شهدت السنوات القليلة الماضية تنامي الاهتمام بالتمويل والقروض الخضراء، على الرغم من ان هذه المفاهيم ليست جديدة وانما تعود نشأتها إلى سنة 1992 حينما تم إطلاق مبادرة تمويل برنامج الامم المتحدة للبيئة، وتعاظمت أهميتها منذ توقيع دول العالم على اتفاقية باريس للمناخ عام 2016، وتبلور أجندة التنمية المستدامة لعام 2030، حيث مثلتا منعطفا رئيسيا في دفع العمل العالمي من أجل تعزيز التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر Green Economy، ومعالجة ظاهرة التغيّر المناخي. وقد أسهم تنفيذهما في نمو الوعي البيئي ودمج الاستدامة في القطاع المالي والمصرفي. وقد وجدت هذه المفاهيم طريقا جديدا للتنفيذ يسهم في تحقيق اهدافها ويوفر مستلزماتها حينما برزت التكنولوجيا المالية كعامل جديد مؤثر في القطاع المالي والمصرفي، وترسخ الادراك بان لها القدرة على إطلاق تقنيات التمويل الأخضر، من خلال تقنياتها المؤثرة مثل البلوكتشين، وانترنت الاشياء، والبيانات الضخمة التي نشأت في ذات الفترة الزمنية التي تبلور فيها اتفاق باريس واهداف التنمية المستدامة، وبالتالي الاسهام في ترسيخ اهداف الاقتصاد الأخضر وخفض تكاليف الاستثمار والتشغيل وتحقيق التنمية المستدامة. فعرفت التكنولوجيا المالية الخضراء بانها ذلك الجزء من انماط تمويل التكنولوجيا المالية الذي يستهدف تحقيق النمو الاقتصادي مع الحد من التلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وخفض النفايات إلى الحد الأدنى، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية. كما عرفت ايضا بانها استخدام منتجات وخدمات التكنولوجيا المالية من أجل تمويل المشروعات الخضراء أو الصديقة للبيئة، وتمويل السياسات العامة الخضراء التي تحفز على تنفيذ المشاريع والمبادرات البيئية، وتحفز على الابتكار والتوسع في اعتماد الحلول والممارسات الخضراء في مختلف القطاعات الصناعية، والخدمية، والمشاريع التي تحافظ على البيئة وتسهم بتوفير الاحتياجات الأساسية للأجيال الحالية بأسلوب رشيد وعادل وبما لا يتجاوز حقوق وموارد الأجيال القادمة، ومختلف المشاريع التي تستخدم تقنيات منخفضة الكربون، ومشاريع تدوير النفايات، فضلا عن تمويل معدات توفير الطاقة البديلة، بالإضافة إلى المشروعات ذات البعد الاجتماعي التي تقود إلى تحسين المستوى العام للمعيشة، والحفاظ على الصحة، وتحقيق العدالة الاجتماعية مع الحد من المخاطر البيئية، وتأمين سلامة الإنسان والبيئة، وتعزيز النزاهة البيئية.
وتدعم التكنولوجيا المالية أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لاسيما الهدفين السابع والثالث عشر من اهداف التنمية المستدامة، حيث تنص على استخدام التكنولوجيا الرقمية لتعزيز الطاقة النظيفة بأسعار معقولة وتعزيز العمل المناخي.
وقد حدد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أكثر من عشرين تطبيقًا متميزًا للتكنولوجيا المالية من أجل تحقيق التنمية المستدامة وفي مستويات مختلفة من التنفيذ، بما في ذلك أربعة تطبيقات في مجال الطاقة الموصوفة بـ(مرافق موارد الدفع أولاً بأول، وإمدادات الطاقة المرنة، والطلب، والطاقة المتجددة من نظير إلى نظير، والتوليد الموزع على المجتمع). فيما قام البنك الدولي عام 2017 بفهرسة مجموعة واسعة من تطبيقات البلوكتشين في القطاع المالي، بما في ذلك الأموال والمدفوعات، والبنية التحتية للخدمات المالية، وتطبيقات اخرى في القطاع الزراعي وقطاع الرعاية الصحية والتطبيقات الإنسانية مثل تطبيقات تتبع وتسليم المساعدات، وغيرها، فضلا عن تطبيقات الهوية الرقمية للمزارعين، وبرامج الشحن والخدمات اللوجستية للحد من أوجه القصور في شحن الحاويات، وتطبيقات رسم الخرائط لخلق الشفافية في سلاسل التوريد للمستهلك. وفي مرحلة التعافي من جائحة كورونا (كوفيد-19) أصبحت الانظار تتجه بقوة نحو التكنولوجيا المالية الخضراء، وتقنية البلوكتشين، والحوسبة السحابية، والبيانات الضخمة، وانترنت الاشياء، والتعلم الالي، لتوفر قاعدة واسعة من التدفقات المالية المعززة للتنمية المستدامة، والتمويل المخصص لمعالجة مشاكل المناخ العالمي، والطاقة البديلة، بما في ذلك التمويل الجماعي، وآليات التمويل الديناميكية من أسواق التمويل الخاصة، والسندات الخضراء التي تعد من الأدوات المالية الديناميكية في مجال التمويل المستدام وغيرها من الأدوات المالية. خاصة وان التكنولوجيا المالية قادرة على مساعدة الشركات على تقييم تأثيرها البيئي والحد منه، ويمكنها تشجيع المستثمرين على توجيه عملياتهم نحو أصول أكثر استدامة باستخدام تحليلات البيانات المتقدمة، وسلسلة الكتل، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وشهدت مملكة البحرين اهتماما ملموسا ومبكرا بالتكنولوجيا المالية الخضراء فقد نظمت شركة اندرا للعلاقات العامة وهي شركة متخصصة بالتكنولوجيا المالية نسختها العاشرة من حلقات جلساتها الحوارية في التكنولوجيا المالية لموضوعة التكنولوجيا المالية الخضراء واستدامة التمويل بالتعاون مع بيت التمويل الكويتي في 14 أكتوبر2021، حيث دعا المشاركون إلى أهمية ان تعير شركات التكنولوجيا المالية في البحرين كبير اهتمامها بالقضايا البيئية وتمويل التنمية المستدامة، وان تنشأ شركات تكنولوجيا مالية خضراء متخصصة في هذا الميدان، وقد آن الأوان للتوسع في ذلك حيث تنتشر عشرات شركات التكنولوجيا المالية في البحرين ولابد وان يكون لها اثر ملموس وقابل للقياس في هذا الميدان الحيوي.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك