يصادف يوم الـ29 من نوفمبر اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بناء على دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1977، للاحتفال في 29 نوفمبر من كل عام باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (القرار 32/40 ب).
وفي هذا اليوم أيضا من عام 2015، تم رفع العلم الفلسطيني أمام مقرات ومكاتب الأمم المتحدة حول العالم. واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا برفع أعلام الدول المشاركة بصفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، بما في ذلك علم دولة فلسطين. وقد أقيمت مراسم رفع علم دولة فلسطين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك يوم 30 سبتمبر 2015.
في هذا العام تأتي هذه المناسبة في ظل ظروف استثنائية يعيشها الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر، وفي ظل تزايد المؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني، ومحاولات فرض برامج إسرائيلية وأمريكية تسلب الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره.
هذا العام تأتي هذه المناسبة والشعب الفلسطيني يقدم التضحيات الجسام فقد ودعت غزة أكثر من 20 ألف شهيد أغلبهم من المدنيين والأطفال والنساء، وأصيب أكثر من 35 ألف مدني إضافة إلى تدمير الآلاف من المنازل والمدارس والمساجد والكنائس والمستشفيات والجامعات، حيث يرتكب الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 50 يوما المجازر والمذابح وجرائم الإبادة الجماعية في ظل عجز دولي للجم هذا العدوان ووقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية الإغاثية .
في هذا العام تأتي هذه المناسبة والعالم الحر على امتداد الكرة الأرضية يهتف «الحرية لفلسطين» ويعلن نبذه للإرهاب والجرائم غير الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، ويؤكد رفضه المطلق للنظام العنصري وجرائم التطهير العرقي. فمشاهد الملايين في شوارع واشنطن ولندن وباريس وسائر عواصم العالم منتفضين في وجه هذا الإرهاب ومعلنين ضرورة إنهاء الاحتلال فورا يجب أن تتحول إلى إرادة دولية تعترف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، و تلزم إسرائيل إنهاء الاحتلال وتطبيق قرارات الشرعية الدولية والالتزام بقواعد القانون الدولي والإنساني.
وفي هذا العام أيضا نذكر أنفسنا بأن التضامن العالمي مع قضيتنا العادلة سيبقى غير مكتمل في ظل الانقسام البغيض، وهي دعوة لحركتي فتح وحماس باسم دماء الشهداء وتضحيات شعبنا في هذا المنعطف التاريخي لإنهاء هذا الانقسام فورا وإعلان الوحدة الوطنية .
إن معاناة الشعب الفلسطيني ليست وليدة السابع من أكتوبر، فالبعض يحاول توصيف التاريخ وكأنه يبدأ من هذا التاريخ الذي أعلنت فيه المقاومة الفلسطينية الحرب على إسرائيل وفق الخرافة الصهيونية التي حاول الاحتلال تسويقها على امتداد العالم، والحقيقة المطلقة بأن السابع من أكتوبر هو رد طبيعي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، وهو انتفاضة في وجه الظلم العالمي للشعب الفلسطيني الذي بدأ منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917، وهو حق مشروع ومكفول وفق القانون الدولي لشعب يرزح تحت احتلال منذ عقود طويلة .
السابع من أكتوبر هو نتاج الإرهاب الإسرائيلي المتصاعد في فترة الحكومة اليمينية المتطرفة الأخيرة، هو حصيلة 17 عاما من الحصار والعقاب الجماعي لقطاع غزة في ظل صمت دولي معيب على معاناة غير إنسانية وغير أخلاقية يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني. وهو رد طبيعي على الاعتداء المتواصل على المسجد الأقصى المبارك والمقدسات كافة، والإرهاب غير المبرر ضد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
الاحتلال يولد المقاومة، قاعدة طبيعية لا جدال فيها، فكيف لأي إنسان حر صاحب قضية عادلة أن يتنازل عن قضيته وأرضه وحقوقه، ولأجل ذلك كفل القانون الدولي ومواثيق حقوق الإنسان الحق في المقاومة كما ورد في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 أغسطس/آب 1789، فإن مقاومة القمع هي حق أساسي.
كذلك يعد حق تقرير المصير حقاً ثابتاً في القانون الدولي، ومبدأ أساسي في ميثاق الأمم المتحدة، والتي في قرارها رقم 1514 لـ «إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة»، بتاريخ 14 ديسمبر1960، أكدت بصفة صريحة أنه «لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي».
ويشمل هذا الحق القضية الفلسطينية، وهو ما يؤكده القرار الأممي 3236، بتاريخ 22 نوفمبر1974، والذي نص على أن الأمم المتحدة «تعترف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل وفقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه (...) وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تمد بدعمها الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه، وفقاً للميثاق».
وقبل هذا، وفي عام 1970، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 2649 بـ«إدانة إنكار حق تقرير المصير خصوصاً لشعوب جنوب إفريقيا وفلسطين»، والذي ينص بالحرف على أن الجمعية العامة «تؤكد شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية، والمعترف بحقها في تقرير المصير، لكي تستعيد ذلك الحق بأية وسيلة في متناولها».
كما أكدت الجمعية العامة شرعية المقاومة المسلحة الفلسطينية، أيضاً في قرارها بتاريخ 4 ديسمبر/ كانون الأول 1986، والذي ينص «على شرعية كفاح الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، والتحرر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح».
وفي نفس السياق، تؤكد كل من اتفاقية لاهاي واتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بحماية أسرى الحرب، على شرعية حمل السلاح لمقاومة المحتل. وأضفت اتفاقية جنيف صفة «أسرى الحرب» على أعضاء حركات المقاومة المنظمة «التي تعمل داخل أرضها أو خارجها وحتى لو كانت هذه الأرض واقعة تحت الاحتلال»، وهذا ينطبق على المقاومة الفلسطينية.
في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، تحية للمقاومة الفلسطينية ونضالها المشروع من أجل الحرية والاستقلال وبناء الدولة، تحية للمقاومة الفلسطينية التي استطاعت فرض الهدنة الإنسانية بعد عجز المجتمع الدولي على فرضها، تحية للمقاومة التي فرضت إدخال المساعدات الإنسانية والوقود بعد عجز الجمعية العامة ومجلس الأمن على تنفيذ قراراتهم، تحية للمقاومة التي استطاعت تحرير الأطفال والنساء من سجون الاحتلال. تحية للمقاومة التي أعادت القضية الفلسطينية إلى مكانتها كأولوية عالمية كما يجب أن تكون بعد محاولات طويلة لتذويب القضية.
ستبقى المقاومة الأمل من أجل استعادة حقوقنا المشروعة، وسنبقى دعاة سلام إذ ما أراد الاحتلال السلام العادل والشامل على أساس المبادرة العربية للسلام وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. وهي دعوة للعالم بأسره لإنهاء أبشع احتلال عرفته البشرية وإنقاذ العالم والأطفال من الحروب والدمار، وبناء مستقبل أفضل في عالم أفضل، وكلمة السر هي إنهاء الاحتلال في فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، وإلا سيكتوي العالم بأسره باستمرار الحرب والدمار.
{ رجل أعمال فلسطيني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك