لا شك إن من مقومات التجربة الديمقراطية البحرينية التي جاء بها المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم أيده الله وجود هيئات رقابية تمارس دورا مهما في الرقابة والمراجعة المهنية الموضوعية الدقيقة التي تضع ممارسات السلطة التنفيذية بوزاراتها وهيئاتها تحت منظار المراجعة الدائمة والمستمرة.
ويشكل ديوان الرقابة المالية والإدارية أهم مرجع سنوي لرصد صورة مفصلة لإدارة الأجهزة الحكومية المختلفة ومدى التزامها بالضوابط والقوانين المالية والإدارية وذلك بهدف رصد المخالفات وإزالتها وإحاطة السلطة السياسية والرأي العام وممثلي الشعب في البرلمان بالأداء الحكومي ولذلك شكلت تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية سنويا خلال السنوات الماضية مصدرا مهما للرقابة وأداة جوهرية للمراجعة والمحاسبة خاصة في ظل الاستقلالية الكاملة لعمل ديوان الرقابة وفي ظل الاهتمام الكبير الذي تحظى به تقاريره من لدن القيادة الحكيمة يحفظها الله ويرعاها وفي ظل المصداقيات التي يستشعرها الجميع في هذا التقارير القائمة على ترسيخ مبادئ النزاهة والأمانة والمهنية بما يسهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة في وطننا العزيز وتعديل أي خلل وردع أي تجاوزات مهما كان شكلها وحجمها.
إن اللافت في التقرير الجديد وخاصة ما اطلعنا عليه من ملاحظات كثيرة تضمنها هذا التقرير الضخم أكد ثلاث نقاط مهمة بالنسبة إلى المجتمع:
الأولى: الأداء المهني رفيع المستوى لتقارير الرقابة التي شملت 108 جهات من الجهات الحكومية الرسمية وأنجزت 106 مهام من المهمات الأساسية وأعدت 160 تقريرا و109 تقارير متابعة للتأكد من قيام الجهات التي شملتها الرقابة بتنفيذ التوصيات التي تم ذكرها في تقارير السنوات السابقة إضافة إلى مئات التوصيات ومئات الاجتماعات والعديد من الزيارات الميدانية والمعاينة للممارسات في الوزارات والهيئات وغيرها، ولا شك أن هذا الجهد في حد ذاته يستحق الإشادة والتقدير ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك على نجاح ديوان الرقابة المالية والإدارية باعتباره جهازا مستقلا فعالا ومفيدا للدولة والمجتمع على حد سواء.
ثانيا: استمرار وجود العديد من الملاحظات والمخالفات في عديد من الجهات الرسمية أو شبه الرسمية بما يعني في نهاية المطاف الحاجة إلى المزيد من المتابعة والتوجيه والتوصية بتعديل الأوضاع الخاطئة وتحميل مرتكبيها المسؤولية الإدارية والقانونية على حد سواء خاصة إن ديوان الرقابة منذ إنشائه يتبع سياسة إيجابية ليس هدفها التقليل من جهد الجهات والمؤسسات والهيئات المختلفة وإنما مساعدتها على التزام الطريق إداريا وماليا والارتقاء بالأداء وأيضا وضع الإصبع على موضع الخطأ سواء أكان ذلك في ميدان الصحة أو التعليم أو التعليم العالي أو البلديات أو العمل أو الإسكان أو السياحة أو الصناديق والهيئات والمؤسسات ذات العلاقة للكشف عن أي مخالفات أو قصور للضرب على يد مرتكبيه واتخاذ الإجراءات المناسبة للمحاسبة والمعاقبة إن لزم الأمر.
ثالثا: بالنسبة إلى المجتمع البحريني ومؤسساته مثل الجهات السياسية والصحافة المحلية ومجلسي النواب والشورى فإن هذا التقرير السنوي يضمن «ثروة» من المعلومات والبيانات المهمة التي يتعرف من خلالها الشعب والنواب على وضع هذه الجهات وإداراتها ويكون له مواقف مناسبة للضغط على هذه الأجهزة والمؤسسات لإصلاح نفسها بنفسها وعدم ارتكاب هذه الأخطاء مرة ثانية.
إن الرقابة المالية والإدارية تحقق ولا شك نتائج مهمة وكبيرة وتعزز دور المجلس النيابي لتحقيق المساءلة بما يزيد من الضغط على مرتكبي الأخطاء والمخالفات الذين يقصرون في أداء مهامهم وأعمالهم وهي محدودة ولكنها وفي جميع الأحوال تحتاج إلى وقفة ومحاسبة مهما كانت محدوديتها هكذا يكون ديوان الرقابة المالية والإدارية قد أوفى بما وعد به والتزم ما وعد بتحقيقه في إطار المهام التي حددها القانون.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك