العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الإسلام.. وتحرير إرادة الشعوب!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٣ - 02:00

يشغب‭ ‬بعض‭ ‬خصوم‭ ‬الإسلام‭ ‬وشائنيه‭ ‬على‭ ‬الإسلام‭ ‬بأنه‭ ‬إنما‭ ‬انتشر‭ ‬بالسيف،‭ ‬وأن‭ ‬هدف‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬وغايته‭ ‬إجبار‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬والخضوع‭ ‬لسلطانه‭ ‬وسطوته،‭ ‬ونقول‭ ‬لهؤلاء‭ ‬وأمثالهم‭: ‬إن‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬يجبر‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬فيه‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬خير‭ ‬في‭ ‬إسلام‭ ‬يتوقف‭ ‬وجوده‭ ‬واستمرار‭ ‬بقائه‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬تسانده،‭ ‬فمتى‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬هذه‭ ‬القوة،‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬سلطان‭ ‬الإسلام‭ ‬والمسلمين‭ ‬خرج‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الإسلام،‭ ‬وتبرؤوا‭ ‬من‭ ‬انتمائهم‭ ‬إليه‭.‬

إن‭ ‬الإسلًام‭ ‬الذي‭ ‬يرفع‭ ‬لواء‭ ‬الحق،‭ ‬يعلن‭ ‬صراحة‭ ‬أنه‭ (‬لا‭ ‬إكراه‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬قد‭ ‬تبين‭ ‬الرشد‭ ‬من‭ ‬الغي‭..) ‬البقرة‭ / ‬256‭. ‬والإسلام‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬بصريح‭ ‬العبارة،‭ ‬ولا‭ ‬يكتفي‭ ‬بالإشارة،‭ ‬ويقول‭ ‬في‭ ‬إيمان‭ ‬وثيق‭ (‬وقل‭ ‬الحق‭ ‬من‭ ‬ربكم‭ ‬فمن‭ ‬شاء‭ ‬فليؤمن‭ ‬ومن‭ ‬شاء‭ ‬فليكفر‭..) ‬الكهف‭ / ‬29‭.‬

مثل‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬العظيم‭ ‬الواضح‭ ‬الجلي‭ ‬،‭ ‬القوي‭ ‬البرهان‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬والسلطان‭ ‬لإجبار‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬فيه‭ ‬رغم‭ ‬إرادتهم‭ ‬إنما‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬ليحررها‭ ‬من‭ ‬استبداد‭ ‬الطغاة‭ ‬،‭ ‬ولسائل‭ ‬أن‭ ‬يُسأل‭: ‬إذًا‭ ‬،‭ ‬فلماذا‭ ‬انطلقت‭ ‬الجيوش‭ ‬الإسلامية‭ ‬شرقًا‭ ‬وغربًا‭ ‬،‭ ‬وشمالًا‭ ‬وجنوبًا‭ ‬تفتح‭ ‬البلاد‭ ‬،‭ ‬وتواجه‭ ‬أمم‭ ‬الأرض‭ ‬؟‭ ! ‬،‭ ‬نقول‭ ‬لهذا‭ ‬المتسائل‭: ‬لم‭ ‬تفعل‭ ‬الجيوش‭ ‬الإسلامية‭ ‬ذلك‭ ‬لإجبار‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬والانضواء‭ ‬تحت‭ ‬رايته،‭ ‬بل‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬إرادة‭ ‬الشعوب‭ ‬من‭ ‬قهر‭ ‬السلاطين،‭ ‬ثم‭ ‬تترك‭ ‬لهم‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يدخلوا‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬أو‭ ‬يعرضوا‭ ‬عنه،‭ ‬ولأن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ - ‬كما‭ - ‬أسلفنا،‭ ‬وكما‭ ‬صرح‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضع‭ ‬إنها‭ ‬وسيلة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والأسباب‭ ‬التي‭ ‬ذكرنا‭ ‬بعضًا‭ ‬منها‭ ‬مثل‭: ‬تحرير‭ ‬إرادة‭ ‬الشعوب،‭ ‬ورفع‭ ‬الظلم‭ ‬عن‭ ‬المظلومين‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬أقباط‭ ‬مصر‭ ‬الذين‭ ‬استجاروا‭ ‬بالدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬لتحريرهم‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬الرومان‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يسومون‭ ‬أهل‭ ‬البلاد‭ ‬سوء‭ ‬الهوان،‭ ‬فاستجاب‭ ‬لنجدتهم‭ ‬القائد‭ ‬المظفر‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬الذي‭ ‬أعاد‭ ‬لأقباط‭ ‬مصر‭ ‬حريتهم‭ ‬وكرامتهم،‭ ‬ومعابدهم،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬الإسلام‭ ‬كما‭ ‬يزعمون‭ ‬يجبر‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬فيه‭ ‬بالقهر‭ ‬لما‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أحدٌ‭ ‬من‭ ‬النصارى،‭ ‬بل‭ ‬لقد‭ ‬ثبت‭ ‬إحصائيًا‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬البلاد‭ ‬عددا‭ ‬للمسلمين‭ ‬هي‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تصلها‭ ‬جيوش‭ ‬الفتح‭ ‬الإسلامي‭ ‬مثل‭ ‬إندونيسيا‭.‬

والإسلام‭ ‬يحفظ‭ ‬حقوق‭ ‬الأقليات،‭ ‬بل‭ ‬لهم‭ ‬نفس‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬المسلمون‭ ‬بموجب‭ ‬وثيقة‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬تعهد‭ ‬فيها‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬دستور‭ ‬المسلمين،‭ ‬والتي‭ ‬تنظم‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬بغيرهم،‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭. ‬يتحقق‭ ‬معنى‭ ‬المواطنة‭ ‬مضمونًا‭ ‬وإن‭ ‬تأخر‭ ‬بروز‭ ‬أو‭ ‬ظهور‭ ‬الاسم،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬إبراز‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭: (‬لا‭ ‬ينهاكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يقاتلوكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬ولَم‭ ‬يخرجوكم‭ ‬من‭ ‬دياركم‭ ‬أن‭ ‬تبروهم‭ ‬وتقسطوا‭ ‬إليهم‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحب‭ ‬المقسطين‭) ‬الممتحنة‭ / ‬8‭. ‬

آية‭ ‬جليلة‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬وفِي‭ ‬مضمونها،‭ ‬وإن‭ ‬قلت‭ ‬حروفها‭ ‬وكلماتها‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تنظم‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أو‭ ‬خارجها‭.‬

إن‭ ‬تحرير‭ ‬إرادة‭ ‬الشعوب‭ ‬أمر‭ ‬لازم،‭ ‬وهي‭ ‬مهمة‭ ‬جليلة‭ ‬أخرجت‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬أجلها،‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬كنتم‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭ ‬تأمرون‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتنهون‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬وتؤمنون‭ ‬بالله‭..) ‬آل‭ ‬عمران‭ / ‬110‭. ‬وهذه‭ ‬المهمة‭ ‬من‭ ‬جلالها،‭ ‬وعظيم‭ ‬خطرها‭ ‬أنها‭ ‬صارت‭ ‬صفة‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬تحقق‭ ‬خيرية‭ ‬الأمة،‭ ‬وهي‭ ‬مهمة‭ ‬واجبة،‭ ‬ومن‭ ‬تمام‭ ‬خيرية‭ ‬الأمة‭ ‬صفة‭ ‬الوسطية‭ ‬التي‭ ‬امتازت‭ ‬بها‭ ‬الأمة‭ ‬المسلمة،‭ ‬والتي‭ ‬تؤهلها‭ ‬لبلوغ‭ ‬مقام‭ ‬الشهيدة‭ ‬على‭ ‬الأمم،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وكذلك‭ ‬جعلناكم‭ ‬أمة‭ ‬وسطا‭ ‬لتكونوا‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويكون‭ ‬الرسول‭ ‬عليكم‭ ‬شهيدا‭..) ‬البقرة‭ / ‬143‭.‬

وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬كرر‭ ‬الًمسلمون‭ ‬الجدد‭ ‬على‭ ‬أسماعنا‭ ‬أننا‭ ‬سوف‭ ‬نسأل‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬عن‭ ‬آبائهم‭ ‬الذين‭ ‬ماتوا‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬ملة‭ ‬الإسلام‭ ‬لأننا‭ ‬مسؤولون‭ ‬عن‭ ‬إبلاغهم‭ ‬الدعوة‭ ‬وقصرنا‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬وهي‭ ‬مهمة‭ ‬عظيمة‭ ‬الخطر،‭ ‬ويتعلق‭ ‬بها‭ ‬مصير‭ ‬الناس‭ ‬يوم‭ ‬القيامة،‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬جعلها‭ ‬في‭ ‬أعناقنا،‭ ‬وأن‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬سوف‭ ‬يشهد‭ ‬علينا‭ ‬هل‭ ‬بلغنا‭ ‬الرسالة،‭ ‬وأدينا‭ ‬الأمانة‭ ‬ونصحنا‭ ‬الناس‭ ‬بأن‭ ‬أمرناهم‭ ‬بالمعروف‭ ‬ونهيناهم‭ ‬عن‭ ‬المنكر،‭ ‬وحققنا‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬صحيح‭ ‬الإيمان‭.‬

إن‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭ ‬لإكراه‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الدخول‭ ‬فيه،‭ ‬ويكفيه‭ ‬أن‭ ‬يعرض‭ ‬الحقائق‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬العظيم،‭ ‬فالإسلام‭ ‬بلغة‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬هو‭ ‬أكسجين‭ ‬الحياة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬فمن‭ ‬يرد‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يهديه‭ ‬يشرح‭ ‬صدره‭ ‬للإسلام‭ ‬ومن‭ ‬يرد‭ ‬أن‭ ‬يضله‭ ‬يجعل‭ ‬صدره‭ ‬ضيقًا‭ ‬حرجًا‭ ‬كأنما‭ ‬يَصَّعَّد‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬كذلك‭ ‬يجعل‭ ‬الله‭ ‬الرجس‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭) ‬الأنعام‭ / ‬125،‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بالآية‭ ‬التي‭ ‬تليها‭ ‬لإثبات‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬الإيمانية،‭ ‬وهي‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬وهذا‭ ‬صراط‭ ‬ربك‭ ‬مستقيما‭ ‬قد‭ ‬فصلنا‭ ‬الآيات‭ ‬لقوم‭ ‬يذكرون‭) ‬الأنعام‭ / ‬126‭. ‬وصدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭: (‬أفمن‭ ‬يمشي‭ ‬مكبًا‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬أهدى‭ ‬أمَّن‭ ‬يمشي‭ ‬سويًا‭ ‬على‭ ‬صراط‭ ‬مستقيم‭) ‬الملك‭ / ‬22‭.‬

إذًا،‭ ‬فالاستقامة،‭ ‬واعتدال‭ ‬الهيئة‭ ‬هما‭ ‬السبيل‭ ‬الواضح‭ ‬البيِّن‭ ‬لبلوغ‭ ‬الغاية‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬إليها‭ ‬المؤمن‭ ‬إذا‭ ‬أراد‭ ‬الفلاح‭ ‬في‭ ‬الدنيا،‭ ‬والنجاة‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا