يشغب بعض خصوم الإسلام وشائنيه على الإسلام بأنه إنما انتشر بالسيف، وأن هدف القتال في الإسلام وغايته إجبار الناس على الدخول في الإسلام والخضوع لسلطانه وسطوته، ونقول لهؤلاء وأمثالهم: إن الإسلام في غنى عن أن يجبر الناس على الدخول فيه لأنه لا خير في إسلام يتوقف وجوده واستمرار بقائه على القوة التي تسانده، فمتى ما زالت هذه القوة، أو ضعف سلطان الإسلام والمسلمين خرج الناس من الإسلام، وتبرؤوا من انتمائهم إليه.
إن الإسلًام الذي يرفع لواء الحق، يعلن صراحة أنه (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي..) البقرة / 256. والإسلام الذي يقول بصريح العبارة، ولا يكتفي بالإشارة، ويقول في إيمان وثيق (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..) الكهف / 29.
مثل هذا الدين العظيم الواضح الجلي ، القوي البرهان لا يحتاج إلى القوة والسلطان لإجبار الناس على الدخول فيه رغم إرادتهم إنما جاء الإسلام ليحررها من استبداد الطغاة ، ولسائل أن يُسأل: إذًا ، فلماذا انطلقت الجيوش الإسلامية شرقًا وغربًا ، وشمالًا وجنوبًا تفتح البلاد ، وتواجه أمم الأرض ؟ ! ، نقول لهذا المتسائل: لم تفعل الجيوش الإسلامية ذلك لإجبار الناس على الدخول في الإسلام، والانضواء تحت رايته، بل فعل ذلك من أجل تحرير إرادة الشعوب من قهر السلاطين، ثم تترك لهم الحرية في أن يدخلوا في الإسلام أو يعرضوا عنه، ولأن الحرب في الإسلام لم تكن في يوم من الأيام غاية في حد ذاتها، بل هي - كما - أسلفنا، وكما صرح القرآن الكريم في أكثر من موضع إنها وسيلة مرتبطة بالزمان والمكان والأسباب التي ذكرنا بعضًا منها مثل: تحرير إرادة الشعوب، ورفع الظلم عن المظلومين كما حدث ذلك مع أقباط مصر الذين استجاروا بالدولة الإسلامية لتحريرهم من سطوة الرومان الذين كانوا يسومون أهل البلاد سوء الهوان، فاستجاب لنجدتهم القائد المظفر عمرو بن العاص (رضي الله عنه) الذي أعاد لأقباط مصر حريتهم وكرامتهم، ومعابدهم، ولو كان الإسلام كما يزعمون يجبر الناس على الدخول فيه بالقهر لما بقي في مصر أحدٌ من النصارى، بل لقد ثبت إحصائيًا أن أكثر البلاد عددا للمسلمين هي البلاد التي لم تصلها جيوش الفتح الإسلامي مثل إندونيسيا.
والإسلام يحفظ حقوق الأقليات، بل لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها المسلمون بموجب وثيقة المدينة التي تعهد فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والتي هي بمثابة دستور المسلمين، والتي تنظم العلاقات بين المسلمين بغيرهم، ولأول مرة في تاريخ الأمم والشعوب. يتحقق معنى المواطنة مضمونًا وإن تأخر بروز أو ظهور الاسم، يقول تعالى في إبراز هذا المعنى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولَم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة / 8.
آية جليلة في معناها وفِي مضمونها، وإن قلت حروفها وكلماتها إلا أنها تنظم العلاقات الدولية بين المسلمين وغيرهم من الأمم سواء داخل الدولة الإسلامية أو خارجها.
إن تحرير إرادة الشعوب أمر لازم، وهي مهمة جليلة أخرجت الأمة الإسلامية من أجلها، قال الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..) آل عمران / 110. وهذه المهمة من جلالها، وعظيم خطرها أنها صارت صفة تدل على تحقق خيرية الأمة، وهي مهمة واجبة، ومن تمام خيرية الأمة صفة الوسطية التي امتازت بها الأمة المسلمة، والتي تؤهلها لبلوغ مقام الشهيدة على الأمم، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا..) البقرة / 143.
وكثيرًا ما كرر الًمسلمون الجدد على أسماعنا أننا سوف نسأل يوم القيامة عن آبائهم الذين ماتوا على غير ملة الإسلام لأننا مسؤولون عن إبلاغهم الدعوة وقصرنا في ذلك، وهي مهمة عظيمة الخطر، ويتعلق بها مصير الناس يوم القيامة، وأن الله تعالى جعلها في أعناقنا، وأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) سوف يشهد علينا هل بلغنا الرسالة، وأدينا الأمانة ونصحنا الناس بأن أمرناهم بالمعروف ونهيناهم عن المنكر، وحققنا في نفوسنا صحيح الإيمان.
إن الإسلام في غير حاجة إلى العنف لإكراه الناس على الدخول فيه، ويكفيه أن يعرض الحقائق كما هي في القرآن العظيم، فالإسلام بلغة هذا العصر هو أكسجين الحياة، قال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا كأنما يَصَّعَّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) الأنعام / 125، ثم يأتي الله تعالى بالآية التي تليها لإثبات هذه الحقيقة الإيمانية، وهي قوله تعالى: (وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) الأنعام / 126. وصدق الله العظيم: (أفمن يمشي مكبًا على وجهه أهدى أمَّن يمشي سويًا على صراط مستقيم) الملك / 22.
إذًا، فالاستقامة، واعتدال الهيئة هما السبيل الواضح البيِّن لبلوغ الغاية التي يسعى إليها المؤمن إذا أراد الفلاح في الدنيا، والنجاة يوم القيامة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك