العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مغزى عودة شعار «فلسطين من النهر إلى البحر»

بقلم: د. دلال البزري

السبت ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

‮«‬فلسطين‭ ‬الحرة‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‮»‬‭... ‬شعار‭ ‬مهم‭ ‬يحضر‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬فعاليات‭ ‬وتظاهرات‭ ‬وكلمات‭ ‬متضامنة‭ ‬مع‭ ‬غزّة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ضد‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عليهما‭. ‬ليس‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬حيث‭ ‬الممنوع‭ ‬والمسموح‭ ‬تُحدَّد‭ ‬أحجامهما‭ ‬بميزان‭ ‬من‭ ‬ذهب،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬للشعار‭ ‬أن‭ ‬يحلّ‭ ‬مرّة‭ ‬بحساب،‭ ‬ويُحْجَب‭ ‬مرّة‭ ‬بحساب‭ ‬آخر‭. ‬إنما‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الأوروبي‭ ‬والأمريكي،‭ ‬وربما‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬إلينا‭ ‬صداه‭ ‬كما‭ ‬نتمنّى،‭ ‬أو‭ ‬يصل‭ ‬مغبَّشاً‭.‬

شعار‭ ‬خطير‭: ‬أول‭ ‬من‭ ‬أوصله‭ ‬إلى‭ ‬أروقة‭ ‬الحكم‭ ‬الأمريكي،‭ ‬كانت‭ ‬رشيدة‭ ‬طليب،‭ ‬النائبة‭ ‬الوحيدة‭ ‬ذات‭ ‬الأصول‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭. ‬في‭ ‬شريط‭ ‬فيديو‭ ‬تكلّمت‭ ‬النائبة‭. ‬ودانت‭ ‬سياسة‭ ‬رئيسها‭ ‬بايدن،‭ ‬متّهمة‭ ‬إياه‭ ‬بأنه‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬الإبادة‭. ‬وختمت‭ ‬كلمتها‭ ‬بشعار‭ ‬‮«‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر،‭ ‬فلسطين‭ ‬ستكون‭ ‬حرّة‮»‬،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬اقتراح‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬المندوبين‭ ‬بحجب‭ ‬الثقة‭ ‬عنها،‭ ‬لأنها‭ ‬‮«‬تدعو‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬ووفق‭ ‬الادعاء‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الشعار‭ ‬‮«‬معادٍ‭ ‬للسامية‭ ‬ومؤذٍ‮»‬‭. ‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬كان‭ ‬النائب‭ ‬العمّالي‭ ‬البريطاني،‭ ‬آندي‭ ‬ماكدونالد،‭ ‬يصرّح‭: ‬‮«‬لن‭ ‬نرتاح،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتمكَّن‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬والفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬بسلام‭ ‬وحرية،‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭...‬‮»‬‭. ‬بعد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬جُمِّدت‭ ‬عضويته‭ ‬في‭ ‬حزبه،‭ ‬مدة‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬التحقيق‭ ‬بـ«النهر‭ ‬والبحر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يقصده‭.‬

وزيرة‭ ‬الداخلية‭ ‬البريطانية،‭ ‬سويلا‭ ‬برافرمان،‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬تحذيرية‭ ‬إلى‭ ‬الشرطة‭ ‬من‭ ‬التظاهرات‭ ‬المتضامنة‭ ‬مع‭ ‬فلسطين،‭ ‬والتي‭ ‬كلّفتها‭ ‬الإقالة‭ ‬من‭ ‬منصبها‭... ‬كتبت،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تحريضها‭ ‬عليها‭: ‬‮«‬أشجّع‭ ‬الشرطة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬بشعار‭ ‬‮«‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬ستكون‭ ‬فلسطين‭ ‬حرّة‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬شعارٌ‭ ‬يجب‭ ‬فهمه‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬الرغبة‭ ‬العنيفة‭ ‬بمسح‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬الخريطة‭...‬‮»‬‭.‬

هذه‭ ‬أمثلة‭ ‬من‭ ‬عشرات‭. ‬حيث‭ ‬ترى‭ ‬وجوهاً‭ ‬تغزو‭ ‬الفضاء‭ ‬الإعلامي‭ ‬بـ«النهر‭ ‬والبحر‭...‬‮»‬،‭ ‬وتُعاقَب‭. ‬وصار‭ ‬الشعار‭ ‬ممنوعاً‭ ‬رفْعُه‭ ‬في‭ ‬تظاهرات‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬مثل‭ ‬ألمانيا‭ (‬أضافت‭ ‬الكوفية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬محظوراتها‭)‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬النمسا‭ ‬وهولندا‭. ‬وربما‭ ‬حكومات‭ ‬أخرى،‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مسامعنا‭.‬

يعود‭ ‬هذا‭ ‬الشعار‭ ‬إلى‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬أحمد‭ ‬الشقيري‭. ‬آزره‭ ‬المذيع‭ ‬المصري‭ ‬الشهير‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وستينياته،‭ ‬أحمد‭ ‬سعيد‭. ‬وبقيت‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬جاءت‭ ‬مرحلة‭ ‬السلام‭ ‬العابر‭ ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وتسعينياته،‭ ‬عندما‭ ‬تبنّت‭ ‬المنظمة‭ ‬حل‭ ‬‮«‬الدولتين‮»‬‭.‬

‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬القطيعة‭ ‬بين‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬والإمام‭ ‬الخميني،‭ ‬ففيما‭ ‬كان‭ ‬الأخير‭ ‬قد‭ ‬تبنّى‭ ‬الشعار‭: ‬‮«‬فلسطين‭ ‬هي‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬النّهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬عرفات‭ ‬يشْرع‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التسوية‭ ‬ويتبنّى‭ ‬الدولتين،‭ ‬أي‭ ‬فلسطين‭ ‬بالأراضي‭ ‬التي‭ ‬احتُلّت‭ ‬عام‭ ‬1967‭ (‬السببان‭ ‬الآخران‭ ‬للقطيعة‭: ‬رفض‭ ‬عرفات‭ ‬التقرّب‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬حافظ‭ ‬الأسد،‭ ‬ودعمه‭ ‬صدّام‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الإيرانية‭ ‬‭ ‬العراقية‭).‬

اعتبرت‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬هذا‭ ‬التخلّي‭ ‬عن‭ ‬‮«‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭...‬‮»‬‭ ‬بمثابة‭ ‬خيانة‭ ‬وطنية‭. ‬في‭ ‬وثيقتها‭ ‬الأولى،‭ ‬وكان‭ ‬الإعلان‭ ‬صريحا‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬اللاحقة،‭ ‬تأخذ‭ ‬مسافتها‭ ‬من‭ ‬الشعار‭: ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تتبنّه‭ ‬في‭ ‬ميثاقها‭ ‬الصادر‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬لتعلن‭ ‬مثلاً‭ ‬أن‭ ‬صراعها‭ ‬هو‭ ‬مع‭ ‬الصهيونية‭ ‬وليس‭ ‬مع‭ ‬اليهود‭. ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أعلنت‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬قبولها‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬وافق‭ ‬عليها‭ ‬عرفات‭.‬

لكن‭ ‬الشعار‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬لسان‭ ‬قادتها‭. ‬رئيس‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ (‬السابق‭) ‬لحركة‭ ‬حماس،‭ ‬خالد‭ ‬مشعل،‭ ‬مدفوعاً‭ ‬ربما‭ ‬بحماسة‭ ‬الخطابة،‭ ‬يعلن‭ ‬عام‭ ‬2012‭: ‬‮«‬فلسطين‭ ‬لنا،‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر،‭ ‬من‭ ‬الجنوب‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‭. ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نتراجع‭ ‬عن‭ ‬أية‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬أرضنا‮»‬‭.‬

علماً‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تحمل‭ ‬الشعار‭ ‬ذاته،‭ ‬ولكن‭ ‬مقلوباً‭. ‬حزب‭ ‬الليكود،‭ ‬في‭ ‬وثيقته‭ ‬لعام‭ ‬1977،‭ ‬ورفضاً‭ ‬لقيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬جانبها،‭ ‬ينصّ‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬بنوده‭: ‬‮«‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬سوى‭ ‬سيادة‭ ‬إسرائيلية‮»‬‭. ‬لم‭ ‬يتبنّ‭ ‬الكنيست‭ ‬هذا‭ ‬الشعار،‭ ‬فبقي‭ ‬هائماً،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عاد‭ ‬إليه‭ ‬الكنيست‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬ووافق‭ ‬عليه،‭ ‬بعبارات‭ ‬أخرى،‭ ‬تنصّ‭ ‬على‭ ‬‮«‬حقّ‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭ ‬بصفتها‭ ‬دولة‭ ‬فريدة‭ ‬للشعب‭ ‬اليهودي‮»‬‭... ‬أضف‭ ‬إليها‭ ‬الآن‭ ‬الائتلاف‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرّف‭ ‬الحاكم‭.‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬أشاع‭ ‬هذا‭ ‬الشعار،‭ ‬‮«‬من‭ ‬النهر‭ ‬الى‭ ‬البحر‭...‬‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬غزّة‭ ‬بالذات؟‭ ‬المرْوحة‭ ‬الواسعة‭ ‬من‭ ‬المؤيدين‭ ‬والمتضامين‭ ‬والناشطين‭ ‬المتظاهرين‭ ‬والشخصيات‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬وأهل‭ ‬غزّة،‭ ‬ضد‭ ‬التمادي‭ ‬المنفلت‭ ‬من‭ ‬عقاله‭ ‬للشراسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬عدوانها‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وأهلها‭.‬

أولاً‭: ‬مسلمون‭ ‬وإسلاميون‭ ‬وشرقيون،‭ ‬وبعض‭ ‬حكّام‭ ‬دول‭ ‬مسلمة،‭ ‬أو‭ ‬يعتنق‭ ‬سكانها‭ ‬الإسلام‭. ‬ومسيحيون‭ ‬مؤمنون‭ ‬من‭ ‬حجّاج‭ ‬القدس،‭ ‬أو‭ ‬معادون‭ ‬للعنف‭. ‬وقد‭ ‬أضاف‭ ‬إليهم‭ ‬البابا‭ ‬فرانسيس‭ ‬نبْرته‭ ‬السلمية‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭. ‬ويهود،‭ ‬وبعض‭ ‬اليهودية‭ ‬السياسية،‭ ‬الأرثوذكسية،‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬نشأة‭ ‬إسرائيل‭ ‬مخالَفة‭ ‬لتعاليم‭ ‬التوراة‭. ‬ثم‭ ‬علمانيون،‭ ‬يساريون،‭ ‬من‭ ‬آفاق‭ ‬مختلفة‭. ‬تسببّ‭ ‬الشعار‭ ‬لبعضهم‭ ‬بانشقاقاتٍ‭ ‬في‭ ‬صفوفهم‭ ‬ونقاشاتٍ‭ ‬لا‭ ‬تهدأ‭ (‬الفرنسيون‭ ‬والبريطانيون،‭ ‬وربما‭ ‬غيرهم‭). ‬ومعادون‭ ‬للعنصرية‭ ‬بأشكالها‭ ‬كافة،‭ ‬وإثنيات‭ ‬مضطهدة‭ ‬في‭ ‬ديارها‭ ‬الأصلية،‭ ‬مثل‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭ ‬الأمريكيين‭. ‬وحركات‭ ‬عاملة‭ ‬على‭ ‬تقرير‭ ‬مصيرها‭ ‬بنفسها،‭ ‬مثل‭ ‬الكشمْيريين‭ ‬أو‭ ‬الإيرلنديين‭. ‬ومؤسّسات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الخاصة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وبالصحة‭. ‬وجمعيات‭ ‬مدنية‭ ‬إغاثية‭ ‬عالمية،‭ ‬غير‭ ‬حكومية،‭ ‬أو‭ ‬منظمّات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬وتيارات‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حداثية‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬استعمارية‭. ‬والأكثر‭ ‬نشاطاً‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬طلاب‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬الذين‭ ‬حوّلوا‭ ‬حرَم‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬مجال‭ ‬للجيل‭ ‬المسمّى‭ ‬‮«‬زِدْ‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬استنفر‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬في‭ ‬حروبٍ‭ ‬سابقة‭ ‬على‭ ‬غزّة‭. ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أحزاب‭ ‬ذات‭ ‬تاريخ‭ ‬في‭ ‬مناهضة‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وشخصيات‭ ‬وفلاسفة‭ ‬ومؤثّرين‭ ‬ومؤرّخين،‭ ‬ومثقفين‭ ‬وإعلاميين‭.‬

هذه‭ ‬المرْوحة‭ ‬المتنوعة‭ ‬من‭ ‬البشرية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬تصرُخ‭ ‬في‭ ‬الساحات‭ ‬مع‭ ‬المتظاهرين‭ ‬‮«‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭...‬‮»‬‭. ‬والفروقات‭ ‬بينها‭ ‬شاسعة‭. ‬هذا‭ ‬التنوّع‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬أو‭ ‬العقيدة،‭ ‬يغيّر‭ ‬المضمون‭ ‬الأصلي‭ ‬لشعار‭ ‬‮«‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‮»‬،‭ ‬ويجعله‭ ‬قابلاً‭ ‬لتفسيرٍ‭ ‬خاصٍّ‭ ‬لكل‭ ‬فئة‭ ‬بعينها‭.‬

اتجاهات‭ ‬داخل‭ ‬التيار‭ ‬الإسلامي،‭ ‬مثلاً،‭ ‬قد‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشعار‭ ‬استبعادا‭ ‬لليهود‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية،‭ ‬وتكريسا‭ ‬لوجود‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭. ‬وإذا‭ ‬عدّل‭ ‬من‭ ‬الفكرة،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬تعديله‭ ‬تكتيكياً،‭ ‬ديبلوماسياً،‭ ‬لا‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬عمقها،‭ ‬ولا‭ ‬يخوضُ‭ ‬نقاشاً‭ ‬لبلورتها‭. ‬

ومع‭ ‬الاتجاه‭ ‬الإسلامي،‭ ‬سيأتي‭ ‬النظير‭ ‬اليهودي،‭ ‬الحداثوي‭ ‬العلماني‭ ‬الديموقراطي‭ ‬الليبرالي‭ ‬المعادي‭ ‬للعنصرية‭ ‬وللاضطهاد،‭ ‬والداعي‭ ‬إلى‭ ‬الحرّية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقوق‭ ‬الشعوب‭ ‬بتقرير‭ ‬مصيرها‭.. ‬ليملأ‭ ‬الشعار‭ ‬بالمعاني‭ ‬أو‭ ‬العبارات‭ ‬المترِجمة‭ ‬لفكرته،‭ ‬أو‭ ‬لينقدها‭ ‬أو‭ ‬يفكِّكها‭. ‬وهكذا‭.‬

في‭ ‬جوابها‭ ‬عن‭ ‬الإجراء‭ ‬المسْلكي‭ ‬ضدها‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬تُدافع‭ ‬النائبة‭ ‬رشيدة‭ ‬طليب‭ ‬عن‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬من‭ ‬النهر‭...‬‮»‬‭. ‬فتقول‭: ‬‮«‬هذا‭ ‬الشعار‭ ‬هو‭ ‬مناشدة‭ ‬طموحة‭ ‬للحرية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لا‭ ‬للموت‭ ‬والدمار‭ ‬أو‭ ‬الحقد‮»‬‭. ‬إنه‭ ‬يعني‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭: ‬‮«‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬يهودية‭ ‬فلسطينية‭ ‬مزدوجة‭ ‬القومية‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬الآن‭ ‬إسرائيل‭ ‬والضفّة‭ ‬وغزّة‮»‬‭.‬

تنْشد‭ ‬معظم‭ ‬الهيئات‭ ‬الرسمية‭ ‬والحزبية‭ ‬حلّ‭ ‬الدولتين‭. ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬بحدود‭ ‬الـ‭ ‬1967،‭ ‬ودولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحدود‭ ‬1948‭. ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬يقارب‭ ‬عمره‭ ‬نصف‭ ‬القرن‭. ‬ولم‭ ‬يفلح‭ ‬بغير‭ ‬تآكل‭ ‬الأمل‭ ‬بالسلم،‭ ‬أو‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭. ‬أي‭ ‬الفشل،‭ ‬والفراغ‭. ‬وجاء‭ ‬‮«‬من‭ ‬النهر‭...‬‮»‬‭ ‬ليملأ‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ،‭ ‬فصار‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬نقاشٍ‭ ‬جدّي‭. ‬يغرف‭ ‬من‭ ‬الرؤى‭ ‬الجديدة‭ ‬القديمة‭ ‬مشروعاً‭ ‬مديداً‭ ‬صعباً،‭ ‬ولكن‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يبدأ‭ ‬التفكير‭ ‬فيه‭ ‬بشكل‭ ‬جدي،‭ ‬بعد‭ ‬توقّف‭ ‬آلة‭ ‬القتل‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

 

{‭ ‬كاتبة‭ ‬وأكاديمية‭ ‬لبنانية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا