احتضنت مملكة البحرين خلال يومي (29-30) نوفمبر 2023 النسخة الثامنة عشرة من المؤتمر السنوي للعمل المالي والمصرفي الاسلامي الذي نظمته هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) بالتعاون مع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وبدعم من مصرف البحرين المركزي ومجموعة من مصارف البحرين وتحت شعار «استراتيجيات مواجهة حالة الركود الاقتصادي العالمي الوشيك وعالم ما بعد النفط: من خلال التنويع الاقتصادي والاستفادة من الإمكانيات المالية الاسلامية».
وقد أسهم في اثراء المؤتمر نخبة فاضلة من علماء الاقتصاد والشريعة فضلا عن قيادات العديد من المصارف الإسلامية والهيئات الرقابية، وكتاب وباحثين في مجال الاقتصاد والتمويل الإسلامي في مناقشة الموضوعات والمستجدات على مستوى الاقتصاد والتمويل الإسلامي.
ومما تميز فيه هذا المؤتمر انه منح التكنولوجيا المالية الإسلامية دفعا جديدا من الثقة بقدراتها على الاسهام الفاعل في معالجة المشكلات الاقتصادية والمالية المعاصرة التي تواجه ليس الدول الإسلامية وحدها، وانما مختلف دول العالم، فالتكنولوجيا المالية الإسلامية ليست تطورا تقنيا يسعى إلى الارتقاء بصناعة الخدمات المالية الإسلامية لتحقق قدرات تنافسية جديدة مقابل الخدمات المالية التقليدية فحسب، بل تسهم مساهمة فعالة في تحقيق أحد أهم أهداف التمويل الإسلامي النابع من الشريعة الإسلامية والمتمثل في الحد من الفقر والقضاء على البطالة وإتاحة فرص التمويل بمستوياته المختلفة وبالتالي تحقيق الشمول المالي. وقد وفرت التكنولوجيا المالية الإسلامية منصات تمويل جماعي، ومنصات تمويل من نظير إلى نظير وفقا للشريعة الإسلامية، تتيح آفاقا تنموية واسعة وتقدم تمويلا بديلا ومكملا للائتمان والتسهيلات المصرفية المحدودة للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة التي لا تمثل أكثر من 10% من اجمالي الائتمان الذي تقدمه البنوك الإسلامية.
وتتميز بمرونة عالية وخيارات عديدة للتمويل تناسب مختلف المشروعات وتتيح لها سيولة كافية وبأقل التكاليف والضمانات. وصممت التكنولوجيا المالية الإسلامية قواعد واعدة في مجال تمويل مختلف الأنشطة الاقتصادية، ودعم وإنفاذ حماية البيئة.
فيما نشطت منصات التكنولوجيا المالية الإسلامية في مجال الاستثمار العقاري، والاستثمار في الاسهم والسندات وأثبتت التحديات التي واجهت العالم كتحدي جائحة كورونا (كوفيد-19) وتداعياتها الاقتصادية، والحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان الصهيوني على غزة، وما نجم عنهما من تحديات في الامن الغذائي، وما شهده العالم من ارتفاع معدلات التضخم، والتشدد في شروط المديونية الدولية، والأزمات المناخية التي شهدتها بعض الدول كحرائق الغابات، والزلازل والاعاصير وغيرها، الامر الذي يجعل المستقبل محفوفا بالمخاطر والتحديات الأمنية والاقتصادية، بما يفرض على دول العالم الإسلامي أهمية استثمار كل الفرص لتحقيق التنويع الاقتصادي والحد من مخاطر اختلال أمنها الغذائي والبيئي. وقد اثبتت التكنولوجيا المالية الإسلامية قدراتها الفذة على تنويع مصادر التمويل لمختلف المشروعات التي تسهم في تعزيز الأمن الغذائي والبيئي عبر تقنيات التكنولوجيا المالية الإسلامية الخضراء وغيرها من التقنيات. كما ان منصات التكنولوجيا المالية الوقفية قد فتحت آفاقا رحبة أمام التمويل الخيري والوقفي، وأعطته أبعادا استثمارية معاصرة.
كما يؤمل ان تلعب دورا حيويا ضابطا في مجال النقود الرقمية، والبيانات الكبيرة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا العقارية.
وبشكل عام، فإن شركات التكنولوجيا المالية الإسلامية تنشط بشكل سريع في خدمات التمويل، والودائع، والاقراض، وإدارة المدفوعات، والتمويل البديل، بنسبة 77% من نشاطاتها، فيما تنشط شركات أخرى في مجالات خدمات التأمين الإسلامي، وإدارة الثروات الإسلامية، والاستشارات الآلية، والتكنولوجيا التنظيمية، والبنوك الإسلامية الرقمية، والعملات المشفرة الإسلامية وغيرها من مجالات. وقد حقق عدد من شركات التكنولوجيا المالية نجاحات مهمة في مجال إصدار الصكوك خاصة الصكوك للتمويل الأصغر القائم على تقنية البلوكتشين، والصكوك الخضراء وغيرها. وقد بلغ معدل النمو السنوي للتكنولوجيا المالية الإسلامية خلال السنوات الثلاث الأخيرة نحو 20%، فيما بلغ معدل النمو السنوي للتكنولوجيا المالية التقليدية نحو 15%. ويتوقع وفقا لوكالة موديز للتصنيف الائتماني نمو صناعة التكنولوجيا المالية الإسلامية نسبة (1%) من قطاع التكنولوجيا المالية العالمي في عام 2025 وفقا لتقرير نشرته في أواخر شهر سبتمبر 2023. الامر الذي يشير إلى مستقبل واعد لها، يسهم بشكل فاعل ومؤثر في تمكين التمويل الإسلامي من المزيد من الانتشار والقبول ليس في الدول الإسلامية فقط، بل في مختلف أرجاء العالم. فضلا عن الاسهام القوي في تحقيق التنويع الاقتصادي والاستقرار المالي والتنمية المستدامة. ومما يحفز ذلك سعي شركات التكنولوجيا المالية الإسلامية إلى التعاون والتكامل مع البنوك الإسلامية، حيث انهما ينبعان من رافد واحد هو المعاملات المالية للشريعة الإسلامية السمحاء، ويهدفان إلى خدمة المسلمين والإنسانية جمعاء.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك