في أعقاب إقالة «ريشي سوناك»، رئيس الوزراء البريطاني لـ«سويلا برافرمان»، وزيرة الداخلية، بعد تأجيجها للتوترات المجتمعية، فيما يتعلق برد فعل المملكة المتحدة على العدوان الإسرائيلي على غزة؛ عاد «ديفيد كاميرون»، رئيس الوزراء الأسبق بين عامي 2010 و2016، إلى مجلس الوزراء، ليتقلد منصب وزير الخارجية، الذي أخلاه «جيمس كليفرلي»، ليحل محل برافرمان في وزارة الداخلية.
وهي الخطوة التي وصفها «مارك لاندلر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، بأنها «واحدة من أبرز صفقات العودة في التاريخ السياسي البريطاني». وبعد سبع سنوات بعيدًا عن السياسة الخارجية، أضحى «كاميرون»، أول رئيس سابق يعود إلى منصب وزاري منذ عودة «أليك دوغلاس»، وزيرا للخارجية عام 1970، وهو ما يمثل اتباعا للسابقة التي بدأها اللورد «بيتر كارينجتون»، وزير الخارجية في حكومة «مارجريت تاتشر»، من خلال توليه أحد المناصب الأربعة الكبرى إبان عضويته في مجلس العموم.
ووفقا للعديد من المعلقين، فإن عودته «ستجلب إلى الحكومة المضطربة الاستقرار السياسي والنفوذ الدولي في وقت حرج». وكرئيس أسبق للوزراء، حظي باحترام كبير من قبل زعماء العالم، ونجح في الحفاظ على علاقات قوية مع حلفاء بريطانيا وشركائها الأمنيين. ومع ذلك، فقد سُجل أيضًا كيف صاحب وجوده بعض المشكلات على المستوى المحلي، فيما يتعلق بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، والسياسات الاقتصادية للتقشف المالي التي خفضت الإنفاق الحكومي والخدمات.
وفي السابق عمل «كاميرون»، «باحثا برلمانيا»، لدى رؤساء الوزراء –آنذاك – «مارغريت تاتشر»، و«جون ميجور»، وارتقى في صفوف حزب المحافظين ليصبح زعيما للحزب عام 2005، حيث يعد الأصغر سنا منذ مائتي عام تقريبا، وكان هذا أيضًا بعد أربع سنوات فقط من جلوسه لأول مرة كعضو في البرلمان. وبعد خمس سنوات كزعيم للمعارضة في مجلس العموم ضد «توني بلير»، ثم «جوردون براون»، أصبح رئيسًا للوزراء من خلال تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب «الديمقراطيين الأحرار»، بقيادة نيك كليج عام 2010.
وخلال عمله في رئاسة الوزراء، أشرف على استجابة بلاده لأحداث ما سُمي بالربيع العربي، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، والمعركة العالمية لمكافحة الإرهاب ضد تنظيم داعش، كما سعى إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية مع الهند والصين. وعلى الرغم من تحقيق نصر انتخابي كبير عام 2015، إلا أن قراره بإجراء استفتاء على عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي، كان مثيرًا للانقسام، وبعد أن جاءت نتيجة التصويت لصالح مغادرة الاتحاد في يونيو 2016، استقال على الفور من منصبه.
وبعد عدة سنوات قضاها بعيدا عن «المعترك السياسي»، كما وصفتها صحيفة «فاينانشال تايمز»، عاد رئيس الوزراء الأسبق، وعلى الرغم من تخليه عن مقعده في مجلس العموم عام 2016، إلا أن منح الملك «تشارلز الثالث»، له رتبة «بارون مدى الحياة»، يخول له الجلوس كعضو بمجلس اللوردات، ومن ثم العمل في حكومة سوناك أيضًا.
وعلى الرغم من أنه كان رئيسًا للوزراء، إلا أنه لم يشغل سابقًا أي دور ثانوي آخر في المجلس. وفي الوقت الحالي، يخول له المنصب الجديد أن يكون أكبر دبلوماسي وممثلا دوليا للبلاد. وأوضحت «برونوين مادوكس»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، أن هذا الدور «يتطلب بناء علاقات وثيقة مع نظرائه في جميع أنحاء العالم، والمفوضين الساميين والسفراء داخل البلاد»، فضلاً عن إدارة جميع أمور وزارة الخارجية داخل الحكومة.
وبالنسبة إلى بعض المحللين، كان سلف كاميرون، «جيمس كليفرلي»، وزيرًا قليل الخبرة في وزارة الخارجية، ولكن مع اختياره ليحل محل «برافرمان» في وزارة الداخلية، أشار «لاندلر»، إلى أن «سوناك»، كان في حاجة إلى «شخصية ذي خبرة»، و«مألوف» لإدارة العلاقات الدولية، خاصة مع إشارة «جوناثان بأول»، كبير مستشاري «توني بلير»، السابق، إلى أن رئيس الوزراء الحالي «ليس مهتمًا بالسياسة الخارجية»؛ نظرًا لخلفيته في الشؤون الاقتصادية أولًا.
وعليه، سلط «لاندلر»، الضوء على الكيفية التي يواصل بها كاميرون «الاهتمام بالسياسة الخارجية». وخلال رئاسته للوزراء، اتخذ العديد من الإجراءات لتعزيز مؤسسات الأمن القومي، من خلال إنشاء مجلس الأمن القومي، على غرار مجلس الأمن القومي الأمريكي. وأضاف «باتريك وينتور»، في صحيفة «الجارديان»، أنه «رجل قوي في الناتو»، وأنه كان «المهندس»، لموافقة دولها الأعضاء على إنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي الوطني على الدفاع في عام 2014.
وتأتي عودته، في وقت يتم التشكيك فيه في كفاءة السياسة الخارجية البريطانية. وكتب «وينتور»، عن وجود تصور في جميع أنحاء العالم بأنها «تُعاني من انحراف استراتيجي»، و«في أسوأ الأحوال على وشك الانهيار السياسي»، وقد تم تأكيد أن وجوده في هذه الموقع من الممكن أن يعيد بعض الثقة لدى حلفاء المملكة المتحدة وشركائها في أدوارها العالمية. وأوضح «جيمس لانديل»، من شبكة «بي بي سي»، أنه سيجلب معه «ثقلا سياسيا إلى وزارة الخارجية»؛ لأنه «معروف جيدا على الساحة الدولية». وسلط «لاندلر»، الضوء على كيف أن فترة ولايته التي دامت ست سنوات «ستجعل منه وزير خارجية يتمتع بعلاقات جيدة للغاية». في حين أشارت «مادوكس»، إلى أنه «مُريح على المسرح العالمي»، و«متجانس في العلاقات التي شكلها».
ودعما لهذا التقييم، فإنه على الرغم من أن الشخصيات القيادية، مثل «أنجيلا ميركل، ونيكولا ساركوزي، وباراك أوباما»، قد غادروا المسرح الدبلوماسي الدولي؛ إلا أن «وينتور»، لاحظ كيف أن قادة، مثل «شي جين بينغ» في الصين، و«ناريندرا مودي» في الهند، و«دونالد تاسك» في بولندا، والرئيس المصري، «عبد الفتاح السيسي»، والعاهل الأردني الملك «عبد الله»، لا يزالون في مناصبهم، بالإضافة إلى الشخصيات المحورية في الصراعات المستمرة حاليًا؛ مثل «نتنياهو» في إسرائيل، و«بوتين» في روسيا.
وبالنسبة إلى حلفاء بريطانيا في جميع أنحاء العالم، رأت «مادوكس»، أن هناك العديد من الدول ترحب بعودته إلى الحكومة، وتعتبره «وزير خارجية ذا ثقل ومعتدلا». وأشارت صحيفة «فاينانشال تايمز»، إلى أنه باعتباره «زعيمًا عالميًا قويًا»، «سوف يتمتع بمصداقية على المسرح العالمي سريعًا»، وعلى عكس بعض أسلافه، «سوف يكون التعامل وتعزيز العلاقات معه على محمل الجد حتى من قبل منافسي المملكة الدوليين».
وبالإضافة إلى قدرته على إدارة ملف السياسة الخارجية، تم تأكيد أن وجوده، كأحد المعتدلين في حزب المحافظين، يمكن أن يساعد في تهدئة التوترات داخل الحكومة. وأشارت «مادوكس»، إلى أن «نبرته التوافقية» من المرجح أن «تطمئن المحافظين المعتدلين التقليديين، الذين يشعرون بقلق إزاء تصعيد لهجات اليمين المتشدد»، التي تستخدمها شخصيات حزبية مثل «برافرمان».
ومن الواضح أيضًا أن «الخارجية البريطانية»، تحتاج إلى بعض الاستقرار السياسي في الوقت الذي يعد فيه «كاميرون»، الوزير السابع في الترتيب خلال عدة سنوات. وبينما أصبح أسلافه «بوريس جونسون»، و«ليز تراس»، رئيسين للوزراء، فقد أشارت «مادوكس»، إلى أن «كليفرلي»، نفسه كان «يخطو للتو خطواته»، مثل سابقيه، ولكنه انتقل لتولي حقيبة الداخلية. ومع تعيين «كاميرون»، بديلا له، أوضح «وينتور»، أن «سوناك»، يأمل أن يتمكن من جلب «الاستقرار والقوة على غرار ما فعله اللورد كارينجتون»، في عهد «مارغريت تاتشر».
ومع ذلك، فإن عودته إلى الحكومة لا تخلو من بعض المعضلات، ليس فقط فيما يتعلق بمدى قوة سجله السياسي الداخلي، ولكن أيضًا بسبب بعض قراراته في السياسة الخارجية عندما كان في السلطة. وأشار «لاندلر»، إلى أنه «يظل شخصية مثيرة للانقسام»، ليس فقط بسبب الطريقة التي تعامل بها مع الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، بل أيضا بسبب سياساته الاقتصادية القائمة على التقشف وخفض الإنفاق العام والخدمات.
وفي مجال السياسة الخارجية، استشهدت «مادوكس»، بالإرث السيئ الذي خلفه الاستفتاء على علاقات لندن مع حلفائها الأوروبيين، وكيف أن التصويت – الذي لم يفكر قط في تداعياته – «قلب العلاقات الدولية للبلاد بشكل شامل». وفي الشرق الأوسط، اعتبرت أن سجله به «أخطاء»، وذلك جراء انتقاد قراره بالتدخل عسكريًّا في ليبيا عام 2011، لاحقًا من قبل «لجنة الشؤون الخارجية»؛ لاعتماده على معلومات استخباراتية خاطئة، وكذلك خطته لتنفيذ ضربات جوية ضد نظام بشار الأسد في سوريا عام 2013، والتي يُنظر إليها الآن على أنها «خطأ فادح»، كان من شأنه أن يجر البلاد إلى حرب أخرى في المنطقة. فيما تم أيضًا التشكيك في سياساته تجاه الصين، والتي حاولت كسب ود «بكين»، والتي يُنظر إليها الآن على أنها كانت «ساذجة وقصيرة النظر».
ومع أخذ هذه العوامل في الاعتبار، أوضح «وينتور»، أن كاميرون، «سيكون راضيًا عن حالة التوازن الحالية لسياسة بلاده بشأن أوكرانيا». ومع كونه «حازمًا ضد روسيا»، ومعارضًا لها، فقد رفض «التدخل المباشر في تلك الحرب». وفي مجال المساعدات الخارجية، يعد «مؤيدًا قويًا» لتوسيعها. وتمت زيادة ميزانيتها خلال فترة ولايته إلى 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من انخفاض هذا الرقم منذ ذلك الحين إلى 0.5%. وأشار «وينتور»، إلى أنه مع وجود «أندرو ميتشل»، وزيرا للتنمية الدولية، فإن هذا سيعزز زيادة هذا التمويل خلال السنوات المقبلة.
ومع تفاقم العدوان الإسرائيلي على غزة، تتركز الأنظار أيضًا على الطريقة التي سيقود بها هذا الملف، وما إذا كان سيُحمل إسرائيل المسؤولية عن هذه الحرب، واستخدامها للقوة ضد المدنيين الفلسطينيين، وما إذا كانت سينضم إلى النداءات الدولية المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار. وفي تقييم لسجله السابق مع إسرائيل، أشار «لانديل»، إلى أنه «كان صديقًا لها منذ فترة طويلة»، لكنه «كان صريحًا ومنتقدًا لها أيضًا». وفي عام 2010، اعترف بأن قطاع غزة يشبه «معسكر اعتقال»، وتحدث عن كيف «يجب أن يتغير الوضع هناك».
وعليه، خلص «وينتور»، إلى أنه يمكن أن يكون «صديقًا أكثر انتقادًا من سلفه»، «كليفرلي»، الذي «اهتم بضرورة حل الدولتين»، بدلاً من تحميل حكومة نتنياهو المسؤولية لضم الأراضي الفلسطينية، وقصف قطاع غزة. وبالفعل، بحث ردود الفعل الغربية حيال العدوان الإسرائيلي مع وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكن»، وذلك في ظل اعتراف «سوناك»، مؤخرا بشراسة الهجمات الإسرائيلية، وحديثه عن «فقدان الكثير من المدنيين حياتهم»، وسط القصف والغزو البري لقطاع غزة.
ومع ذلك، فإن التوقعات بأنه سيكون «محركا رئيسيا»، للسياسة الخارجية، تجلب معها أيضا احتمال حدوث توترات داخل الحكومة نفسها. ومع عودته إلى الساحة السياسية على يد أحد خلفائه، لاحظ المراقبون احتمالات وقوع صدامات بين الشخصيات والقادة السياسيين. وقال «وينتور»، إن هناك «خطراً» من أن كاميرون، «الذي يتمتع بخبرة ست سنوات كرئيس للوزراء، وعقد عددا لا يحصى من مؤتمرات القمة العالمية، مقارنة بسنة واحدة لـ«سوناك»، يمكن أن «يميل ليس فقط إلى السيطرة على السياسة الخارجية»، بل أيضا «قد يوسع نطاق عمله لتقديم نصائح ثمينة لرئيسه».
على العموم، يتفق الخبراء على أن تعيين «كاميرون»، وزيرا للخارجية من شأنه أن يفيد في إدارة ملف السياسة الخارجية. واعترافًا بأن «لديه علاقات مع القادة الرئيسيين يمكن الاستفادة منها لتحقيق مكاسب سياسية»؛ أكد «لانديل»، أن حلفاء بريطانيا ينظرون إليه باعتباره «سياسيًا ناضجًا»، و«شخصًا يمكنهم التعامل معه»، على النقيض من الوزراء الذين لا يمكن التنبؤ بتصرفاتهم، والذين قوضوا الصورة السياسية للندن أمام العالم. وعليه، خلص «تيموثي بيل»، من جامعة «كوين ماري»، إلى أن هناك «فرصة» – وإن كانت «ضعيفة – لأن يمنح تعيينه «المملكة المتحدة»، مزيدا من النفوذ على الساحة الدولية» في وقت تزداد فيه الصراعات الدولية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك