العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عودة الحرب: هل فقد الأمريكيون التأثير على «إسرائيل»؟

بقلم: د. ليلى نقولا

الثلاثاء ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لديهم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬قدرات‭ ‬ووسائل‭ ‬ضغط‭ ‬سياسية‭ ‬وعسكرية‭ ‬وعقوبات‭ ‬وسواها‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬ورغبة‭ ‬أمريكية‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭.‬

في‭ ‬صباح‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬ديسمبر،‭ ‬أعلنت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬عودة‭ ‬عملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وقامت‭ ‬الطائرات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بقصف‭ ‬البيوت‭ ‬المدنية‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬زيارة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬،‭ ‬تحدث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬وجوب‭ ‬تمديد‭ ‬الهدنة‭ ‬الإنسانية‭ ‬أياما‭ ‬أخرى‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬تحرير‭ ‬الرهائن‭ ‬وإمداد‭ ‬القطاع‭ ‬بالمساعدات‭ ‬الإنسانية‭.‬

وكان‭ ‬بلينكن‭ ‬قد‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الحربي‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬ونقلت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعارض‭ ‬كليًّا‭ ‬عودة‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬ضد‭ ‬حماس،‭ ‬بل‭ ‬قال‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬نزوح‭ ‬جماعي‭ ‬للسكان،‭ ‬وإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬أشهراً‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬تتناقض‭ ‬مع‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة‭ ‬لمهمته‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة،‭ ‬والتي‭ ‬تشي‭ ‬بأحد‭ ‬أمرين‭: ‬إما‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬الأدوات‭ ‬والوسائل‭ ‬الكافية‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬لوقف‭ ‬عدوانها،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬الرسمي‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لا‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وأن‭ ‬الدعوات‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬والتي‭ ‬تدعو‭ ‬الى‭ ‬تجنّب‭ ‬القتل‭ ‬الواسع‭ ‬للضحايا‭ ‬المدنيين،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬محاولة‭ ‬لـ«تقليص‭ ‬الانتقادات‮»‬‭ ‬العالمية‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬وإدارة‭ ‬بايدن‭.‬

ولمعرفة‭ ‬الأمر‭ ‬الأكثر‭ ‬صدقاً،‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬إعادة‭ ‬التذكير‭ ‬بجوهر‭ ‬وتاريخ‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬و«إسرائيل‮»‬،‭ ‬وأسباب‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬اللامحدود‭ ‬لأعمال‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬المخالفة‭ ‬للقوانين‭ ‬الدولية‭.‬

توصف‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بـ«لعلاقة‭ ‬الخاصة‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭ ‬الرئيس‭ ‬جون‭ ‬كينيدي‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬لإنشاء‭ ‬دولة‭ ‬يهودية‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬فإن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬لم‭ ‬تتطور‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬حين‭ ‬أظهرت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تفوقها‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬حليفين‭ ‬للسوفيات‭ (‬مصر‭ ‬وسوريا‭).‬

وبنتائج‭ ‬العدوان‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬آمن‭ ‬الأمريكيون‭ ‬بأن‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬قيمة‭ ‬استراتيجية،‭ ‬بحيث‭ ‬يمكن‭ ‬توكيلها‭ ‬بـ«دور‭ ‬وظيفي‮»‬‭ ‬يتحدد‭ ‬في‭ ‬احتواء‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وردع‭ ‬القوى‭ ‬العربية‭ ‬المناوئة‭ ‬للغرب،‭ ‬وتأمين‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬الخاصة،‭ ‬فلم‭ ‬تبدأ‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬‮«‬المجانية‮»‬‭ ‬الواسعة‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬كلينتون‭ ‬الذي‭ ‬وقّع‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬ولايته‭ ‬الثانية‭ ‬3‭ ‬مذكرات‭ ‬تتعهد‭ ‬فيها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بتقديم‭ ‬المليارات‭ ‬من‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬سنوياً،‭ ‬مدة‭ ‬10‭ ‬سنوات‭.‬

وقد‭ ‬تطوّرت‭ ‬تلك‭ ‬المساعدات‭ ‬تدريجياً،‭ ‬وصار‭ ‬كل‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي‭ ‬يضيف‭ ‬إليها‭ ‬سنوياً،‭ ‬حتى‭ ‬بلغت‭ ‬المساعدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الـ4‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬سنوياً‭. ‬وانطلاقاً‭ ‬من‭ ‬الالتزام‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري‭ ‬النوعي‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬الردع‭ ‬الذي‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬ضد‭ ‬أعدائها،‭ ‬أصبحت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬عاشر‭ ‬أكبر‭ ‬مصدر‭ ‬للأسلحة‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

والسؤال‭ ‬المطروح‭: ‬هل‭ ‬يمتلك‭ ‬الأمريكيون‭ ‬قدرة‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬‮«‬إسرائيل»؟

واقعياً،‭ ‬يرتبط‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬نشاط‭ ‬خارجي‭ ‬للدولة‭ ‬بعاملين‭: ‬الإرادة‭ ‬والقدرة‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬القدرة،‭ ‬يمتلك‭ ‬الأمريكيون‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬لوقف‭ ‬عدوانها‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬سياسية‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬يريده‭ ‬الأمريكيون‭ ‬بشدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التفرغ‭ ‬لاحتواء‭ ‬الصين‭.‬

لكن،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬اعتقاد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬الأمريكيين‭ ‬أنَّ‭ ‬المكاسب‭ ‬التي‭ ‬تجنيها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لا‭ ‬توازي‭ ‬الثمن‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والدولي‭ ‬المدفوع‭ ‬عالمياً،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬مشاعر‭ ‬الكراهية‭ ‬التي‭ ‬تشعر‭ ‬بها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬تجاه‭ ‬أمريكا،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬العربية،‭ ‬تبقى‭ ‬الفوائد‭ ‬الشخصية‭ ‬والكلفة‭ ‬العالية‭ ‬لانتقاد‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الأمريكي‭ ‬العامل‭ ‬الأساسي‭.‬

يجني‭ ‬المسؤولون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬فوائد‭ ‬شخصية‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬فاعلية‭ ‬اللوبي‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والتأييد‭ ‬العارم‭ ‬الذي‭ ‬تتمتع‭ ‬به‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الكنائس‭ ‬الإنجيلية‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬لدى‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬من‭ ‬النفوذ‭ ‬والمكانة‭ ‬والقدرات‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬معاداتها‭ ‬أو‭ ‬انتقادها‭ ‬مكلفاً‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا،‭ ‬ولنا‭ ‬فيما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬بعد‭ ‬انتقاده‭ ‬نتنياهو‭ ‬مثال‭ ‬واضح‭.‬

وبناء‭ ‬عليه،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يحكي‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬انقسامات‭ ‬داخل‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬توزيع‭ ‬الأدوار‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الذي‭ ‬يخشى‭ ‬أن‭ ‬يتكرر‭ ‬مع‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬هيلاري‭ ‬كلينتون‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬حين‭ ‬امتنع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬عن‭ ‬التصويت،‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬بوصول‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭.‬

في‭ ‬النتيجة،‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لديهم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬قدرات‭ ‬ووسائل‭ ‬ضغط‭ ‬سياسية‭ ‬وعسكرية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وعقوبات‭ ‬وسواها‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬والتي‭ ‬تمّ‭ ‬يوماً‭ ‬تهديد‭ ‬الحلفاء‭ ‬الأوروبيين‭ ‬بها،‭ ‬لكن‭ ‬الواقع‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬ورغبة‭ ‬أمريكية‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭.‬

{‭ ‬كاتبة‭ ‬وأكاديمية‭ ‬من‭ ‬لبنان

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا