العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

فلسفة الاستثناء القانوني في قطاع غزة (صوت الإنسان المُستباح)

بقلم: د. علي فيصل الصديقي

السبت ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬الموجزة،‭ ‬سوف‭ ‬أستعرض‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬المساهمات‭ ‬النقديّة‭ ‬المُعاصرة‭ ‬حول‭ ‬النظرية‭ ‬السياسية‭ ‬وفلسفة‭ ‬القانون‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الحقوقي‭ ‬الغربي،‭ ‬وهي‭ ‬مساهمة‭ ‬أستاذ‭ ‬الفلسفة‭ ‬السياسية‭ ‬الإيطالي‭ ‬جورجيو‭ ‬أغامبين‭ ‬Giorgio‭ ‬Agamben‭ (‬مواليد‭ ‬1942م‭) ‬عندما‭ ‬طرح‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ (‬حالة‭ ‬الاستثناء‭) ‬وكتاب‭ (‬المنبوذ‭: ‬السلطة‭ ‬السيادية‭ ‬والحياة‭ ‬العارية‭) ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مساهمات‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلته‭ ‬الشهيرة‭ ‬التي‭ ‬سخرها‭ ‬لدراسة‭ ‬من‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الإنسان‭ ‬المستباح‭ ‬Homo‭ ‬Sacer‮»‬‭ ‬بغرض‭ ‬إجراء‭ ‬تحليل‭ ‬لأشكال‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والمراكز‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬يخضع‭ ‬لها‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬ضمن‭ ‬حالات‭ ‬الطوارئ‭ ‬أو‭ ‬حالات‭ ‬تعليق‭ ‬القانون‭. ‬ففي‭ ‬هذين‭ ‬الكتابين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬يعالج‭ ‬أغامبين‭ ‬إحدى‭ ‬معضلات‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬والقانوني‭ ‬المُعاصر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يُوقع‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬أو‭ ‬الجماعات‭ ‬ضمن‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الإنسان‭ ‬المُستباح‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬به‭: ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬ضدّه‭ ‬حكم‭ ‬قضائيّ‭ ‬بالإعدام،‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لو‭ ‬نُفذ‭ ‬فيه‭ ‬الإعدام‭ (‬فعل‭ ‬القتل‭) ‬فلا‭ ‬تكون‭ ‬هنالك‭ ‬جريمة‭ ‬على‭ ‬قاتله‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنّ‭ ‬دمه‭ ‬مهدور،‭ ‬والسبب‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬إنما‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تُوصف‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬خارج‭ ‬القانون‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬يُعلق‭ ‬فيها‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬بوصفه‭ ‬حالةً‭ ‬استثنائية‭. ‬وقد‭ ‬استشهد‭ ‬فيلسوفنا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أعماله‭ ‬اللاحقة‭ ‬عند‭ ‬دراسته‭ ‬لحالة‭ ‬الاستثناء‭ ‬بما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬معسكرات‭ ‬الاعتقال‭ ‬الجماعي‭ ‬مثلما‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬معسكر‭ ‬غوانتامو‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬يعيشها‭ ‬المهاجرون‭ ‬المضطهدون‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ (‬الذين‭ ‬يغرق‭ ‬كثيرٌ‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬البحر‭) ‬فهم‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يخضعون‭ ‬لنفس‭ ‬النظام‭ ‬القانوني‭ ‬الذي‭ ‬يخضع‭ ‬له‭ ‬الإنسان‭ ‬الطبيعي‭ ‬أو‭ ‬الذات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الطبيعية‭. ‬

وبتطبيق‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬عدوانية‭ ‬يمارس‭ ‬فيها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الاستعماري‭ ‬سياساته‭ ‬التمييزية‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬وجرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ضد‭ ‬مواطني‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬خصوصًا‭. ‬لهذا‭ ‬سوف‭ ‬نجد‭ ‬أنّ‭ ‬حالة‭ ‬الاستثناء‭ (‬القانون‭ ‬المعلق‭) ‬هي‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬الأبرياء،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنّهم‭ ‬نموذج‭ ‬تطبيقي‭ ‬وعملي‭ ‬لنظريته‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الإنسان‭ ‬المُستباح‮»‬‭ ‬فلا‭ ‬هم‭ ‬جُناةٌ‭ ‬يستحقون‭ ‬ما‭ ‬يواجهون،‭ ‬ولا‭ ‬هم‭ ‬ذواتٌ‭ ‬قانونيةٌ‭ ‬معترفٌ‭ ‬بها‭ ‬لدى‭ ‬سلطة‭ ‬القانون‭ ‬بحيث‭ ‬يستحق‭ ‬قاتلهم‭ ‬العقاب‭. ‬ولعمرك‭ ‬إنّ‭ ‬ما‭ ‬صرّح‭ ‬به‭ ‬وزير‭ ‬دفاع‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬مجرّد‭ ‬حيوانات،‭ ‬خير‭ ‬شاهدٍ‭ ‬على‭ ‬النزعة‭ ‬العنصرية‭ ‬والنظرة‭ ‬الدونية‭ ‬لدى‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬تجاه‭ ‬أهل‭ ‬غزة،‭ ‬وبالضرورة‭ ‬‭ ‬طبقًا‭ ‬لتصريحه‭ ‬‭ ‬فإنهم‭ ‬لا‭ ‬يستحقون‭ ‬معاملةً‭ ‬قانونيةً‭ ‬كما‭ ‬تستحقها‭ ‬الذات‭ ‬القانونية‭ ‬الطبيعية‭. ‬فقادة‭ ‬الكيان‭ ‬لا‭ ‬يتقبّلون‭ ‬دروسًا‭ ‬في‭ ‬الأخلاق‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬بشر‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الاستثناء‮»‬‭ ‬بعينه‭.‬

لم‭ ‬يكتف‭ ‬أغامبين‭ ‬بعرض‭ ‬نظريته‭ ‬تلك،‭ ‬بل‭ ‬فاجأنا‭ ‬بتعليق‭ ‬وضعه‭ ‬في‭ ‬مدونته‭ ‬الإلكترونية‭ ‬بتاريخ‭ (‬30‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023م‭) ‬قال‭ ‬فيه‭ ‬نصًا‭: (‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة،‭ ‬أعلن‭ ‬علماء‭ ‬بكلية‭ ‬علوم‭ ‬النبات‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬أنهم‭ ‬سجّلوا،‭ ‬باستخدام‭ ‬ميكروفونات‭ ‬خاصة‭ ‬حساسة‭ ‬نحو‭ ‬الموجات‭ ‬فوق‭ ‬الصوتية،‭ ‬صرخات‭ ‬الألم‭ ‬التي‭ ‬تُطلقها‭ ‬النباتات‭ ‬عندما‭ ‬تُقطّع‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬تشحّ‭ ‬المياه‭. ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬ميكروفونات‭) ‬انتهى‭ ‬النص‭.‬

يستحضر‭ ‬هنا‭ ‬أغامبين‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬يصدرها‭ ‬قادة‭ ‬الكيان،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬يهتم‭ ‬بحقوق‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬النباتية،‭ ‬فما‭ ‬باله‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬بحقوق‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬الأبرياء‭ ‬القابعين‭ ‬في‭ ‬معسكر‭ ‬الاعتقال‭ ‬الكبير‭. ‬فهم‭ ‬يصرخون‭ ‬وصوت‭ ‬صريخهم‭ ‬يُسمع‭ ‬دون‭ ‬ميكروفونات‭ ‬حساسة‭. ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم،‭ ‬الذي‭ ‬يتساقط‭ ‬فيه‭ ‬قناع‭ ‬الإنسانية‭ ‬ومبادئ‭ ‬الحقوق‭ ‬المتساوية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬واحدةً‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬يُسمع‭ ‬صوت‭ ‬الإنسان‭ ‬المُستباح‭ ‬وهو‭ ‬يذوق‭ ‬طعم‭ ‬الموت،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬تسري‭ ‬عليه‭ ‬أحكام‭ ‬مواثيق‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لأنّ‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬‭ ‬في‭ ‬تصوّرهم‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬القانوني،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬خارج‭ ‬النظام‭ ‬القانوني‭ ‬الموضوعي‭ ‬المرتبط‭ ‬بشخصية‭ ‬الإنسان‭ ‬أصلا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا