠ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

ذات‭ ‬يوم‭ ‬دخل‭ ‬المدرب‭ ‬قاعة‭ ‬التدريب،‭ ‬وفي‭ ‬يده‭ ‬صندوق‭ ‬خشبي‭ ‬كبير،‭ ‬وضع‭ ‬الصندوق‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المكتب،‭ ‬ثم‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬المتدربين‭ ‬وقال‭: ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يحويه‭ ‬الصندوق؟

طبعًا‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬أحد،‭ ‬فأنزل‭ ‬الصندوق‭ ‬ووضعه‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬ثم‭ ‬أخرج‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬كأسا‭ ‬زجاجيا‭ ‬كبيرا‭ ‬فارغا‭ ‬فوضعه‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المكتب،‭ ‬فاستغرب‭ ‬المتدربون‭ ‬وهم‭ ‬يتساءلون‭: ‬ماذا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬المدرب؟‭ ‬واستمرت‭ ‬دهشتهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخرج‭ ‬المدرب‭ ‬كأسًا‭ ‬آخر‭ ‬يشبه‭ ‬الكأس‭ ‬الأول‭ ‬تمامًا‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ممتلئ‭ ‬بالرصاص‭ ‬حتى‭ ‬حافة‭ ‬الكأس‭ ‬وربما‭ ‬زيادة‭. ‬ثم‭ ‬أخرج‭ ‬بعض‭ ‬الحصوات‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم،‭ ‬فقال‭: ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬هذه‭ ‬الحصوات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكأس‭ ‬الممتلئة‭ ‬بالرصاص؟

إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتلق‭ ‬إلا‭ ‬بضع‭ ‬ابتسامات‭ ‬صفراء،‭ ‬وكأنها‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الاستهبال،‭ ‬كيف‭ ‬نضع‭ ‬الحصى‭ ‬في‭ ‬الكأس‭ ‬الممتلئة‭ ‬حتى‭ ‬الحافة‭ ‬بالرصاص‮»‬‭. ‬فابتسم‭ ‬معلقًا‭ ‬على‭ ‬ردود‭ ‬فعلهم،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬حسنٌ،‭ ‬عجزتم،‭ ‬ولكن‭ ‬لماذا‭ ‬هذا‭ ‬العجز؟‮»‬‭. ‬

فقال‭ ‬أحد‭ ‬المتدربين‭: ‬الكأس‭ ‬ممتلئة‭ ‬حتى‭ ‬الحافة‭ ‬بالرصاص،‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬فيها‭ ‬فراغ‭ ‬حتى‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬تلك‭ ‬الحصوات،‭ ‬فإن‭ ‬حاولنا‭ ‬ووضعناها‭ ‬فإنها‭ ‬حتمًا‭ ‬ستسقط‭ ‬وستخرج‭ ‬من‭ ‬الكأس،‭ ‬فالكأس‭ ‬لن‭ ‬يستوعب‭.‬

المدرب‭: ‬حسنٌ،‭ ‬هذا‭ ‬أمر‭ ‬جيد‭. ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬هذه‭ ‬الحصوات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكأس‭ ‬الفارغة؟

تقدم‭ ‬أحد‭ ‬المتدربين‭ ‬ووضع‭ ‬كل‭ ‬الحصوات‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬الكأس‭ ‬حتى‭ ‬امتلأ‭ ‬الكأس‭ ‬بالحصوات‭ ‬الكبيرة،‭ ‬ثم‭ ‬جلس‭.‬

قال‭ ‬المدرب‭: ‬هل‭ ‬الكأس‭ ‬الآن‭ ‬ممتلئة؟

اتفق‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الكأس‭ ‬ممتلئة‭ ‬حتى‭ ‬الحافة‭. ‬فأخرج‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬الخشبي‭ ‬بضع‭ ‬حصوات‭ ‬أصغر‭ ‬حجمًا‭ ‬من‭ ‬سابقتها‭ ‬ووضعها‭ ‬أمام‭ ‬الكأس،‭ ‬فقال‭: ‬هل‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬هذه‭ ‬الحصوات‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬هذا‭ ‬الكأس؟

قال‭ ‬أحد‭ ‬المتدربين‭: ‬أعتقد‭ ‬إنه‭ ‬يمكننا‭ ‬ذلك‭.‬

طلب‭ ‬منه‭ ‬المدرب‭ ‬أن‭ ‬يتقدم‭ ‬ليحاول،‭ ‬وبالفعل‭ ‬وضع‭ ‬الحصوات‭ ‬الأصغر‭ ‬حجمًا‭ ‬وحرك‭ ‬الكأس‭ ‬يمينًا‭ ‬ويسارًا‭ ‬حتى‭ ‬دخلت‭ ‬الحصوات‭ ‬الأصغر‭ ‬حجمًا‭ ‬بين‭ ‬الحصوات‭ ‬الكبيرة،‭ ‬فأصبح‭ ‬الكأس‭ ‬ممتلئة‭. ‬قال‭ ‬المدرب‭: ‬هل‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬بعض‭ ‬الفراغات‭ ‬لبعض‭ ‬الحصى‭ ‬الأخرى؟

إلا‭ ‬أن‭ ‬المتدربين‭ ‬نفوا‭ ‬ذلك،‭ ‬فالكأس‭ ‬ممتلئة‭ ‬تمامًا‭. ‬فقام‭ ‬المدرب‭ ‬بإخراج‭ ‬بعض‭ ‬الحصوات‭ ‬الصغيرة‭ ‬جدًا،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬وضع‭ ‬هذه‭ ‬الحصوات‭ ‬الصغيرة‭ ‬بين‭ ‬الفراغات؟

حاول‭ ‬أحد‭ ‬المتدربين،‭ ‬وبالفعل‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إدخال‭ ‬الحصوات‭ ‬الصغيرة‭ ‬بين‭ ‬الفراغات‭ ‬التي‭ ‬تركت‭ ‬ولم‭ ‬تمتلئ‭ ‬في‭ ‬المرات‭ ‬السابقة‭. ‬فقال‭ ‬المدرب‭: ‬هل‭ ‬تعتقدون‭ ‬أن‭ ‬الكأس‭ ‬أصبحت‭ ‬ممتلئة؟

فأجاب‭ ‬الجميع‭ ‬بالإيجاب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المدرب‭ ‬ابتسم‭ ‬فقال‭: ‬حسنٌ،‭ ‬وأخرج‭ ‬حفنة‭ ‬من‭ ‬الرمل‭ ‬من‭ ‬الصندوق،‭ ‬وقال‭: ‬هل‭ ‬يمكننا‭ ‬إدخال‭ ‬حبات‭ ‬الرمل‭ ‬هذه‭ ‬بين‭ ‬فراغات‭ ‬الحصى؟

قام‭ ‬أحد‭ ‬المتدربين‭ ‬وحاول‭ ‬ونجح‭ ‬تمامًا‭ ‬فدخلت‭ ‬حبات‭ ‬الرمل‭ ‬بين‭ ‬فراغات‭ ‬الحصى،‭ ‬وأصبح‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬إدخال‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الكأس‭ ‬الممتلئة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المدرب‭ ‬قال‭: ‬هل‭ ‬تعتقدون‭ ‬ذلك‭ ‬حقًا؟‭ ‬أكد‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الكأس‭ ‬أصبحت‭ ‬ممتلئة‭ ‬تمامًا‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إدخال‭ ‬أي‭ ‬جسم‭ ‬بين‭ ‬الفراغات،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬فراغات‭.‬

فأخرج‭ ‬المدرب‭ ‬زجاجة‭ ‬ماء،‭ ‬وقال‭: ‬هل‭ ‬يمكننا‭ ‬سكب‭ ‬الماء‭ ‬وإدخال‭ ‬ذراته‭ ‬بين‭ ‬حبات‭ ‬الرمل‭ ‬والحصى؟

وبالفعل،‭ ‬تمكن‭ ‬المدرب‭ ‬من‭ ‬سكب‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬الكأس‭ ‬حتى‭ ‬فاض‭ ‬الماء‭ ‬تمامًا،‭ ‬وتغلغلت‭ ‬ذراته‭ ‬بين‭ ‬حبيبات‭ ‬الرمل‭ ‬والحصى‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭.‬

فقال‭ ‬المدرب‭: ‬ماذا‭ ‬نستفيد‭ ‬من‭ ‬هذا؟

أتت‭ ‬الإجابات‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬وفي‭ ‬الأخير‭ ‬قال‭ ‬المدرب‭: ‬عقولنا‭ ‬مثل‭ ‬هذين‭ ‬الكأسين،‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬عقلنا‭ ‬ممتلئًا‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الكأس‭ ‬الأولى‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتقبل‭ ‬أي‭ ‬أفكار‭ ‬أو‭ ‬معلومات‭ ‬جديدة،‭ ‬وأما‭ ‬إن‭ ‬أتينا‭ ‬إلى‭ ‬الدورة‭ ‬التدريبية‭ ‬وكانت‭ ‬عقولنا‭ ‬فارغة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الكأس‭ ‬الثانية‭ ‬فهي‭ ‬ستكون‭ ‬جاهزة‭ ‬لاستقبال‭ ‬كل‭ ‬الأفكار‭ ‬والآراء‭ ‬والأطروحات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬في‭ ‬القاعة‭ ‬التدريبية،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬المتدرب‭ ‬أن‭ ‬يحضر‭ ‬وهو‭ ‬مستعد‭ ‬لتلقي‭ ‬أي‭ ‬معلومات‭ ‬أو‭ ‬أفكار‭ ‬حتى‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬الدورة‭ ‬التدريبية‭.‬

هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬تراودني‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬الأحداث‭ ‬اليوم،‭ ‬ولكن‭ ‬عقولنا‭ ‬ممتلئة‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬الشرقية‭ ‬التي‭ ‬آمنا‭ ‬بها‭ ‬خلال‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السنين‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬والإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬أو‭ ‬النظريات‭ ‬الشرقية؛‭ ‬لذلك‭ ‬أصبحنا‭ ‬نقيس‭ ‬الأمور‭ ‬كما‭ ‬يريدها‭ ‬الغرب‭ ‬تارة‭ ‬أو‭ ‬الشرق‭ ‬تارة،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬‭ ‬نحن‭ ‬‭ ‬نقدم‭ ‬الدليل‭ ‬تلو‭ ‬الدليل‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬اليوم،‭ ‬فهم‭ ‬يمتلكون‭ ‬السلاح،‭ ‬وهم‭ ‬يمتلكون‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وهم‭ ‬يمتلكون‭ ‬قوة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختراقها،‭ ‬وهم‭ ‬يمتلكون‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الصناعات‭ ‬الغذائية‭ ‬والدوائية،‭ ‬وهم‭ ‬يمتلكون‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وأما‭ ‬نحن‭ ‬فإننا‭ ‬نعيش‭ ‬على‭ ‬الفتات،‭ ‬فأصبح‭ ‬الرجل‭ ‬الأبيض‭ ‬هو‭ ‬شرطي‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬وأصبح‭ ‬هو‭ ‬‭ ‬سوبرمان‭ ‬‭ ‬الخارق‭ ‬الذي‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬يريدها،‭ ‬وما‭ ‬نحن‭ ‬إلا‭ ‬توابع‭.‬

لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬ملونا‭ ‬بلون‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭ ‬أو‭ ‬الشرقي،‭ ‬حتى‭ ‬مسلسلاتنا‭ ‬وأعمالنا‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عربية‭ ‬شكلاً‭ ‬ومضمونًا‭ ‬أصبحت‭ ‬فارغة‭ ‬من‭ ‬المضمون‭ ‬والشكل‭ ‬العربي‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬المضمون‭ ‬والشكل‭ ‬الغربي‭.‬

واليوم‭ ‬يأتي‭ ‬الإعلام‭ ‬الصهيوني‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يغرز‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬الممتلئ‭ ‬أصلاً‭ ‬أنه‭ ‬صاحب‭ ‬حق‭ ‬وأنه‭ ‬صاحب‭ ‬الأرض،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬المقاومة‭ ‬هو‭ ‬الإرهاب‭ ‬بعينه،‭ ‬فكيف‭ ‬يحولون‭ ‬الحق‭ ‬باطلاً‭ ‬والباطل‭ ‬حقًا؟‭ ‬ولأن‭ ‬عقولنا‭ ‬مُلئت‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬فإن‭ ‬بعضنا‭ ‬يصدق؟

عقولنا‭ ‬غدت‭ ‬ممتلئة‭ ‬بالرصاص‭ ‬والفكر‭ ‬الغربي‭ ‬وكل‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬غُرزت‭ ‬فينا‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬سقيها‭ ‬بالماء‭ ‬وتقويتها‭ ‬بالنار‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬حتى‭ ‬غدا‭ ‬الرصاص‭ ‬كتلة‭ ‬جامدة‭ ‬يصعب‭ ‬تحريكها‭ ‬أو‭ ‬كسرها‭ ‬وتفتيتها‭. ‬لذلك‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬العودة‭ ‬وإفراغ‭ ‬العقول‭ ‬بكل‭ ‬هذه‭ ‬البساطة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الرصاص‭ ‬المتصلب،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬كسر‭ ‬الزجاج‭ ‬أو‭ ‬العقول‭ ‬نفسها‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حلاً‭ ‬آخر،‭ ‬ولكنه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تضافر‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬إفراغ‭ ‬العقول‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الرصاص‭ ‬المتصلب،‭ ‬وهو‭ ‬بإذابته‭ ‬بالنار،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬نوجه‭ ‬النار‭ ‬وبكل‭ ‬هدوء‭ ‬إلى‭ ‬سطح‭ ‬الرصاص‭ ‬وكلما‭ ‬ذاب‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬تم‭ ‬سكبه‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬حتى‭ ‬يفرغ‭ ‬الكأس‭ ‬من‭ ‬الرصاص‭ ‬تدريجيًا،‭ ‬ومن‭ ‬الطبيعي‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيستغرق‭ ‬سنوات‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يسبب‭ ‬بعض‭ ‬الألم،‭ ‬ولكنه‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الضروريات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬العيش‭ ‬من‭ ‬غيرها‭.‬

ولكن‭ ‬إن‭ ‬كنا‭ ‬فعلاً‭ ‬نتوق‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬العبودية‭ ‬ومن‭ ‬العباءة‭ ‬الغربية‭ ‬فإنه‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬حياتنا،‭ ‬وأن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬المصدر،‭ ‬وأن‭ ‬نعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬مناهجنا‭ ‬وإعلامنا‭ ‬وحياتنا‭ ‬كلها‭ ‬وفقًا‭ ‬لذلك‭ ‬المصدر‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬بلغنا‭ ‬أوجه‭ ‬حضارتنا‭ ‬إلا‭ ‬به،‭ ‬يقول‭ ‬الفاروق‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬‮«‬نحن‭ ‬قوم‭ ‬أعزنا‭ ‬الله‭ ‬بالإسلام‭ ‬فإن‭ ‬ابتغينا‭ ‬العزة‭ ‬بغيره‭ ‬أذلنا‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬يفهم‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬العقول‭ ‬الممتلئة‭ ‬أن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المصدر‭ ‬يعني‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الخيام‭ ‬والجمال‭ ‬والخيول‭ ‬وغيرها،‭ ‬وهذا‭ ‬فهم‭ ‬خاطئ،‭ ‬وإنما‭ ‬الذي‭ ‬نعنيه‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الأصل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬الفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬خلالهما‭ ‬تمكن‭ ‬الأجداد‭ ‬من‭ ‬حمل‭ ‬مشكاة‭ ‬وشعلة‭ ‬الحضارة‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬بفضل‭ ‬الإسلام‭ ‬وفكره‭ ‬النير‭ ‬برز‭ ‬علم‭ ‬الرياضيات‭ ‬والميكانيكا‭ ‬والجغرافيا‭ ‬والفيزياء‭ ‬والكيمياء‭ ‬والطب،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العلوم،‭ ‬وبرز‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمفكرون‭ ‬والفلاسفة‭ ‬وغيرهم،‭ ‬هؤلاء‭ ‬وغيرهم‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬علّم‭ ‬الغرب‭ ‬أصول‭ ‬النضج‭ ‬الفكري‭ ‬والحضاري‭.‬

وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أبدًا‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬كهوف‭ ‬مظلمة‭ ‬وأن‭ ‬نغلق‭ ‬عقولنا‭ ‬عن‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬الشرقية‭ ‬الموجودة‭ ‬اليوم،‭ ‬وإنما‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نستفيد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه،‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬العقول‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والفضاء‭ ‬الخارجي،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬إهمال‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬المعارف‭ ‬والعلوم‭ ‬بحجة‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نعتمد‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬وفكرنا،‭ ‬وإنما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نبني‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬ونعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬أوراقنا‭ ‬وفكرنا‭ ‬وفقًا‭ ‬لقيمنا‭ ‬وأخلاقنا‭ ‬ومبادئنا،‭ ‬وأن‭ ‬نفرغ‭ ‬عقولنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬غد‭ ‬أفضل،‭ ‬وأن‭ ‬نوازن‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مفيد‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬صلد‭ ‬كالجلمود‭ ‬أو‭ ‬الرصاص‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬النار‭ ‬حتى‭ ‬يذوب‭.‬

بعضنا‭ ‬سيحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نار‭ ‬بسيطة‭ ‬لتذيب‭ ‬الرصاص‭ ‬المتصلد‭ ‬في‭ ‬العقول،‭ ‬ولكن‭ ‬بعضنا‭ ‬الآخر‭ ‬سيحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نار‭ ‬قوية،‭ ‬بعضنا‭ ‬سيحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬حتى‭ ‬يستوعب‭ ‬أنه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إذابة‭ ‬الرصاص‭ ‬وبعضنا‭ ‬الآخر‭ ‬سيناقش‭ ‬ويستنكر‭ ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الجدل،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬قد‭ ‬يقتنع‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬يقتنع،‭ ‬فنحن‭ ‬لسنا‭ ‬سواء،‭ ‬فالبعض‭ ‬منا‭ ‬تعرض‭ ‬عقله‭ ‬وفكره‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬إلى‭ ‬الرصاص‭ ‬الذائب‭ ‬حتى‭ ‬امتلأت‭ ‬به‭ ‬جمجمته،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬هؤلاء‭ ‬يجدون‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭ ‬أو‭ ‬الشرقي،‭ ‬حتى‭ ‬أنهم‭ ‬يستهجنون‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬أولادهم‭ ‬أو‭ ‬أحفادهم‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬فإنهم‭ ‬يريدونهم‭ ‬أن‭ ‬يتكلموا‭ ‬وأن‭ ‬يخاطبوا‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬دائمًا‭ ‬وأبدًا‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬هؤلاء‭ ‬يجدون‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المفخرة‭ ‬السعي‭ ‬وتقليد‭ ‬الغرب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الحر‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يفعل‭ ‬وما‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفعل،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬عقولهم‭ ‬الممتلئة‭ ‬بالفكر‭ ‬الغربي‭ ‬أبدًا‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الحر‭ ‬يحارب‭ ‬الحرية‭ ‬ويغتصب‭ ‬ابتسامة‭ ‬الأطفال‭.‬

وفي‭ ‬المقابل‭ ‬هناك‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬وإنما‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬التوضيح‭ ‬والنقاش‭ ‬الهادئ،‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬البسيطة‭ ‬‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭ ‬‭ ‬حتى‭ ‬يستوعبوا،‭ ‬وأن‭ ‬يقوموا‭ ‬هم‭ ‬بأنفسهم‭ ‬بتفريغ‭ ‬عقولهم‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭ ‬أو‭ ‬الشرقي‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬حضن‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭.‬

والآن،‭ ‬هل‭ ‬تستطيع‭ ‬تقييم‭ ‬نفسك‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬الفئات‭ ‬أنت؟

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا