تستضيف دولة «الإمارات»، قمة المناخ (كوب 28) في الفترة بين 30 نوفمبر حتى 12 ديسمبر 2023، حيث يُعيد قادة العالم النظر في التزاماتهم بخفض الانبعاثات العالمية من ثاني أكسيد الكربون، والاستمرار في مناقشة القضايا المتعلقة بتحول الطاقة، ومكافحة ارتفاع درجات الحرارة، والتصدي للكوارث الطبيعية، وتحديد تفاصيل خطط الدعم المالي والاقتصادي للدول الأكثر تضررًا من عواقب تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري.
وعلى الرغم من الإنجازات فيما يتعلق بتعهدات خفض الانبعاثات في قمة (كوب 27)، بمصر عام 2022، فإن التقييم العالمي للأمم المتحدة للتقدم الذي أحرزه العالم في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، كشف أن المجتمع الدولي لا يزال حتى الآن خارج المسار الصحيح، وخاصة أن الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية المستوى المطلوب في عصر ما قبل الصناعة، بلغت نسبتها 14%. وأشار «صندوق النقد الدولي» في نوفمبر2023 إلى أنه «بالرغم من بعض التقدم المحرز، فإن العالم ليس على الوجهة الصحيحة للوصول إلى أهداف صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050».
ومع استمرار تعقيد التدابير العالمية لمواجهة التغيرات المناخية بسبب «الفجوة العميقة بين البلدان النامية والمتقدمة حول كيفية خفض انبعاثات الغازات الدفيئة»، فضلًا عن مسألة «من يجب أن يدفع تكاليف التحول إلى طاقة صديقة للبيئة؟»؛ أشارت «إيوا كروكوسكا»، و«جنيفر إيه دلوهي»، من «وكالة بلومبرغ»، إلى أنه في (كوب28)، يجب الاستمرار في محاربة تغير المناخ خلال بقية العِقد». ولتحقيق النجاح المرجو، أوضحت «منال الشهابي» من «جامعة أكسفورد»، أن القمة يجب أن توازن بين ضرورات دعم العدالة المناخية من جهة»، وبين «دعم الحاجة الملحة للعمل المناخي من جهة أخرى».
وتُعقد قمة المناخ (COP) سنويًا منذ عام 1995، حيث يُمنح حقوق متساوية في التصويت لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؛ مما يعني الموافقة بالإجماع على دخول أي اتفاقيات حيز التنفيذ. ومع وجود مصالح متباينة بين الحضور، فمن غير المفاجئ أن تتم الإشادة بالتوصل إلى إجماع للموافقة على الاتفاقيات الدولية الكبرى، مثلما حدث في قمة (COP3) بكيوتو في اليابان عام 1997، وفي (COP21) بباريس عام 2015، باعتبارها معايير مرجعية للتجمعات والقمم اللاحقة.
وبصفتها الدولة المضيفة للقمة، وثّقت «فونغ»، كيف «تهدف الإمارات إلى وضع نفسها كدولة رائدة في مكافحة تغير المناخ». وتحقيقًا لهذه الغاية، حددت أربع ركائز أساسية للمناقشة في المؤتمر؛ لتدارك الخلافات الأساسية بين الأعضاء وهي: (عملية تحول الطاقة، وآليات التمويل المناخي، والتكيف مع المناخ والقدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية، وتعزيز الشمولية للجميع من خلال دعوة مندوبي الشباب من البلدان ذات الدخل المنخفض).
إحدى المهام الرئيسية للقمة، هي اختتام أول تقييم عالمي، وهو تقييم لمدة عامين للتقدم الذي أحرزه العالم في خفض مستويات الانبعاثات، منذ اتفاقية باريس عام 2015. ويوصي التقييم العالمي بالحد من انبعاثات الغاز الدفيئة بنسبة 84% بين عامي 2019 و2050، والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية، من خلال التوسع في نطاق استخدام الطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في مجالات الصناعة والنقل والزراعة والبنية التحتية وغيرها.
وفي سبتمبر 2023، أصدرت «الأمم المتحدة»، نتائج تقييمها، وكشفت أن العالم ليس مستعدًا حاليًا لتحقيق أهداف الانبعاثات، أو خفض معدل الاحتباس الحراري. وردا على ذلك، وصف «آني داسجوبتا»، من «معهد الموارد العالمية»، هذا التقرير بأنه «إدانة للعمل المناخي العالمي»، و«دعوة للاستيقاظ من الظلم الناجم عن أزمة المناخ». ووفقاً لـ«داميان كارينغتون»، في صحيفة «الجارديان»، فإن نتيجة التقييم كشفت عن «الهوة» بين «العمل المناخي، والواقع العلمي».
ونتيجة لذلك، حث «داسجوبتا»، على «ضرورة حشد الدول خلف خطة استجابة تعمل على تسريع العمل بوتيرة وعمق لم يسبق لها مثيل»، مع الحاجة إلى «خطوات حاسمة» لتسريع التحرك نحو الطاقة المتجددة، و«تحول النظم الغذائية». ووفقًا لشركة «ماكينزي»، فإن النتائج المحتملة فيما يتعلق بالتقييم العالمي، تشمل تقديم «أهداف محددة»، بشأن مصادر الطاقة المتجددة والفحم والنفط والغاز والهيدروجين ومصادر الطاقة الأخرى، وإنشاء «آليات مالية جديدة لدعم جهود التكيف»، خاصة في البلدان ذات الاقتصادات منخفضة النمو، فضلا عن «الدعوة إلى تعزيز الإجراءات نحو المساهمات المحددة وطنيا»، التي تؤكد «الإنصاف والمسؤولية، وخاصة فيما يتعلق بالبلدان المتقدمة».
ومع ذلك، لا تزال المبادرات المطروحة على الطاولة في مؤتمر «كوب28»، مثيرة للخلاف، مع تصدر المشهد الاختلافات بين الدول المتقدمة والنامية. وفيما يتعلق بتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، بديلاً عن الوقود الأحفوري. ففي حين يسعى تحالف من 60 دولة بقيادة «الولايات المتحدة»، و«الاتحاد الأوروبي»، إلى تحقيق التزام عالمي، بزيادة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030، وفي الوقت ذاته، تسريع عملية إزالة الكربون من التكنولوجيا والصناعة؛ فقد أوضحت «كروكوسكا»، و«دلوهي»، أن مصير هذه المبادرة «سيعتمد إلى حد كبير على الصين والهند»، وكلاهما مترددان في تأييد التعهد؛ لما له من تأثير على خططهما الطموحة للتنمية الاقتصادية.
وتعتبر قضية تمويل المناخ، أو ما يُسمى دوليا بـمعالجة «الخسائر والأضرار» الناجمة عن التغير المناخي، مسألة محل خلاف بين مختلف الدول. ومع تقديرات «الأمم المتحدة»، فإن الالتزام العالمي بخفض صافي الانبعاثات الصفرية بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، سيتطلب استثمارات تتراوح بين 4 و6 تريليونات دولار في دعم مجالات الطاقة المتجددة، والبنية التحتية حتى عام 2030. وبدورها، أكدت «فونغ»، أن «الافتقاد إلى تلك الاستثمارات سيكون عائقًا رئيسيًّا أمام مواصلة العمل المناخي».
وتجدر الإشارة أنه، رغم ذلك ارتفعت الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة إلى 358 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجاري، بمعدل زيادة مقدارها 22% عن النصف الأول من عام 2022. وفي الوقت الحالي من المتوقع أن تقدم بنوك التنمية المتعددة الأطراف، حوافز للقطاع الخاص لسهولة ضخ الاستثمارات المرتبطة بالعمل المناخي للمساعدة في تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية. ومع ذلك أوضح «داسجوبتا»، أن «الدول الغنية بحاجة إلى توفير المزيد من التمويل لخفض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر»، ومساعدة البلدان النامية على التحول إلى اقتصاد أفضل».
ويتجلى اختلال الدعم المالي في مكافحة آثار تغير المناخ، فيما يتعلق بصندوق الخسائر والأضرار المناخية. ويهدف «الصندوق»، إلى تقديم مساعدات مالية للدول الفقيرة، بغية مساعدتها لمواجهة العواقب السلبية الناجمة عن تغير المناخ، حيث تعاني بشكل غير متناسب من ظواهر الطقس المتطرف وغيره من التغيرات المناخية. وبعد أن تم الاتفاق على ملامحه في «كوب 27»، وسط مفاوضات صعبة؛ فإن العديد من التفاصيل – بما في ذلك ما يتعلق بمن سيحق له الحصول على التمويل، ومدى حجمه المتوقع الحصول عليه – تظل بدون أدنى حل.
وعليه، أشارت «الشهابي»، إلى الحاجة الملحة إلى تقديم الدعم للبلدان الضعيفة فورًا. ويبقى أن نرى ما إذا كانت الدول الغربية التي استفادت أكثر من غيرها من طفرة التصنيع والإنتاج والانبعاثات الكربونية، ستقبل تحمل جزء من المسؤولية؛ لمعالجة تأثير التغيرات المناخية في كل من آسيا، والشرق الأوسط، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية.
ورغم وجود عقبات رئيسية تحول دون التوصل إلى اتفاقيات لتعزيز الاستجابة العالمية حيال الاحتباس الحراري العالمي وتغير المناخ؛ فلابد من تسليط الضوء أيضًا على السبل المتاحة لإحراز تقدم في هذا الصدد. وبناءً على أعمال المؤتمرات المناخية السابقة، يسعى «كوب 28»، لتعزيز التزام الحكومات والشركات والمنظمات بالدعوة إلى تبني أساليب زراعية أكثر استدامة، واعتماد الآليات التكنولوجية لمعالجة الوتيرة المقلقة للخسائر الناتجة عن ظاهرة فقدان التنوع البيولوجي.
وبشكل خاص، أشارت «الشهابي»، إلى أن «الإمارات»، تقود بالتعاون مع «الولايات المتحدة»، مبادرة «الابتكار الزراعي للمناخ»، التي تهدف إلى ابتكار أنظمة زراعية وغذائية، تدعم العمل المناخي، وتعزز الحلول التكنولوجية؛ لحماية الأمن الغذائي، والتي ستساعد في معالجة «القضايا الرئيسية ذات الأولوية»، بالنسبة للجنوب العالمي، والمتمثلة في الوصول إلى القدرة على تحسين صناعاتها منخفضة الكربون.
وهناك أيضًا سبب للتفاؤل بشأن مسألة الحد من التلوث من قبل كل من «الولايات المتحدة»، و«الصين»، وهما الدولتان الأكثر إطلاقا للانبعاثات الكربونية على مستوى العالم. وأوضحت «فونغ»، أن الاجتماع الأخير بين الرئيس الأمريكي «بايدن»، ونظيره الصيني «شي جين بينغ»، في منتصف نوفمبر2023، قد أرسى بالفعل الكثير من الأسس لتنفيذ اتفاق متبادل بين البلدين لإجراء تخفيضات إضافية في إنتاجهما من انبعاثات الغازات الدفيئة، بالإضافة إلى العمل على استئناف العمل والتعاون، لمعالجة قضايا المناخ. وتعد مسألة ما إذا كان الدولتان قادرتين على تحقيق تقدم ملموس في خفض الانبعاثات، بعد مؤتمر (كوب 28)، هو أمر سيراقبه المراقبون عن كثب.
وفي ضوء كل هذه العوامل والتعقيدات، خلصت «الشهابي»، إلى أن قمة «دبي»، لا تزال «تلعب دورًا حاسمًا»، في الحد من انبعاثات الكربون العالمية، وكما كان الحال في جميع القمم الأخير المعنية بتغير المناخ؛ فإن الأسئلة المطروحة هي: حول ما إذا كان هذا التجمع المكون من قادة العالم وخبراء الصناعة، يمكن أن ينجح في التوصل إلى خطة عمل لمعالجة السياسات العالمية بشكل صحيح للحد من انبعاثات الكربون، وتوفير الدعم المالي للبلدان الفقيرة لمعالجة التغيرات المناخية.
وعلى الرغم من التوصل إلى العديد من الاتفاقيات المهمة في قمتي مؤتمر الأطراف الأخيرتين، اللتين استضافتهما «المملكة المتحدة»، و«مصر»، على التوالي، تشير أحدث بيانات الأمم المتحدة إلى أن المجتمع الدولي من المقرر أن يفشل في تحقيق أهدافه بشأن خفض الانبعاثات، ودرجات الحرارة العالمية المرتفعة، وحدوث التحول المطلوب في مجالات التعاون العالمي في سياسات المناخ.
على العموم، مع استضافة «دبي»، لقمة (كوب28)، وحضور عدد لا يستهان به من القادة العالميين، والمندوبين والممثلين المختصين في المناخ – وهو ضعف العدد الذي حضر في باريس عام 2015؛ فإنها، ودول الخليج في وضع فريد حاليًا، لمحاولة تعزيز التعاون الدولي، بشأن تحقيق أهداف وتدابير العمل المناخي، وإذا كان ذلك ممكنًا ونجحت في استضافة هذا التجمع بنوع من التقدم والتعاون غير المسبوقين، فإن هذه القمة بلا شك تعزز سمعة دول «مجلس التعاون»، المتنامية، كمركز عالمي لمواجهة التغيرات المناخية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك