العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حرب غزة كشفت عن وجه إسرائيل العنصري الهمجي

بقلم: د. رمزي بارود

الجمعة ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لقد‭ ‬قام‭ ‬جيل‭ ‬كامل،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أكثر،‭ ‬ببناء‭ ‬تصور‭ ‬لإسرائيل‭ ‬كنظام‭ ‬عنصري‭ ‬يكرس‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬ولن‭ ‬يقلل‭ ‬أي‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬المستقبلية،‭ ‬أو‭ ‬أفلام‭ ‬هوليوود‭ ‬أو‭ ‬مجلة‭ ‬مكسيم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭.‬

وفي‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬11‭ ‬نوفمبر‭ ‬2023،‭ ‬ادعى‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬دانييل‭ ‬هاغاري‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬صحفي‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قتلت‭ ‬‮«‬إرهابيًّا‮»‬‭ ‬منع‭ ‬1000‭ ‬مدني‭ ‬من‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬مستشفى‭ ‬الشفاء‭.‬

هذه‭ ‬الادعاءات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬منطقية‭. ‬وحتى‭ ‬بمعايير‭ ‬الدعاية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فإن‭ ‬تزوير‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬أي‭ ‬سياق‭ ‬أو‭ ‬دليل،‭ ‬يسهم‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬تدهور‭ ‬مصداقية‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الدولية‭ ‬والصورة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭.‬

وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬بيوم‭ ‬واحد‭ ‬فقط،‭ ‬نقلت‭ ‬شبكة‭ ‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‭ ‬عن‭ ‬مسؤول‭ ‬أمريكي‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬اسمه‭ ‬قوله،‭ ‬في‭ ‬برقية‭ ‬دبلوماسية‭: ‬‮«‬إننا‭ ‬نخسر‭ ‬بشدة‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬معركة‭ ‬الرسائل‭ ‬الإعلامية‮»‬‭.‬

وكان‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬السمعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬يرثى‭ ‬لها‭ ‬بسبب‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأعمى‭ ‬لإسرائيل‭.‬

ويمكن‭ ‬رؤية‭ ‬هذا‭ ‬العجز‭ ‬في‭ ‬المصداقية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭. ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬يفقد‭ ‬مصداقيته‭ ‬بين‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬وفقا‭ ‬لاستطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬العامة‭ ‬المختلفة،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬المؤسسة‭ ‬السياسية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بأكملها‭ ‬تفقد‭ ‬ثقة‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬العاديين‭ ‬أيضا‭.‬

وحسب‭ ‬النكتة‭ ‬الشائعة‭ ‬بين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬فإن‭ ‬القادة‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬يقلدون‭ ‬القادة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬العربية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬السابقة،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬اللغة،‭ ‬والانتصارات‭ ‬الزائفة،‭ ‬والمكاسب‭ ‬غير‭ ‬المبررة‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬العسكرية‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تدفع‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الجبهات‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الأيام‭ ‬الستة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬1967،‭ ‬بدعم‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغرب،‭ ‬كانت‭ ‬قيادة‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬تعلن‭ ‬عبر‭ ‬الراديو‭ ‬أنها‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬بوابات‭ ‬تل‭ ‬أبيب‮»‬‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الصورة‭ ‬قد‭ ‬انعكست‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭. ‬يقدم‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬وأبو‭ ‬حمزة،‭ ‬المتحدثان‭ ‬العسكريان‭ ‬باسم‭ ‬كتائب‭ ‬القسام‭ ‬وسرايا‭ ‬القدس‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬روايات‭ ‬دقيقة‭ ‬للغاية‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬المعركة‭ ‬وخسائر‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتقدمة‭ ‬في‭ ‬تصريحاتهما‭ ‬المنتظمة‭ ‬التي‭ ‬طال‭ ‬انتظارها‭.‬

ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬يتحدث‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عن‭ ‬انتصارات‭ ‬وشيكة،‭ ‬وقتل‭ ‬‮«‬إرهابيين‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬أسماءهم،‭ ‬وتدمير‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬يحصى‭ ‬من‭ ‬الأنفاق،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنهم‭ ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬يقدمون‭ ‬أي‭ ‬دليل‭. ‬‮«‬الدليل‮»‬‭ ‬الوحيد‭ ‬المقدم‭ ‬هو‭ ‬الاستهداف‭ ‬المتعمد‭ ‬للمستشفيات‭ ‬والمدارس‭ ‬ومنازل‭ ‬المدنيين‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬تصريحات‭ ‬أبو‭ ‬عبيدة‭ ‬تتبعها‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬جيدة‭ ‬الإنتاج،‭ ‬توثق‭ ‬التدمير‭ ‬المنهجي‭ ‬للدبابات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التوثيق‭ ‬لا‭ ‬يدعم‭ ‬المزاعم‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭.‬

لكن‭ ‬مسألة‭ ‬المصداقية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬انعدام‭ ‬المصداقية،‭ ‬لا‭ ‬تجري‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬فقط‭. ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬للحرب،‭ ‬قام‭ ‬الأطباء‭ ‬الفلسطينيون،‭ ‬وعمال‭ ‬الدفاع‭ ‬المدني،‭ ‬والصحفيون،‭ ‬والمدونون،‭ ‬وحتى‭ ‬الأشخاص‭ ‬العاديون‭ ‬بتصوير‭ ‬أو‭ ‬تسجيل‭ ‬كل‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيلية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬موقع‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬المحاصر‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الإغلاق‭ ‬المستمر‭ ‬للإنترنت‭ ‬والكهرباء‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬فقد‭ ‬تمكن‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬من‭ ‬متابعة‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المستمرة‭.‬

لذلك‭ ‬فإن‭ ‬دقة‭ ‬الرواية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قد‭ ‬أجبرت‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬الذين‭ ‬شككوا‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬في‭ ‬الأرقام‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬أخيرًا‭ ‬بأن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬كانوا‭ ‬يقولون‭ ‬الحقيقة،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

قالت‭ ‬باربرا‭ ‬ليف،‭ ‬مساعدة‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬لشؤون‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى،‭ ‬أمام‭ ‬لجنة‭ ‬بمجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬يوم‭ ‬9‭ ‬نوفمبر،‭ ‬إن‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬‮«‬أعلى‭ ‬مما‭ ‬يتم‭ ‬الاستشهاد‭ ‬به‮»‬‭.‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تفقد‭ ‬مصداقيتها‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬الأكاذيب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الأولية‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬أثبتت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬أنها‭ ‬كارثية‭ ‬على‭ ‬صورة‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومصداقيتها‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬

في‭ ‬خضم‭ ‬نشوة‭ ‬شيطنة‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتبرير‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المقبلة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬‭ ‬تم‭ ‬تجنيد‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والجيش‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ثم‭ ‬الصحفيين‭ ‬وحتى‭ ‬الناس‭ ‬العاديين،‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تصوير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬‮«‬حيوانات‭ ‬بشرية‮»‬‭. ‬‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يوآف‭ ‬غالانت‭.‬

وفي‭ ‬غضون‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬الأحداث،‭ ‬وقبل‭ ‬إجراء‭ ‬أي‭ ‬تحقيق،‭ ‬تحدث‭ ‬نتنياهو‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أطفال‭ ‬مقطوعي‭ ‬الرأس‮»‬،‭ ‬يفترض‭ ‬أنهم‭ ‬تعرضوا‭ ‬للتشويه‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬المقاومة؛‭ ‬وزعم‭ ‬جالانت‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الفتيات‭ ‬الصغيرات‭ ‬تعرضن‭ ‬للاغتصاب‭ ‬العنيف‮»‬‭. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الحاخام‭ ‬العسكري‭ ‬السابق،‭ ‬إسرائيل‭ ‬فايس،‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬رأى‭ ‬امرأة‭ ‬حامل‭ ‬وبطنها‭ ‬ممزق‭ ‬وجنينها‭ ‬مقطوع‮»‬‭.‬

وحتى‭ ‬الرئيس‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬معتدل‮»‬‭ ‬إسحاق‭ ‬هرتزوج‭ ‬أدلى‭ ‬بتصريحات‭ ‬مثيرة‭ ‬للسخرية‭ ‬على‭ ‬قناة‭ ‬هيئة‭ ‬الإذاعة‭ ‬البريطانية‭ (‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭) ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬نوفمبر‭. ‬فعندما‭ ‬سُئل‭ ‬عن‭ ‬الغارات‭ ‬الجوية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬ادعى‭ ‬هرتزوج‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬كفاحي‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬كتبه‭ ‬أدولف‭ ‬هتلر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1925،‭ ‬وُجد‭ ‬في‭ ‬‮«‬غرف‭ ‬الأطفال‮»‬‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬غزة‭.‬

وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إشارات‭ ‬متكررة‭ ‬إلى‭ ‬أعلام‭ ‬داعش‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬مقاتلو‭ ‬حماس،‭ ‬لسبب‭ ‬ما،‭ ‬عندما‭ ‬دخلوا‭ ‬جنوب‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬حكايات‭ ‬خرافية‭ ‬أخرى‭ ‬يرددها‭ ‬الإسرائيليون‭.‬

إن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬داعش‭ ‬عدو‭ ‬لدود‭ ‬لحماس‭ ‬وأن‭ ‬الحركة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بذلت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعها‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬احتمال‭ ‬لداعش‭ ‬لتوسيع‭ ‬جذورها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬المحاصر،‭ ‬بدت‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬بالدعاية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المضطربة‭.‬

وكما‭ ‬هو‭ ‬متوقع،‭ ‬كررت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬الادعاء‭ ‬بوجود‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬وتنظيم‭ ‬داعش،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬نقاش‭ ‬عقلاني‭ ‬أو‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬المعطيات،‭ ‬وهو‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬المطلوب‭.‬

ولكن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الأكاذيب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬ضغط‭ ‬الحقيقة‭ ‬الآتية‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬والتي‭ ‬توثق‭ ‬كل‭ ‬فظاعة‭ ‬وكل‭ ‬معركة،‭ ‬وتحجب‭ ‬أي‭ ‬ادعاءات‭ ‬إسرائيلية‭ ‬يتم‭ ‬صياغتها‭.‬

ربما‭ ‬كانت‭ ‬نقطة‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الأكاذيب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬هوادة‭ ‬فيها‭ ‬هي‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬المستشفى‭ ‬الأهلي‭ ‬المعمداني‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬17‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكثيرين‭ ‬تبنوا،‭ ‬وما‭ ‬زالوا،‭ ‬للأسف،‭ ‬يدافعون‭ ‬عن‭ ‬الكذبة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬القائلة‭ ‬بأن‭ ‬صاروخ‭ ‬المقاومة‭ ‬سقط‭ ‬على‭ ‬المستشفى‭   ‬فإن‭ ‬قمة‭ ‬الوحشية‭ ‬والدموية‭ ‬خلفتها‭ ‬تلك‭ ‬المذبحة،‭ ‬التي‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬المئات،‭ ‬بمثابة‭ ‬دعوة‭ ‬للاستيقاظ‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الكثيرين‭.‬

أحد‭ ‬الأسئلة‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬أثيرت‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬مذبحة‭ ‬المستشفى‭ ‬المعمداني‭ ‬هو‭: ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬إسرائيل‭ ‬صادقة‭ ‬بالفعل‭ ‬بشأن‭ ‬روايتها‭ ‬للأحداث‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬المستشفى،‭ ‬فلماذا‭ ‬قصفت‭ ‬كل‭ ‬المستشفيات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬واستمرت‭ ‬في‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬لأسابيع‭.‬؟

هناك‭ ‬أسباب‭ ‬تجعل‭ ‬الدعاية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الرئيسية‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬الوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬ترتكب‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭.‬

أولاً‭ ‬‭ ‬لقد‭ ‬تمكن‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬ومؤيدوهم‭ ‬من‭ ‬التصدي‭ ‬لأكاذيب‭ ‬وادعاءات‭ ‬إسرائيل‭ ‬باستخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬طغت،‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬على‭ ‬الحملات‭ ‬الدعائية‭ ‬المنظمة‭ ‬التي‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬هندستها‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬الشركات‭.‬

تم‭ ‬إجراء‭ ‬تحليل‭ ‬للمحتوى‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الشهيرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬منصة‭ ‬التسويق‭ ‬المؤثرة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬Humanz‭. ‬وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬تلك‭ ‬الدراسة،‭ ‬التي‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر،‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬بينما‭ ‬تم‭ ‬نشر‭ ‬7‭.‬39‭ ‬مليارات‭ ‬منشور‭ ‬بعلامات‭ ‬مؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬على‭ ‬إنستغرام‭ ‬وتيك‭ ‬توك‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي،‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الفترة‭ ‬نشر‭ ‬109‭.‬61‭ ‬مليارات‭ ‬منشور‭ ‬بعلامات‭ ‬مؤيدة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬المنصات‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬يعني،‭ ‬بحسب‭ ‬الشركة،‭ ‬أن‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬المؤيدة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬أكثر‭ ‬شعبية‭ ‬بـ‭ ‬15‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬المؤيدة‭ ‬لإسرائيل‭.‬

ثانياً‭ ‬‭ ‬قدمت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المستقلة،‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وغيرها،‭ ‬بدائل‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬مختلفة‭ ‬للأحداث‭ ‬عما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬تمكن‭ ‬الصحفي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المستقل‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬معتز‭ ‬عزايزة،‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬مليون‭ ‬متابع‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬إنستغرام‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭ ‬بفضل‭ ‬تقاريره‭ ‬الميدانية‭.‬

ثالثاً‭ ‬‭ ‬حرم‭ ‬‮«‬الهجوم‭ ‬المفاجئ‮»‬‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬المبادرة،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحرب‭ ‬نفسها،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬بتبرير‭ ‬الحرب‭. ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬يشنونها‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬أهداف‭ ‬محددة،‭ ‬ولكنها‭ ‬أيضاً‭ ‬لا‭ ‬تتضمن‭ ‬حملة‭ ‬إعلامية‭ ‬محددة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬غير‭ ‬المحددة‭ ‬أو‭ ‬تبريرها‭. ‬لذلك،‭ ‬تبدو‭ ‬الرواية‭ ‬الإعلامية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬منفصلة‭ ‬وعشوائية،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬تلحق‭ ‬الضرر‭ ‬بالنفس‭.‬

رابعا‭ ‬‭ ‬الوحشية‭ ‬المطلقة‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وضعنا‭ ‬أكاذيب‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬الجرائم‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المروعة‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬فلن‭ ‬نجد‭ ‬أي‭ ‬منطق‭ ‬معقول‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يبرر‭ ‬بشكل‭ ‬مقنع‭ ‬القتل‭ ‬الجماعي‭ ‬والتهجير‭ ‬والتجويع‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للسكان‭ ‬العزل‭.‬

لم‭ ‬يسبق‭ ‬للدعاية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أن‭ ‬فشلت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬المذهل‭ ‬ولم‭ ‬تفشل‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الرئيسية‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬الغضب‭ ‬العالمي‭ ‬‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬الكراهية‭ ‬المشتعلة‭ ‬‭ ‬لنظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬القبيح‭.‬

ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬تداعيات‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬سوف‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬سيتذكر‭ ‬بها‭ ‬التاريخ‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬والتي‭ ‬أسفرت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬وجرح‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الأبرياء‭.‬

لقد‭ ‬قام‭ ‬جيل‭ ‬كامل،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أكثر،‭ ‬ببناء‭ ‬تصور‭ ‬لإسرائيل‭ ‬كنظام‭ ‬عنصري‭ ‬يكرس‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬ولن‭ ‬يقلل‭ ‬أي‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬المستقبلية،‭ ‬أو‭ ‬أفلام‭ ‬هوليوود‭ ‬أو‭ ‬مجلة‭ ‬مكسيم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭.‬

والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التصور‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يجبر‭ ‬الناس،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬نظرهم‭ ‬بشأن‭ ‬حاضر‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومستقبلها،‭ ‬بل‭ ‬وأيضاً‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬عليه‭ ‬النظام‭ ‬الصهيوني،‭ ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬سوى‭ ‬الأكاذيب‭.‬

 

{‭ ‬أكاديمي،‭ ‬كاتب‭ ‬صحفي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا