اكتسبت القضية الفلسطينية منذ 7 أكتوبر «اهتمامًا دوليًا»، لم تحظ به على مدى عقود. وقبل قمتي «العشرين»، و«البريكس»، الأخيرتين انطلقت فعاليات عديدة في مقدمتها «مؤتمر القاهرة للسلام»، و«قمة الخليج الآسيان»، و«مؤتمر باريس الإنساني الدولي لمساعدة المدنيين في غزة»، و«القمة العربية الإسلامية» في الرياض، والتي كان لها جميعا دور واضح في إبراز القضية، وإعادة الزخم حولها والسعي لإيجاد حلول جادة لها.
وفي محاولة لتخفيف العدوان على غزة، ووقف التصعيد، والتعامل مع الوضع الإنساني المتدهور، وحماية المدنيين من القصف المتواصل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ دعت «القاهرة»، بعد إلغاء القمة الرباعية (الولايات المتحدة – مصر – فلسطين – الأردن)، إلى «مؤتمر السلام»، الذي انعقد بعد أسبوعين من بداية الحرب، بمشاركة عدد كبير من الملوك، والرؤساء، ورؤساء الوزراء، ووزراء الخارجية، وعدد من المنظمات الإقليمية والدولية. وفي كلمات أكثر من 30 زعيمًا ومسؤولاً دوليًا خلاله، كانت فكرة رفض تهجير الفلسطينيين، حاضرة بقوة، إلى جانب ضرورة حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، فيما كان التوافق أيضًا بشأن دخول المساعدات لقطاع غزة، واحترام حقوق المدنيين.
وفي وقت متزامن تقريبًا، كانت قمة الخليج «الآسيان»، التي انعقدت في20 أكتوبر بالرياض، بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وقادة دول رابطة الآسيان، وفيها تم تأكيد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين، وأن سبب المشكلة هو احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وأن الحل يتمثل في إقامة دولة فلسطينية على حدود 67، فيما أدان بيانها الختامي جميع الهجمات ضد المدنيين، واستهدافهم من قبل قوات الاحتلال، وطالب بالالتزام بالقانون الدولي، ودعم مبادرة السعودية، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية؛ لإرساء عملية السلام في الشرق الأوسط، بالتعاون مع مصر، والأردن، وحل النزاع بين إسرائيل وجيرانها وفقًا للقانون الدولي.
وفي 9 نوفمبر، انطلق «المؤتمر الإنساني الدولي لمساعدة المدنيين في غزة»، في قصر الإليزيه بباريس، بدعوة من الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، الذي لم يوجه الدعوة إلى إسرائيل، وإيران، وروسيا، فيما غاب عنه من الدول العربية لبنان، وسوريا، واليمن، وليبيا، والسودان؛ وحضر وشارك بفعالية رؤساء قبرص، واليونان، وإيرلندا، ولوكسمبورج، ورئيس المجلس الأوروبي، ورئيسة المفوضية الأوروبية، ووكيلة «الخارجية الأمريكية»، للأمن المدني. وسعى المؤتمر إلى حشد الموارد المالية للفلسطينيين»، بعد أن قدرت «الأمم المتحدة» الاحتياجات العاجلة بـ 1.1 مليار دولار.
واتساقا مع هذا، تناول المؤتمر الوضع الإنساني الحرج في غزة المتضرر من القصف، والافتقار إلى المساعدات الإنسانية الضرورية، فيما تعهد «ماكرون»، بزيادة مساعدة فرنسا لفلسطين من 20 مليون يورو إلى 100 مليون يورو، وتعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية، بمضاعفة المساعدات المقررة لغزة أربع مرات لتصل إلى 100 مليون يورو، إضافة إلى جسر جوي عبر مطار العريش. وقد طغت موضوعات المساعدات والحاجة إلى هدن إنسانية، ووقف إطلاق النار، وضرورة البدء في المسار السياسي وحل الدولتين، وتجنب تمدد الحرب، وتحولها إلى حرب إقليمية على هذا المؤتمر.
وفي 11 نوفمبر، كانت «القمة العربية الإسلامية»، بالرياض، بحضور زعماء وقادة العالم العربي والإسلامي، التي رسمت خطوطًا حمراء للاحتلال الإسرائيلي -الذي ينفذ عدوانًا غاشمًا، وحرب إبادة على غزة- أول هذه الخطوط رفض التهجير القسري للفلسطينيين داخل غزة وخارجها، والحصار، ومسؤولية الاحتلال عن الجرائم المرتكبة، والتي هي «جرائم حرب»، ومطالبة «مجلس الأمن»، باتخاذ قرار فوري يدين تدمير إسرائيل الهمجي للمستشفيات، ومنع إدخال الدواء، والغذاء، والوقود، وقطع الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية، بما فيها الاتصال، والإنترنت، باعتباره «عقابًا جماعيًا»، يمثل «جريمة حرب»، وفق القانون الدولي.
واستمرارا، دعت القمة إلى فتح تحقيق من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وأكدت بلورة تحرك دولي لوقف الحرب، وإطلاق عملية سياسية جادة لتحقيق السلام الدائم والشامل، وفق المرجعيات الدولية المعتمدة. ومن هذه القمة تحركت لجنة مشكلة من وزراء خارجية السعودية، والأردن، ومصر، وفلسطين، وإندونيسيا، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي، إلى عواصم القرار في العالم من أجل حل عادل مستدام للقضية الفلسطينية.
وفي نوفمبر21 انعقدت «قمة بريكس»، الافتراضية الاستثنائية، بدعوى من رئيس جنوب إفريقيا؛ لبحث الوضع في غزة والشرق الأوسط، بمشاركة رؤساء المجموعة؛ (جنوب إفريقيا، البرازيل، روسيا، الهند، الصين)، ومن تمت دعوتهم للانضمام، مثل (السعودية، والأرجنتين، ومصر، وإثيوبيا، وإيران، والإمارات). وخلالها، انتقدت «جنوب إفريقيا»، العدوان الإسرائيلي على غزة، وطالب رئيسها -مع أربع دول أخرى- «المحكمة الجنائية الدولية»، بإجراء تحقيق في الجرائم ضد الإنسانية التي تم ارتكابها في القطاع، وفتح تحقيق فوري ضد الأشخاص المسؤولين عن جرائم الحرب، مؤكدا أن تصرفات إسرائيل تنتهك القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، واتفاقية جنيف بكل بروتوكولاتها، فيما كانت قد استدعت دبلوماسييها من إسرائيل فور بدء العدوان.
من جانبه، دعا الرئيس الروسي، «بوتين»، إلى وقف إطلاق النار، مؤكدًا أن السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط، هو إقامة دولة فلسطينية، محملا «الولايات المتحدة»، المسؤولية عن الحرب الحالية، ومتهمًا إياها بالإضرار بعملية السلام، حيث لم تنجح على مدى سنوات طويلة في إيجاد حلول لها، كما شدد على الحاجة إلى حل مستدام، وطويل الأمد للصراع، وأنه من المهم عدم جر دول أخرى إليه.
وفي كلمته، أكد الرئيس الصيني ضرورة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية، وضمان انسيابها، ووقف العقاب الجماعي، والحيلولة دون توسع رقعة الصراع، ودعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر، مرجعًا السبب فيما حدث إلى تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وأن الحل الرئيسي للخروج من الأزمة الحالية، وتحقيق السلام الدائم هو حل الدولتين، واستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين، وإقامة دولتهم المستقلة، داعيًا إلى مؤتمر دولي للسلام لحل الأزمة الحالية.
علاوة على ذلك، أكد ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان»، ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67، داعيًا جميع الدول إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ومطالبًا بإطلاق عملية سلام جادة وشاملة لحل القضية الفلسطينية، وإدخال المساعدات بشكل فوري إلى قطاع غزة. فيما أدان البيان الختامي جميع أعمال العنف التي تستهدف المدنيين، بما في ذلك جرائم الحرب، وأي نوع من النقل القسري، والترحيل الفردي والجماعي للفلسطينيين من أراضيهم، سواء إلى داخل غزة أو خارجها، وطالب بهدنة فورية دائمة، مؤكدًا أن الحل العادل والدائم يتم التوصل إليه بالطرق السلمية.
وفي 22 نوفمبر، انعقدت «قمة العشرين»، الافتراضية، التي تضم أكبر 20 اقتصادا في العالم، حيث طغت عليها أحداث العدوان الإسرائيلي. وفي بيانها الختامي، أكد رئيس الوزراء الهندي «نار يندرا مودي»، أن دول المجموعة، قد توصلت إلى توافق في الآراء بشأن حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وأن الدبلوماسية والحوار هما السبيل الوحيد لحل التوترات الجيوسياسية، وأن التكتل مستعد لتقديم كل دعم ممكن في هذا الشأن، وأن قتل الأبرياء، لاسيما الأطفال والنساء هو أمر غير مقبول، وينبغي إيصال المساعدات الإنسانية بأسرع ما يمكن، فيما حذر من تحول الحرب في غزة إلى حرب إقليمية.
من جانبه، وجه الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، كلمة إلى هذه القمة انتقد فيها الانتقائية في تعامل المجتمع الدولي مع العدوان الإسرائيلي على فلسطين، فيما لا تزال آلة الحرب تحصد مزيدا من الضحايا، وتخلف الدمار والتشريد، برغم التحذيرات الدولية المطالبة بضرورة حماية المدنيين واحترام القانون الدولي، وحصول الشعب الفلسطيني على حقه المشروع في إقامة دولته، والعيش بسلام وأمن بجانب إسرائيل. في حين أكد رئيس دولة الإمارات، الشيخ «محمد بن زايد»، أن الأراضي الفلسطينية تشهد «وضعًا خطيرًا»، يحتاج إلى تحرك دولي جاد وعادل لوقف إطلاق النار، وحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات، وأن استمرار هذا الوضع يجلب مزيدا من المآسي، ويهدد الأمن الإقليمي والدولي.
وفي كلمته، اعتبر الرئيس الروسي، أن مساعدة المدنيين في قطاع غزة، «واجب مقدس»، وتساءل لماذا لا يَصدم زعماء العالم، عبارة الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش»، إن «غزة تحولت إلى مقبرة ضخمة للأطفال». وأعرب الرئيس التركي، عن أمله في إرساء وقف دائم لإطلاق النار، مؤكدًا أن تصرفات إسرائيل لا يمكن تبريرها بالدفاع عن النفس. وتساءل رئيس الوفد الإندونيسي -بعد أن تحدث عن الفظائع التي تحدث في فلسطين- ماذا الذي فعلناه بشكل جماعي كقادة لمجموعة العشرين لتحسين الوضع للفلسطينيين، مشددًا على دعم بلاده الثابت للقضية، وأن حكومته تعتقد أن حل الدولتين يشكل السبيل الوحيد للخروج من الأزمة لكلا الطرفين.
على العموم، خلال هذه الفعاليات، اكتسبت القضية الفلسطينية العديد من النقاط، تمثل أولها، في الاهتمام الدولي الكبير بالقضية حتى إنها طغت على غيرها، وثانيها، فضح التصرفات الإسرائيلية المنتهكة لحقوق الإنسان، والمواثيق، والأعراف الدولية، وهي تصرفات لا يبررها حق الدفاع عن النفس، وثالثها، حشد الإجماع الدولي على ضرورة وقف إطلاق النار وامتداده إلى عملية سياسية تفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على أراضي 1967، وضرورة إنقاذ الفلسطينيين بوتيرة منتظمة وكافية وانسياب آمن للمساعدات الإنسانية، ووجود اتجاه قوي نحو محاكمة قادة إسرائيل عن جرائم الحرب.
ويبقى أن، «الولايات المتحدة»، لن تستطيع أن تصم آذانها عما انتهت إليه تلك الفعاليات الدولية، إذ إنها بذلك تخسر الكثير من نفوذها في العالم لصالح منافسيها، فيما يعد هذا الموقف العالمي مقدمة نحو انعقاد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، يعكس التغير الحادث في البيئة الدولية، ويتلافى الأسباب التي أدت إلى تعطل عملية السلام في الفترة الماضية، وأوصلت إلى الموقف الراهن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك