حملة «اتّحدوا» الأممية هي 16 يومًا من النشاط لمناهضة الـ«عنف ضد المرأة والفتاة»، ابتداءً من 25 نوفمبر وانتهاء بيوم 10 ديسمبر وهو اليوم الذي يُحتفى فيه باليوم العالمي لحقوق الإنسان.
لافتٌ ومثيرٌ هذا الإشهار، فهو يشير إلى مدّة حدّاها عنوانان كبيران، وارتباطهما بعضهما ببعض يجعل من الحياة المرتقبة وردية في ذهن القارئ، خصوصا لجهة حقوق الإنسان، المنتهكة بالنسبة إلى المواطن العربي بشكل عام، والمواطن الفلسطيني بشكل خاص، والمرأة بشكل أكثر خصوصية، فالمرأة هي أيضًا «إنسان»، بينما حقوقها منتقصةٌ حتى في أزهى حالاتها الاجتماعية في أي بلدٍ من البلدان التي يحمي دستورها وقوانينها مواطنيها قولًا بالتأكيد، وفعلًا إلى درجة كبيرة، حيث توجد دول مؤسسات وقوانين، فكيف بواقع المرأة الفلسطينية اليوم في غزّة، التي تعاني من الأساس في فترة الحصار الممتدّة؟
وتحت عنوان حقائق وأرقام، جاءت هذه الإحصاءات: تُقتل خمس نساء أو فتيات في كل ساعة على يد أحد أفراد أسرهن. تعيش 86% من النساء والفتيات في بلدان لا توجد فيها أنظمة حماية قانونية من العنف القائم على النوع الاجتماعي. وهذا يدلّ على أن الأمم المتحدة تركّز في أنشطتها هذه على العنف الممارس ضد المرأة في أوقات السلم تحديدًا، خصوصا ذلك العنف المرتبط بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية لدى الشعوب، والموقع الذي تشغله المرأة في هذه المجتمعات، بينما تضيع حقوق المرأة، وتنزاح هويتها البيولوجية والنفسية إلى الهامش في أوقات الحروب. وفي الواقع، فإنها تدفع الفاتورة الأبهظ في الحروب، ولدينا اليوم مثال صارخ في الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزّة، وفي الحملة التي تقوم بها بكل أشكال العنف على مناطق الضفة الغربية ومخيّماتها.
وممّن شملهنّ إعلان القضاء على العنف ضد المرأة، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، في تعريف العنف ضد المرأة: المهاجرات واللاجئات، ونساء الشعوب الأصلية.
مرّت المرأة الفلسطينية التي هي من «الشعوب الأصلية»، منذ النكبة وإعلان قيام دولة الاحتلال في 1948، مرارًا في طور «التهجير» و«اللجوء» ضمن أرضها، وخارجها، وعانت من وطأة الحروب على طول مسيرة الآلام الممتدّة هذه. وعندما نتابع هذا السعير غير المسبوق للعنف والجريمة الجماعية في قطاع غزّة، تنهض أسئلة كثيرة بشأن واقع المرأة فيها، بين حدّي العمر من الولادة حتى الشيخوخة، وكيف تمارس عليها الحرب جبروتها والعنف في أعتى أشكاله، لكونها امرأة، من دون الالتفات إلى هذه الخصوصية.
المرأة في حاجاتها الخاصة التي تتطلبها فيزيولوجية جسدها دوريا كل شهر، وما يترتب على هذه الفترات الدورية من تدبير وعناية صحية لدى نساءٍ نشأن على مراعاة خصوصية الجسد الأنثوي التي تتطلب نوعًا من السرّية الحميمة تفرض إنجاز هذه الأمور بطريقة فائقة التكتّم والخجل، فكيف تتدبر أمرها، بينما أبسط الحاجات غير متوفرة من فوط صحية أو حمامات أو دورات مياه، وعدم توفّر إمكانية الاغتسال؟ عدا الهبوط النفسي وما يرافق هذه الفترات الفيزيولوجية الدورية من اضطرابات مزاجية وعاطفية، زيادة على الألم، بينما تكون مرهونة في كل لحظة للرحيل السريع، أو القلق والتوتّر في انتظار الموت، أو الحزن على الفقد.
المرأة الحامل، ولا بد من الإشارة إلى وجود خمسين ألف حالة حمل بين نساء غزّة عند بداية الحرب الحالية، متوقّع أن تلد شريحة كبيرة منهن في هذا الشهر، منهن من وضعن، منهنّ من استشهدن، ومن هؤلاء من استشهدن ونجا مواليدهن، ومنهن من يرزحن تحت خوف إضافي من لحظة ولادة في غير موعدها تحت القصف وفي خضم الموت، وخروج ثلثي المستشفيات من الخدمة، وندرة وسائل الوصول إليها بسبب كل ما يرافق هذه الحرب. ما يلفت النظر في هذه المناسبة، ومن خلال إصرار الشعب الفلسطيني على الحياة، هناك بعض الناشطين في القطاع الصحي، خصوصا الأطباء، على «يوتيوب»، يقدّمون شرحًا فيه توعية بالولادة وإرشادات، فيما لو حصلت للمرأة، وهي وحيدة من دون معين، وكيف تواجه حالتها، في محاولةٍ للتخفيف من الخوف الذي يرقى إلى الذعر من الوقوع في حالةٍ كهذه، ألا يحيلنا هذا الوضع إلى بدايات النوع البشري والفطرة الأولى، ونحن في عصر الثورة الرقمية وحقوق الإنسان؟
بالإضافة إلى الحالة النفسية وسوء التغذية والقلق والخوف، خصوصا من حالات ولادة كهذه وما فيها من انتهاك لحرمة الجسد، يؤثّر هذا كله على نمو الجنين في الرحم، واحتمال ولادة أجنّة ناقصي الوزن أو خدج، يحتاجون إلى رعاية ودعم في حواضن آلية، كل العالم شاهد ما يحصل للخدج في هذه الحرب. ثم المرأة النفساء المعرّضة في الأحوال العادية لاختلاطات أو أمراض عديدة، فيما لو حرمت من الرعاية والحياة الصحية، فكيف في ظروف الحرب، وما تسبّبه من انتهاك لكيانها ولأمومتها؟ الأم الفلسطينية تطعن في أمومتها بشتى الطرق. كذلك النساء المسنات وغالبيتهن ممن هُجّرن ونزحن أكثر من مرّة، كما حال الفلسطينيين منذ 75 عامًا، وهنّ الآن في مرحلة أمراض العمر الذي لم يكن كالأعمار التي تعيشها النساء في الحالة الطبيعية، وهي من حقّهن، كما تحتاج المرأة المسنّة إلى المساندة والدعم في هذه الظروف التي ترمي بالأفراد إلى الجحيم في كل لحظة، أو إلى طريق النزوح، حيث لا مأمن أيضًا، بينما ذاكرتها تنهمر عليها بتغريبةٍ بدأت منذ عقود ولم تنتهِ؟
إذا كانت هذه المقالة أضاءت على بعض الزوايا الخاصة بما تخلفه الحرب من انتهاك للمرأة الفلسطينية وأشكال كثيرة من العنف بحقّها، فهناك أيضًا زوايا ستكشفها الأيام مستقبلًا، عما تكون قد خلفته الأسلحة التي استخدمت في الحرب من تأثيرات مستقبلية على جسد المرأة لناحية أجهزتها الأنثوية، وخصوبتها. المرأة الفلسطينية في بؤرة جحيم العنف، تهديد العنف ماثل في وجهها منذ صرختها الأولى حتى صراخها الأخير وهي تفقد أبناءها، تفقد زوجها وتصبح مسؤولة عن أولادها الباقين، تفقد ذويها وتصبح يتيمة وحيدة في مواجهة الخوف والقتل وانتهاك حرمتها، جسديًّا ونفسيًّا.
ألا تستحقّ من العالم، ومن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، والجماعات والمنظمات والمؤسّسات النسوية، وجمعية حقوق الإنسان، وغيرها وغيرها، الالتفات إلى واقعها والدفاع عنها في وجه العنف المتخلّق أشكالًا لا تحصى بحقّها، خصوصًا أن غالبية من حصدتهم الحرب الجبارة الوحشية هذه من النساء والأطفال، مع أنهم لا يحملون السلاح؟
{ كاتبة وروائية من سوريا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك