برغم فداحة المخاطر التي تهدد كوكب الأرض نتيجة التغيرات المناخية، والتي من أجلها توجه قادة العالم إلى «دبي»، لحضور مؤتمر «كوب 28»؛ إلا أن ما تمر به «القضية الفلسطينية»، منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر، وما أحدثته آلة القتل والتدمير الإسرائيلية من مجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، وبناهم التحتية، قد فرض لهذه القضية حضورًا بارزا في القمة، رغم أن توجهاتها الأساسية مواجهة التحديات المناخية، والحد منها والتخفيف من آثارها.
ومنذ أحداث السابع من أكتوبر، استشهد ما يربو على 16.000 شخص حتى الآن داخل قطاع غزة، (بينهم ما يزيد على 6 آلاف طفل، و4 آلاف امرأة)، بينما تجاوز عدد المصابين 36 ألفا (أكثر من 75% منهم أطفال ونساء)، فضلا عن تدمير أكثر من 60% من المنازل، وقصف المستشفيات والمدارس، ودور العبادة، وإجبار المدنيين على النزوح إلى جنوب القطاع، وفرض حصار خانق شمل الحرمان من الغذاء، والماء، والدواء، والوقود، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية.
وقبيل انعقاد «كوب 28»، كان ثمة من يرى أن هناك علاقة بين استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة، والتغير المناخي. واعتبرت «مؤسسات حقوقية»، أن إطالة أمد الحرب واتساع نطاقها، قد يؤثر في أسعار النفط حول العالم، ما ينعكس على قدرة البلاد الأكثر ثراءً، واستعدادها لمساعدة البلدان الأكثر فقرًا على مواجهة تحديات التغير المناخي، كما كان هناك تخوف من أن أحداث العدوان قد تصرف الأنظار عن الأجندة المناخية.
وقبل أيام من انعقاده، صرح وزير الخارجية الأردني «أيمن الصفدي»، أن بلاده لن توقع اتفاقًا لتبادل الطاقة والمياه مع إسرائيل، متسائلاً هل يمكن لوزير أردني أن يجلس إلى جانب وزير إسرائيلي لتوقيع اتفاق بينما تقتل إسرائيل أهلنا في غزة. ورأى مراقبون أن هذه الخطوة هي من تداعيات العدوان الإسرائيلي على القطاع. وقبل «كوب 28»، كان من المقرر التوقيع في القمة المناخية على الاتفاق النهائي، فيما يُعرف باتفاق «الكهرباء مقابل الماء»، بين الأردن وإسرائيل والإمارات، وهو الذي تم التوصل إليه في نوفمبر 2021، لتطوير محطات طاقة شمسية كهروضوئية في الأردن تصدر كامل إنتاجها من الطاقة النظيفة لإسرائيل، التي ستقوم بدورها بتزويد الأردن بالمياه المحلاة.
ولدى تسليم رئاسة المؤتمر في 30 نوفمبر إلى وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات «سلطان الجابر» – في «إكسبو2020» بدبي – والذي يشارك فيه أكثر من 70 ألف شخص، من 198 دولة ما بين وفود ووسائل إعلام ومنظمات مجتمع مدني ومنظمين وعاملين، فيما يحضره نحو 180 من قادة العالم ما بين رؤساء دول وحكومات؛ دعا وزير الخارجية المصري «سامح شكري» – باعتبار أن مصر رئيسة «كوب27» – إلى الوقوف دقيقة حداد على أرواح جميع المدنيين الذين قتلوا في غزة.
وفيما غادر وفد إيران المؤتمر احتجاجًا على حضور مسؤولي إسرائيل، فقد ألغى الرئيس الإسرائيلي كلمته، بعد طغيان استئناف الحرب في غزة على المداولات بشأن التغير المناخي. وفي كلمته، قال الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»: إنه «من المستحيل عدم الولوج إلى الأزمة الإنسانية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المجاورة لنا، نتيجة العدوان الإسرائيلي، الذي لا يمكن تبريره تحت أي ظرف من الظروف»، واعتبر ذلك «مأساة إنسانية»، و«جريمة حرب».
واستمرارا، حذر الرئيس التركي من أن العالم يواجه تبعات كارثية للمجازر في غزة، وأن فرصة تحقيق السلام بعد الهدنة الإنسانية، قد ضاعت في الوقت الحالي؛ بسبب ما وصفه بـ«سلوك إسرائيل المتشدد»، وصرح بأنه أكد دائمًا ضرورة الوقف الدائم لإطلاق النار، وليس وقفًا لأسباب إنسانية. كما كانت القضية الفلسطينية حاضرة أيضًا على هامش كوب28، في لقاءاته التي شملت رئيس الوزراء الياباني، ورئيسة الوزراء الإيطالية، ورئيس دولة الإمارات.
وفي كلماتهما الافتتاحية، وصف رئيسا «كولومبيا»، و«كوبا»، العدوان على غزة بأنه «إبادة جماعية». من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش»: «كما نرى في هذه المنطقة تتسبب النزاعات في معاناة هائلة، وتؤجج المشاعر، لقد سمعنا على التو أنباء عن تجدد القتال في غزة». وفي حين أدان الرئيس العراقي العدوان الإسرائيلي، داعيًا المجتمع الدولي إلى الوقوف بحزم في وجهه؛ فقد علق رئيس جنوب إفريقيا «رامافوزا»، بأن بلاده قد روعها المأساة الجارية في غزة، والحرب ضد الأبرياء، مؤكدا أن ما يحدث «جريمة حرب يجب أن تتوقف».
وفي كلمة العاهل الأردني الملك «عبد الله الثاني»، أكد أنه «لا يمكن الحديث عن التغير المناخي بمعزل عن المآسي الإنسانية التي نراها حولنا»، مشيرًا إلى أن «ما يواجهه الفلسطينيون تهديد مباشر يطال حياتهم»، وأن السكان في غزة يعيشون على كميات ضئيلة من المياه النظيفة، ودون الحد الأدنى من الغذاء، وتزيد التهديدات المناخية من فظاعة مآسي الحرب، وضرورة أن يشمل التعامل مع تحديات المناخ الفئات الأكثر هشاشة، لافتًا إلى أن الفلسطينيين تأثروا بشكل كبير نتيجة العدوان الإسرائيلي.
وعلى هامش القمة، قال الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، إن هدف إسرائيل المعلن بالقضاء الكامل على حماس، قد يجر حربًا تمتد 10 سنوات، داعيًا إلى مضاعفة الجهود للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، والحاجة إلى هدنة جديدة، قد تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار، ومشددا على ضرورة تزويد سكان غزة بالمساعدات التي يحتاجون إليها بشكل عاجل.
وفيما تخلل انتقاد سلوك إسرائيل في عدوانها على غزة، كثيرا من الكلمات الافتتاحية لقادة الوفود في المؤتمر، فقد حفلت المظاهر خارج القاعات الرسمية بالتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، من خلال ارتداء الوشاح الفلسطيني التقليدي، والوقفات الاحتجاجية التي رفع فيها المتظاهرون لافتات تطالب بوقف إطلاق النار، بل قام بعضهم باستعراض قائمة طويلة بأسماء وأعمار الفلسطينيين الذين استشهدوا في غزة.
وخلال لقاء رئيس دولة الإمارات، مع الأمين العام للأمم المتحدة على هامش المؤتمر، تم تأكيد ضرورة التحرك الدولي من أجل حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية الكافية إليهم، ضمن آليات آمنة ودائمة وعلى نطاق واسع، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين، وضرورة العمل على منع اتساع الصراع في المنطقة، وفتح أفق للسلام القائم على أساس حل الدولتين، كونه السبيل لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وخلق البيئة المناسبة لتعزيز التعاون في الشرق الأوسط.
من جانبه، حذر الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي»، من خطورة الموقف الحالي في غزة، وشدد خلال لقائه نائبة الرئيس الأمريكي «كامالا هاريس»، على ضرورة الحيلولة دون اتساع دائرة الصراع، مؤكدا أن تردي الأوضاع الإنسانية في القطاع يستوجب تحرك المجتمع الدولي فورًا، لتوفير الاستجابة الإنسانية والإغاثية العاجلة للمدنيين، والتخفيف من وطأة معاناتهم، مشددًا على ضرورة استعادة الهدنة، ورفض تعريض الأبرياء لسياسات العقاب الجماعي، بما يخالف الالتزامات الدولية في إطار القانون الدولي الإنساني.
علاوة على ذلك، أوضح أن موقف مصر ثابت فيما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية من خلال التوصل إلى حل عادل وشامل، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة، وفق مرجعيات الشرعية الدولية. فيما علقت «هاريس»، بأن «جهود تسوية القضية الفلسطينية، لا يمكن أن تنجح إلا إذا تمت في سياق أفق سياسي واضح للفلسطينيين، نحو دولة تقودها سلطة فلسطينية فاعلة، وتحظى بدعم كبير من المجتمع الدولي والمنطقة». وفي لقائه الرئيس الفرنسي «ماكرون»، استعرض رؤية مصر، بشأن ضرورة وقف إطلاق النار، والتوسع في المساعدات الإنسانية، واستقبال المصابين الفلسطينيين لعلاجهم، وإجلاء الرعايا الأجانب. واتفق الطرفان على أهمية إيجاد حلول عاجلة للأزمة الجارية، والبدء في عملية سياسية شاملة؛ بهدف الوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.
وفي إدراك لأهمية هذه القضية، أكد الرئيس المصري أثناء لقائه رئيس وزراء اليابان، ضرورة حماية المدنيين، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين، وأعرب الطرفان عن أسفهما الشديد لاستئناف القتال وسقوط المزيد من الضحايا، والضرورة القصوى لتوفير المساعدات الإنسانية، والعمل بحزم على التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفق المرجعيات الدولية.
وفي الإطار ذاته، تناول خلال لقائه رئيس وزراء النرويج، تطورات الأوضاع في غزة -في أعقاب الزخم الإقليمي الناتج عن «قمة القاهرة للسلام»، و«القمة العربية الإسلامية» – وأكد الطرفان أن المخرج الوحيد للوضع المتأزم في غزة، هو العمل على التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في ظل التداعيات الإنسانية الخطيرة على حياة المدنيين؛ بسبب مواصلة العمليات العسكرية الإسرائيلية، وإمكانية امتداد تداعيات هذه العمليات الأمنية والسياسية إلى استقرار وأمن المنطقة برمتها. وفي لقائه، رئيس وزراء بريطانيا «ريتشي سوناك»، أكد ضرورة السعي نحو إيجاد الأفق السياسي الملائم، للتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.
على العموم، خلال مؤتمر «كوب28»، حضرت القضية الفلسطينية في كلمات كثير من الوفود وخارج قاعات المؤتمر، وعلى هامشه، وما زاد من زخم هذا الحضور استئناف القتال، وانهيار الهدنة الإنسانية، أثناء إلقاء الكلمات الافتتاحية للقادة. فيما عبر هذا الحضور أيضا للقضية في هذا المحفل، وما سبقه من محافل إقليمية ودولية عن استعادتها لمكانتها في بؤرة الاهتمامات الدولية؛ ما يبشر بقرب ظهور توجه عالمي نحو إيجاد مخرج لها، مع إجماع يكاد يكون كاملاً أن هذا المخرج، هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق المرجعيات الدولية ذات الصلة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك