العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أحاديث التسوية السياسية والأخطاء المتكررة

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

الجمعة ٠٨ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

الآن،‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الدم‭ ‬المسفوح،‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬من‭ ‬هزة‭ ‬عميقة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬والأمن‭ ‬والسياسة،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬فإن‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬التسوية‭ ‬السياسية‭ ‬أصبح‭ ‬حديث‭ ‬الجميع،‭ ‬وبدا‭ ‬كأن‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬تكتشف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صراعا‭ ‬منسيا‭ ‬عن‭ ‬عمد‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬عمد‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬يجب‭ ‬حله،‭ ‬وهي‭ ‬خطيئة‭ ‬أسهم‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إهماله‭ ‬لحل‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬أو‭ ‬تناسيه‭ ‬أو‭ ‬توكيل‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭ ‬لإدارته،‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخطيئة‭ ‬أيضا‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬الحل‭ ‬عسكريا‭ ‬و‭ ‬دبلوماسيا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬75‭ ‬سنة‭ ‬مضت‭ .‬

الآن،‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬جرى،‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وفي‭ ‬الإقليم‭ ‬العربي‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فإن‭ ‬التسوية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬الكلام‭ ‬عنها‭ ‬تأخذ‭ ‬العنوان‭ ‬الأكثر‭ ‬استهلاكاً‭ ‬واستخداما‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بايدن‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬وكذلك‭ ‬مسئولون‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬قادة‭ ‬عرب‭ ‬ذوي‭ ‬علاقة‭ .‬

ولأننا‭ ‬أصحاب‭ ‬تجربة‭ ‬عميقة‭ ‬ومريرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشعار‭ ‬الكبير‭ ‬والعريض‭ ‬والغامض،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التنبيه‭ ‬الشديد‭ ‬والتحذير‭ ‬المسبق‭ ‬لأخطاء‭ ‬التسويات‭ ‬التي‭ ‬شهدناها‭ ‬أو‭ ‬خبرناها،‭ ‬وهي‭ ‬تتمثل‭ ‬فيما‭ ‬يلي‭ :‬

الخطأ‭ ‬الأول‭: ‬وهو‭ ‬خطأ‭ ‬يتعلق‭ ‬بمسألة‭ ‬الأمن،‭ ‬إذ‭ ‬يكاد‭ ‬يجمع‭ ‬الجميع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬بيد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وإن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مكشوف‭ ‬الظهر،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تسوية‭ ‬سياسية‭ ‬تفترض‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ضعيفاً‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الأمني‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬إن‭ ‬تسوية‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬تتضمن‭ ‬عوامل‭ ‬تفجيرها‭ ‬تماما‭ .‬

الخطأ‭ ‬الثاني‭: ‬وهو‭ ‬خطأ‭ ‬يتعلق‭ ‬بتعريف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬إذ‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تفترض‭ ‬هذه‭ ‬التسوية‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ليس‭ ‬واحداً‭ ‬وليس‭ ‬موحداً‭ ‬وغير‭ ‬معرّف،‭ ‬فهناك‭ ‬فلسطينيون‭ ‬عادة‭ ‬غير‭ ‬مشمولين‭ ‬في‭ ‬التسوية‭ ‬كفلسطيني‭ ‬القدس‭ ‬أو‭ ‬الشتات‭ ‬أو‭ ‬مناطق‭ ‬48،‭ ‬أو‭ ‬هناك‭ ‬تسويات‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تشمل‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وهناك‭ ‬تسويات‭ ‬تستبعد‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ .‬

إن‭ ‬كل‭ ‬تسوية‭ ‬سياسية‭ ‬تستبعد‭ ‬جماعة‭ ‬أو‭ ‬فئة‭ ‬أو‭ ‬طائفة‭ ‬فلسطينية‭ ‬بسبب‭ ‬المعتقد‭ ‬أو‭ ‬الجغرافيا‭ ‬أو‭ ‬المكانة‭ ‬القانونية‭ ‬هي‭ ‬تسوية‭ ‬لا‭ ‬تستمر‭ ‬ولا‭ ‬تستقر‭ .‬

الخطأ‭ ‬الثالث‭: ‬التسويات‭ ‬التي‭ ‬شهدناها‭ ‬وخبرناها‭ ‬هي‭ ‬تسويات‭ ‬متدرجة‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والنوايا‭ ‬وحسن‭ ‬السلوك،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لتسوية‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬أو‭ ‬تستقر‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ضمانها‭ ‬أو‭ ‬مقرر‭ ‬نجاحها‭ ‬أو‭ ‬فشلها‭ ‬هو‭ ‬الطرف‭ ‬القوي‭ ‬أو‭ ‬المستعمر،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬المستعمر‭ ‬سيجد‭ ‬دائما‭ ‬ذريعة‭ ‬لنقض‭ ‬التسوية،‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬التسويات‭ ‬التي‭ ‬رأيناها‭ ‬وسمعنا‭ ‬عنها‭ ‬وعشناها‭ ‬كانت‭ ‬مرتبطة‭ ‬بقرار‭ ‬إسرائيل‭ ‬لتقرر‭ ‬مدى‭ ‬نجاح‭ ‬تلك‭ ‬التسويات‭ ‬وفشلها،‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬تسوية‭ ‬ناجحة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تنزع‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬هذه‭ ‬الأفضلية‭ .‬

الخطأ‭ ‬الرابع‭: ‬هو‭ ‬خطأ‭ ‬مبدئي‭ ‬تماماً،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لضعيف‭ ‬وقوي‭ ‬أن‭ ‬يتوصلا‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬حقيقية،‭ ‬فالقوي‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬الضعيف‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬وحتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬التسويات‭ ‬كانت‭ ‬كذلك،‭ ‬ولهذا‭ ‬فشلت،‭ ‬إن‭ ‬التفاوض‭ ‬الحقيقي‭ ‬يكون‭ ‬بين‭ ‬متكافئين‭ ‬يؤمنان‭ ‬بالتسوية‭ ‬باعتبارها‭ ‬أقل‭ ‬كلفة‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الوضع‭ ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬التسوية‭ ‬ستكون‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الاستسلام‭ ‬في‭ ‬أحسن‭ ‬ظروفها‭. ‬

الخطأ‭ ‬الخامس‭: ‬هو‭ ‬يتعلق‭ ‬بالضمانات‭ ‬أو‭ ‬الضامنين‭ ‬لهذه‭ ‬التسوية،‭ ‬إذ‭ ‬أثبتت‭ ‬التجارب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬ضمانة‭ ‬إطلاقا‭ ‬لأي‭ ‬تسوية،‭ ‬وأن‭ ‬الضامنين‭ ‬هم‭ ‬شركاء‭ ‬أو‭ ‬صامتون‭ ‬أو‭ ‬ضعفاء‭ ‬أو‭ ‬مستفيدون‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬مجتمعة‭.‬

إن‭ ‬التسوية‭ ‬الدائمة‭ ‬تفترض‭ ‬إطاراً‭ ‬دولياً‭ ‬لتثبيتها‭ ‬أو‭ ‬إدامتها،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬مظلة‭ ‬أخرى‭ ‬دولية‭ ‬وعربية‭ ‬مطلوبة‭ ‬غير‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬خدعونا‭ ‬طيلة‭ ‬عقود‭ ‬بحل‭ ‬الدولتين،‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬بنا‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬المقاطعات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬كما‭ ‬طرح‭ ‬أحد‭ ‬أساتذة‭ ‬الجامعات‭ ‬الإسرائيلية‭ .‬

الخطأ‭ ‬السادس‭: ‬هو‭ ‬خطأ‭ ‬يتعلق‭ ‬بتعريف‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أو‭ ‬جغرافية‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وهما‭ ‬أمران‭ ‬غير‭ ‬متطابقين،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬تسوية‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬أو‭ ‬تأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬وحدة‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬وتواصلها‭ ‬وخلوها‭ ‬من‭ ‬التهديد‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬السيطرة‭ ‬أو‭ ‬الوجود‭ ‬الاستيطاني‭ ‬فإنها‭ ‬تسوية‭ ‬محكوم‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الفشل،‭ ‬سوء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الثروات‭ ‬أو‭ ‬الطرقات‭ ‬أو‭ ‬المساحات،‭ ‬الوطن‭ ‬صغير‭ ‬الحجم‭ ‬و‭ ‬الأحلام‭ ‬كبيرة،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬التسوية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الشراكة‭ ‬غير‭ ‬المتساوية‭ ‬لن‭ ‬تصمد‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ .‬

الخطأ‭ ‬السابع‭: ‬في‭ ‬كل‭ ‬التسويات‭ ‬التي‭ ‬خبرناها‭ ‬فإنها‭ ‬خلت‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬بل‭ ‬تضمنت‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ ‬أو‭ ‬التعايش‭ ‬معه‭ ‬أو‭ ‬احتماله‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاجه،‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬التسويات‭ ‬التي‭ ‬خبرناها‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬في‭ ‬الاحتلال‭ ‬عنصراً‭ ‬يجب‭ ‬إزالته‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬باعتباره‭ ‬قدراً‭ ‬لا‭ ‬فكاك‭ ‬منه،‭ ‬إن‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬التسوية‭ ‬مهما‭ ‬تضمنت‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬جيدة‭ ‬ستظل‭ ‬قابلة‭ ‬للانفجار‭.‬

{‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬القدس‭ ‬للدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا