العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

متى تـنـتهي الحرب؟

بقلم: أكرم عطا الله

الأربعاء ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٣ - 02:00

من‭ ‬لم‭ ‬يجرب‭ ‬الحرب‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬وصفها،‭ ‬ومن‭ ‬لم‭ ‬يجرب‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬شيئاً‭ ‬عنها،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬جرب‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭ ‬وكتبت‭ ‬له‭ ‬الحياة‭ ‬بقية‭ ‬سيتحدث‭ ‬عن‭ ‬زيارة‭ ‬الموت‭ ‬وتفاصيله،‭ ‬والهذيان‭ ‬سيكون‭ ‬التعبير‭ ‬الحقيقي‭ ‬عما‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث،‭ ‬فالصدمة‭ ‬والرعب‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ترويهما‭ ‬خيالات‭ ‬الكتاب‭.‬

‮«‬لقد‭ ‬هرمنا‮»‬،‭ ‬هكذا‭ ‬أرسل‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬الذي‭ ‬أعرف‭ ‬فائض‭ ‬حيويته‭ ‬وحبه‭ ‬للحياة،‭ ‬وكثيرون‭ ‬يتساءلون‭ ‬عن‭ ‬نهاية‭ ‬هذا‭ ‬الجنون‭ ‬الذي‭ ‬انفتح‭ ‬في‭ ‬وجوههم‭. ‬فكل‭ ‬الحروب‭ ‬كانت‭ ‬مجرد‭ ‬عينات‭ ‬صغيرة‭ ‬أمام‭ ‬هول‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬حريق‭ ‬لم‭ ‬تشهده‭ ‬منطقة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬التاريخ‭ ‬المدجج‭ ‬بالحروب‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬وقفت‭ ‬غزة‭ ‬تنزف‭ ‬بصخب‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأناس‭ ‬يعدون‭ ‬حياتهم‭ ‬بالدقائق،‭ ‬فكل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬تحمل‭ ‬قدراً‭ ‬يجرف‭ ‬أعزاء‭ ‬وأحبة‭ ‬في‭ ‬ميان‭ ‬الشهادة،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يعرفونه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬نصف‭ ‬أو‭ ‬ربع‭ ‬حياة‭ ‬كانت‭ ‬مليئة‭ ‬بالحزن‭ ‬والهَمّ‭ ‬فرضها‭ ‬الحصار‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬فارتضوها‭... ‬ولكنهم‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬لم‭ ‬ترتضِ‭ ‬بهم‭.‬

الحقيقة‭ ‬صعبة‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نهاية‭ ‬قريبة‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭.‬

فإسرائيل‭ ‬فقدت‭ ‬توازنها‭ ‬إثر‭ ‬ضربة‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬وتضرب‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تملكه‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬غير‭ ‬آبهة‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬ولا‭ ‬بالمدنيين‭ ‬ولا‭ ‬بالتظاهرات‭ ‬التي‭ ‬تجوب‭ ‬كبرى‭ ‬العواصم،‭ ‬ولا‭ ‬بالمحاكم‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحاكم‭ ‬قادتها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬البائنة‭ ‬بينونة‭ ‬كبرى‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقات،‭ ‬فالتجويع‭ ‬المتعمد‭ ‬ونزوح‭ ‬السكان‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬فقد‭ ‬قيمته‭ ‬لكثرة‭ ‬ما‭ ‬أصيب‭ ‬بالغم‭.  ‬

في‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعد‭ ‬الضربة‭ ‬تولّد‭ ‬إجماع‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬حكم‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مجريات‭ ‬الأحداث‭ ‬وإمكانية‭ ‬ذلك،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬حرباً‭ ‬طويلة‭ ‬تلاحق‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬غزة‭ ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬مدعوم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬صاحبة‭ ‬القرار‭ ‬ومعها‭ ‬أوروبا،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬المصادفة‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تشبيه‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬بداعش‭ ‬أو‭ ‬بالنازية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬للحرب‭.‬

قامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بقصف‭ ‬جوي‭ ‬مروّع‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬عمليتها‭ ‬البرية،‭ ‬لكن‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬لا‭ ‬تتحقق‭ ‬بالقصف‭ ‬الجوي‭. ‬والجرح‭ ‬العميق‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬بتلك‭ ‬الهزة‭ ‬العنيفة‭ ‬للمشروع‭ ‬لا‭ ‬تعالجه‭ ‬الطائرات‭ ‬مهما‭ ‬ألقت‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬مما‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬صواريخ‭ ‬ومن‭ ‬ذخيرة،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬النزول‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

ولأن‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬كبيرة‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أن‭ ‬يتهيأوا‭ ‬لحرب‭ ‬طويلة‭ ‬فإسقاط‭ ‬حماس‭ ‬وإنهاؤها‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬إسرائيل‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬محتجزيها‭ ‬يعني‭ ‬التنقيب‭ ‬تحت‭ ‬كل‭ ‬حجر،‭ ‬وتلك‭ ‬مهمات‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬أسابيع‭ ‬لإنهائها‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‭. ‬

ذهبت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬هجومها‭ ‬أبعد‭ ‬مما‭ ‬يجب‭ ‬لتحرج‭ ‬أصدقاءها‭ ‬الذين‭ ‬يقفون‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬منظومة‭ ‬ثقافية‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬ترتكبه‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬والأطفال،‭ ‬وزادت‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬حداً‭ ‬لم‭ ‬يحتمله‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يتساءلون‭ ‬عن‭ ‬نهاية‭ ‬هذا‭ ‬الكابوس‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬سابقيه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدركوا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لديها‭ ‬غطاء‭ ‬دولي‭ ‬لملاحقة‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬وللاستمرار‭.‬

قد‭ ‬يصاب‭ ‬العالم‭ ‬بحرج‭ ‬نتاج‭ ‬القتل‭ ‬العنيف‭ ‬والكثيف‭ ‬ونسب‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬وحجب‭ ‬المساعدات‭ ‬التي‭ ‬يريد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬دفع‭ ‬السكان‭ ‬إلى‭ ‬الرحيل‭ ‬والهجرة‭ ‬ودفعهم‭ ‬نحو‭ ‬سيناء‭ ‬ذاتياً،‭ ‬ولكن‭ ‬الناس‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تندفع‭ ‬فإن‭ ‬دمها‭ ‬يضع‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرج‭ ‬شديد،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬علينا‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬العشوائي‭ ‬الذي‭ ‬يطول‭ ‬المدنيين‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬العالم‭ ‬أي‭ ‬مبرر‭ ‬له‭ ‬وحجب‭ ‬المساعدات‭ ‬وتجويع‭ ‬شعب‭ ‬وبين‭ ‬الحرب‭ ‬البرية‭.‬

الحرب‭ ‬البرية‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إزاحة‭ ‬حماس‭ ‬تحظى‭ ‬بتأييد‭ ‬غربي‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬وينتهي‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬وما‭ ‬بينهما‭ ‬من‭ ‬عواصم‭ ‬أوروبية‭ ‬تختلف‭ ‬حول‭ ‬الشكل‭ ‬المكمل‭ ‬للحرب‭ ‬بالعقاب‭ ‬والإعدام‭ ‬الجماعي‭ ‬من‭ ‬الجو‭. ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬ضغط‭ ‬العالم‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يتزايد‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لتجنب‭ ‬المدنيين‭ ‬وإدخال‭ ‬المساعدات‭ ‬فلا‭ ‬تستطيع‭ ‬الصمود‭ ‬كثيراً‭ ‬أمامه‭ ‬وستقدم‭ ‬تنازلات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجوانب‭ ‬وقد‭ ‬بدأ‭ ‬إدخال‭ ‬الوقود‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬لكن‭ ‬الدبابات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬صوتاً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يطالب‭ ‬بوقف‭ ‬عمليتها،‭ ‬لأنها‭ ‬بنظرهم‭ ‬تقوم‭ ‬نيابة‭ ‬عنهم‭ ‬بتنفيذ‭ ‬مهمة‭ ‬هي‭ ‬مطلب‭ ‬لهم،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬البرية‭ ‬لن‭ ‬تهدأ‭ ‬قريباً‭ ‬فإسرائيل‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬أشهر‭ ‬طويلة‭ ‬لتلك‭ ‬العملية‭.‬

أثناء‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬كانت‭ ‬آخر‭ ‬صور‭ ‬المذبحة‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬مدرسة‭ ‬الفاخورة‭ ‬في‭ ‬مخيم‭ ‬جباليا،‭ ‬الجثث‭ ‬موزعة‭ ‬بين‭ ‬صفوف‭ ‬الدراسة‭ ‬وفي‭ ‬الردهات‭ ‬والدم‭ ‬يسيل‭ ‬بلا‭ ‬حساب‭ ‬والأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يمزقون‭ ‬القلب‭ ‬يموتون‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬أمهاتهم‭.‬

كيف‭ ‬للعقل‭ ‬البشري‭ ‬أن‭ ‬يستوعب‭ ‬ما‭ ‬يجري،‭ ‬قال‭ ‬صديق‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬إنه‭ ‬يتمنى‭ ‬الموت‭ ‬لهول‭ ‬ما‭ ‬رأى‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬كوابيس‭ ‬ترافقه‭ ‬ولن‭ ‬يستطيع‭ ‬العيش‭ ‬معها‭.‬

قال‭ ‬لي‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تبكي‭. ‬وكيف‭ ‬رأى‭ ‬الأرض‭ ‬مفروشة‭ ‬بالجثث‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬الطويل‭ ‬والكثير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬كوابيس‭ ‬لن‭ ‬تشفى‭ ‬منها‭ ‬روح‭ ‬غزة‭ ‬إن‭ ‬بقي‭ ‬لها‭ ‬حياة،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬بات‭ ‬حلماً‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا