العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ضرورة محاكمة جرائم الحرب الإسرائيلية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الثلاثاء ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬17‭ ‬نوفمبر‭ ‬أعلنت‭ ‬‮«‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬بلاهاي،‭ ‬أنها‭ ‬تلقت‭ ‬طلبات‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬دول،‭ ‬للتحقيق‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬القوة‭ ‬القائمة‭ ‬بالاحتلال‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭. ‬وقال‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬للمحكمة‭ ‬‮«‬كريم‭ ‬خان‮»‬،‭ ‬إنه‭ ‬تلقى‭ ‬طلبًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وبنجلادش،‭ ‬وبوليفيا،‭ ‬وجزر‭ ‬القمر،‭ ‬وجيبوتي‮»‬،‭ ‬للتحقيق‭ ‬في‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فيما‭ ‬تجري‭ ‬المحكمة‭ ‬بالفعل‭ ‬تحقيقًا‭ ‬مستمرًا‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بجرائم‭ ‬حرب‭ ‬ترتكبها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬منذ‭ ‬يونيو‭ ‬2014‭. ‬

وكان‭ ‬رئيس‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬‮«‬سيريل‭ ‬رامافوزا‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬أعلن‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬قد‭ ‬قدمت‭ ‬طلبًا‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬للتحقيق‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬ارتكبتها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وأن‭ ‬بلاده‭ ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ترتكب‭ ‬جرائم‭ ‬‮«‬إبادة‭ ‬جماعية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬استشهد‭ ‬آلاف‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬ودمرت‭ ‬المستشفيات،‭ ‬ومرافق‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم،‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تنتهك‭ ‬قواعد‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬دوليًا،‭ ‬بمقتضى‭ ‬اتفاقيات‭ ‬جنيف‭ ‬لعام‭ ‬1949،‭ ‬التي‭ ‬صادقت‭ ‬عليها‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتم‭ ‬استكمالها‭ ‬بأحكام‭ ‬أصدرتها‭ ‬محاكم‭ ‬دولية‭ ‬معنية‭ ‬بجرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬كما‭ ‬اخترقت‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭. ‬ووفقًا‭ ‬لـمنظمة‭ ‬‮«‬هيومان‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‮»‬،‭ ‬شملت‭ ‬الأفعال‭ ‬التي‭ ‬تستوجب‭ ‬المحاكمة‭ ‬والإدانة،‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬أقوى‭ ‬عمليات‭ ‬قصف‭ ‬منذ‭ ‬75‭ ‬عاما،‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬استشهاد‭ ‬نحو‭ ‬15‭ ‬ألفا‭ (‬بينهم‭ ‬ما‭ ‬يربو‭ ‬على‭ ‬6‭ ‬آلاف‭ ‬طفل،‭ ‬و4‭ ‬آلاف‭ ‬امرأة‭)‬،‭ ‬بينما‭ ‬تجاوز‭ ‬عدد‭ ‬المصابين‭ ‬36‭ ‬ألفا‭ (‬بينهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75%‭ ‬أطفال‭ ‬ونساء‭)‬،‭ ‬وإعلان‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية،‭ ‬فيما‭ ‬قامت‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬بتدمير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية،‭ ‬وخاصة‭ ‬محطات‭ ‬الكهرباء،‭ ‬والمستشفيات،‭ ‬والمدارس،‭ ‬ودُور‭ ‬العبادة،‭ ‬ووضع‭ ‬القطاع‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬2‭.‬3‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬تحت‭ ‬الحصار،‭ ‬ومنعت‭ ‬دخول‭ ‬الغذاء،‭ ‬والدواء،‭ ‬والماء،‭ ‬والوقود،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الضرورية‭. ‬بينما‭ ‬الهدف‭ ‬العام‭ ‬لاتفاقيات‭ ‬‮«‬جنيف‮»‬‭ -‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬القانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي‭- ‬هو‭ ‬حماية‭ ‬المدنيين‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬معاناتهم‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب،‭ ‬وتجريم‭ ‬الحصار‭ ‬حال‭ ‬استهدف‭ ‬مدنيين،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬استهداف‭ ‬الممتلكات‭ ‬المدنية‭ ‬مباشرة‭ ‬محظور‭ ‬تمامًا،‭ ‬وأكدت‭ ‬‮«‬المنظمة‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الرد‭ ‬العسكري‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ليس‭ ‬متناسبًا‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬حماس‭.‬

ويتيح‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬روما‭ ‬الأساسي‮»‬،‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬سلطة‭ ‬قانونية‭ ‬للتحقيق‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬المزعوم‭ ‬ارتكابها‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬مواطنو‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭. ‬فيما‭ ‬تأسست‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬2002،‭ ‬وتشمل‭ ‬ولايتها‭ ‬القضائية‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬والجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬فيها‭ ‬وعددهم‭ ‬123‭ ‬دولة،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬مواطنو‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬تعترف‭ ‬بفلسطين‭ ‬كعضو،‭ ‬وترفض‭ ‬إسرائيل‭ ‬الولاية‭ ‬القضائية‭ ‬لها،‭ ‬ولا‭ ‬تتعامل‭ ‬معها‭ ‬رسميًا؛‭ ‬فإنها‭ ‬تعكف‭ ‬على‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬اتهامات‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬ولم‭ ‬يخلص‭ ‬هذا‭ ‬التحقيق‭ ‬إلى‭ ‬صدور‭ ‬أي‭ ‬أوامر‭ ‬توقيف‭ ‬أو‭ ‬اعتقال‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬

ولم‭ ‬يقتصر‭ ‬تقديم‭ ‬طلب‭ ‬المحاكمة‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الخمس‭ ‬فقط،‭ ‬فقد‭ ‬تقدمت‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬أكتوبر،‭ ‬‮«‬منظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬مغربية‮»‬،‭ (‬الائتلاف‭ ‬المغربي‭ ‬لهيئات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭)‬،‭ ‬و«منظمات‭ ‬حقوقية‭ ‬فلسطينية‮»‬،‭ (‬مؤسسة‭ ‬الحق‭ ‬ومركز‭ ‬الميزان‭ ‬والمركز‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭) ‬في‭ ‬8‭ ‬نوفمبر،‭ ‬وتجمع‭ ‬ضخم‭ ‬من‭ ‬المحامين‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬المحامي‭ ‬الفرنسي‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬جيل‭ ‬نوفير‮»‬‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬نوفمبر،‭ ‬مطالبين‭ ‬المحكمة‭ ‬بإصدار‭ ‬مذكرات‭ ‬توقيف‭ ‬بحق‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬‮«‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬ورئيس‭ ‬الدولة‭ ‬‮«‬إسحاق‭ ‬هيرتزوج‮»‬‭. ‬

وبينت‭ ‬الرسالة‭ ‬في‭ ‬الوقائع‭ ‬التي‭ ‬عرضتها‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات،‭ ‬نية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والتحريض‭ ‬عليها،‭ ‬والجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وشملت‭ ‬إجبار‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬النزوح‭ ‬وتجويعهم‭ ‬عمدًا،‭ ‬وأن‭ ‬عملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬كانت‭ ‬مدمرة‭ ‬وقاتلة‭ ‬للمدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬وسرد‭ ‬البيان‭ ‬استخدامها‭ ‬لأسلحة‭ ‬غير‭ ‬مشروعة،‭ ‬وتدمير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المنازل‭ ‬والمباني‭ ‬المدنية‭ ‬من‭ ‬مستشفيات،‭ ‬ومدارس،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭.‬

وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬والتحركات‭ ‬الشعبية‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬قد‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬‮«‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬تحمل‭ ‬مسؤوليتها‭ ‬في‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬وقال‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الفلسطيني‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬أشتيه‮»‬،‭ ‬ندعو‭ ‬المحكمة‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬أمر‭ ‬اعتقال‭ ‬بحق‭ ‬المجرمين‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬غزة،‭ ‬وذكر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬،‭ ‬يبرر‭ ‬القتل‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬مستشهدًا‭ ‬بنصوص‭ ‬من‭ ‬التوراة‭.‬

وبينما‭ ‬لم‭ ‬تسمح‭ ‬إسرائيل‭ ‬للمدعي‭ ‬العام‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬‮«‬كريم‭ ‬خان‮»‬،‭ ‬بالدخول‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬للاطلاع‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬هناك؛‭ ‬فقد‭ ‬أكد‭ ‬عند‭ ‬معبر‭ ‬رفح‭ ‬الحدودي،‭ ‬ضرورة‭ ‬ضمان‭ ‬‮«‬تمتع‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬خوف‭ ‬ورعب‭ ‬بالحقوق‭ ‬المتساوية،‭ ‬لجهة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الحماية‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬مكتبه‭ ‬عازم‭ ‬على‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق،‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ممكنًا،‭ ‬وحينما‭ ‬كانت‭ ‬لديه‭ ‬ولاية‭ ‬قضائية‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬مارس‭ ‬2021،‭ ‬أعلن‭ ‬مكتب‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬للمحكمة‭ ‬أنه‭ ‬سيبدأ‭ ‬مباشرة‭ ‬تحقيقا‭ ‬بخصوص‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬بمقتضى‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬اختصاص‭ ‬المحكمة،‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬الدائرة‭ ‬الأولى‭ ‬فيها‭ ‬بالأغلبية،‭ ‬أن‭ ‬عليها‭ ‬ممارسة‭ ‬اختصاصها‭ ‬الجنائي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬وأن‭ ‬النطاق‭ ‬الإقليمي‭ ‬لذلك‭ ‬الاختصاص‭ ‬يمتد‭ ‬ليشمل‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية‭.‬

وفي‭ ‬21‭ ‬نوفمبر،‭ ‬ذهبت‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أدلة‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬إسرائيل‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وشددت‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التحقيق‭ ‬فيها،‭ ‬وقالت‭ ‬إن‭ ‬ضرباتها‭ ‬المميتة‭ ‬وغير‭ ‬القانونية‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬نمط‭ ‬موثق‭ ‬من‭ ‬الاستهتار‭ ‬بحياة‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وتُظهر‭ ‬التأثير‭ ‬المدمر‭ ‬للهجوم‭ ‬العسكري‭ ‬غير‭ ‬المسبوق،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬آمن‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وحثت‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬ملموسة‭ ‬وفورية‭ ‬لتسريع‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬وقالت‭ ‬إن‭ ‬تاريخ‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬يشهد‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تحترم‭ ‬أبدًا‭ ‬قواعد‭ ‬الاشتباك،‭ ‬أو‭ ‬القواعد‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬أماكن‭ ‬العبادة،‭ ‬والمدارس،‭ ‬والمستشفيات،‭ ‬أو‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬المدنيون‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭.‬

وفيما‭ ‬كانت‭ ‬فترة‭ ‬أسبوعين‭ ‬كافية‭ ‬للمحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية؛‭ ‬لإصدار‭ ‬مذكرة‭ ‬توقيف‭ ‬بحق‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬‮«‬فلاديمير‭ ‬بوتين‮»‬،‭ ‬بشأن‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية؛‭ ‬فإن‭ ‬شروعها‭ ‬بالتحقيق‭ ‬في‭ ‬التهم‭ ‬الموجهة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬وقادتها‭ ‬السياسيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬لم‭ ‬يُفتح‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭ ‬إلا‭ ‬عام‭ ‬2021؛‭ ‬أي‭ ‬إنها‭ ‬استغرقت‭ ‬6‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬وتحليلها‭ ‬قبل‭ ‬فتح‭ ‬التحقيق،‭ ‬وأهم‭ ‬ما‭ ‬يعرقل‭ ‬فتح‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬انضمامها‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬المحكمة،‭ ‬وعدم‭ ‬اعترافها‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬بولايتها،‭ ‬وعدم‭ ‬اعترافها‭ ‬بفلسطين،‭ ‬ورفضها‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬محققيها‭ ‬الجنائيين‭ ‬أو‭ ‬منحهم‭ ‬تأشيرات‭ ‬دخول،‭ ‬أو‭ ‬إتاحة‭ ‬تنقلهم‭ ‬بحرية‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬الأماكن‭ ‬المزمع‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬فيها،‭ ‬والحديث‭ ‬مع‭ ‬الضحايا‭ ‬والشهود‭.‬

يُذكر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬و«الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬كانتا‭ ‬قد‭ ‬صوتتا‭ ‬في‭ ‬‮«‬الجمعية‭ ‬العامة‮»‬،‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ضد‭ ‬تأسيس‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬عام‭ ‬1998‭. ‬ورغم‭ ‬توقيعهما‭ ‬على‭ ‬قانون‭ ‬المحكمة‭ ‬دون‭ ‬المصادقة‭ ‬عليه،‭ ‬فقد‭ ‬سحبتا‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬في‭ ‬2002،‭ ‬وقامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بشهر‭ ‬سلاح‭ ‬‮«‬معاداة‭ ‬السامية‮»‬‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المحكمة،‭ ‬أو‭ ‬انتقادها‭ ‬لممارساتها،‭ ‬كما‭ ‬حرضت‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬أعضاء‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬تمويلها‭ ‬أو‭ ‬تقليص‭ ‬هذا‭ ‬التمويل،‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ألمانيا،‭ ‬واليابان‭. ‬

وعليه،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تصدر‭ ‬طيلة‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬مذكرات‭ ‬توقيف‭ ‬بحق‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬إسرائيل‭ ‬المتهمين‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬من‭ ‬ذات‭ ‬الاختصاص،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ذهب‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬اختصاص‭ ‬بالانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المزعومة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬القضائي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يتضمن‭ ‬بالفعل‭ ‬ملاحقة‭ ‬المتهمين‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المحاكم‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لم‭ ‬تتحرك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

وكما‭ ‬تبدو‭ ‬الأمور،‭ ‬وقفت‭ ‬الثغرات‭ ‬القانونية،‭ ‬والضغوط‭ ‬السياسية‭ ‬والمالية‭ ‬والإجرائية،‭ ‬سدًا‭ ‬أمام‭ ‬توجيه‭ ‬أي‭ ‬مذكرة‭ ‬توقيف‭ ‬ضد‭ ‬قادة‭ ‬إسرائيل‭ ‬المتهمين‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬وجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وإبادة‭ ‬جماعية‭ ‬وعدوان‭. ‬ورغم‭ ‬موقف‭ ‬‮«‬أيرلندا‮»‬،‭ ‬و«بلجيكا‮»‬،‭ ‬الداعم‭ ‬لفكرة‭ ‬محاسبة‭ ‬‮«‬تل‭ ‬أبيب‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬عمل‭ ‬المحكمة‭ ‬يصطدم‭ ‬بموقف‭ ‬متشدد‭ ‬من‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬وحلفائها‭ ‬الأوروبيين‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬المحكمة،‭ ‬خاصة‭ ‬ألمانيا،‭ ‬والأمل‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تسرع‭ ‬الضغوط‭ ‬الدولية‭ ‬والشعبية‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬هذا‭ ‬التحدي،‭ ‬والشروع‭ ‬بمحاكمة‭ ‬قادة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬قدم‭ ‬عضو‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي،‭ ‬الإسباني‭ ‬‮«‬مانو‭ ‬ميتيدا‮»‬،‭ ‬ملفًا‭ ‬كاملاً‭ ‬للمحكمة‭ ‬يتضمن‭ ‬انتهاكات‭ ‬ضد‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وجرائم‭ ‬حرب‭ ‬ارتكبتها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مطالبًا‭ ‬بمعاقبة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭. ‬كما‭ ‬طالبت‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش‮»‬،‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬‮«‬المحكمة‮»‬،‭ ‬بالإعراب‭ ‬عن‭ ‬دعمهم‭ ‬لدورها،‭ ‬معربة‭ ‬عن‭ ‬استهجانها‭ ‬لتناقض‭ ‬الاستجابة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأوضاع‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أيضًا‭ ‬ليست‭ ‬عضوًا‭ ‬في‭ ‬المحكمة،‭ ‬كما‭ ‬بينت‭ ‬أن‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬للمحكمة‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬بيانًا‭ ‬عامًا‭ ‬استباقيًا،‭ ‬يذكر‭ ‬فيه‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وبولاية‭ ‬المحكمة‭ ‬للتحقيق‭ ‬في‭ ‬أفعالها،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬صوتها‭ ‬للمساعدة‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الفظائع‭ ‬التي‭ ‬ترتكبها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬في‭ ‬وصول‭ ‬الضحايا‭ ‬للعدالة،‭ ‬هي‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬مقبول،‭ ‬وأن‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬الماضية‭ ‬قد‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬انتهاكات‭ ‬اليوم‭.‬

وارتباطا‭ ‬بهذه‭ ‬المطالبات‭ ‬والضغوط‭ ‬كان‭ ‬المدعي‭ ‬العام‭ ‬للمحكمة‭ ‬قد‭ ‬قام‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬بزيارة‭ ‬مصر،‭ ‬وتوجه‭ ‬إلى‭ ‬معبر‭ ‬رفح‭ ‬البري،‭ ‬واطلع‭ ‬على‭ ‬العراقيل‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬إسرائيل‭ ‬لمنع‭ ‬وصول‭ ‬المساعدات،‭ ‬وصرح‭ ‬أن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تعلم‭ ‬أنها‭ ‬انتهكت‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬بحربها‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وأن‭ ‬عرقلتها‭ ‬المساعدات‭ ‬تشكل‭ ‬جريمة‭ ‬حرب،‭ ‬معبرًا‭ ‬عن‭ ‬حزنه‭ ‬لاستهداف‭ ‬الأطفال،‭ ‬مبينًا‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬ستجري‭ ‬تحقيقًا‭ ‬حول‭ ‬أي‭ ‬جرائم‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬ارتكابها‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬طبقًا‭ ‬للمادة‭ (‬58‭)‬،‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬يجوز‭ ‬للمدعي‭ ‬العام‭ ‬إصدار‭ ‬أوامر‭ ‬إلقاء‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬أشخاص‭ ‬يشتبه‭ ‬في‭ ‬ارتكابهم‭ ‬جرائم‭ ‬داخلة‭ ‬في‭ ‬اختصاص‭ ‬المحكمة،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬شيء،‭ ‬ومازال‭ ‬مجرمو‭ ‬الحرب‭ ‬مطلقي‭ ‬الصراح،‭ ‬ومازالوا‭ ‬يقودون‭ ‬إسرائيل‭ ‬لارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬قانونًا‭.. ‬فهل‭ ‬يدفع‭ ‬عجز‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬محاكمة‭ ‬دولية‭ ‬شعبية‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬العالمي،‭ ‬تضعف‭ ‬مكانة‭ ‬إسرائيل‭ ‬الدولية،‭ ‬أم‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬نحو‭ ‬موضوع‭ ‬أكثر‭ ‬اتساعًا‭ ‬وهو‭ ‬إصلاح‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬برمته‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا