استقرار نظام الحكم السياسي أحد القضايا التي أخذت حيزا كبيرا من الدراسات وتحليلات المفكرين السياسيين ويُطلق عليه الفكر السياسي في إدارة الدولة، وهذا المفهوم من أكثر المفاهيم السياسية تعقيداً وغموضاً، وهو مفهوم معياري فما يُسهم في استقرار دولة ما قد يكون سبباً في الوقت ذاته في عدم استقرار دولة أخرى، واستقرار نظام الحكم يعد مطلبا جماعياً تسعى إليه كل شعوب العالم، لأنه يوفر الأمن والاستقرار والبيئة الخصبة للتنمية والازدهار، وهذه ترجمة فعلية لحديث رسولنا الكريم: «من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
يقول أحد المحللين: إن الثروات الطبيعية لا تضمن الثراء لأي بلد ما لم يكن فيها نظام حكم مستقر، ففـنزويلا ونيجيريا وإيران وعدد من الدول العربية باستثناء دول الخليج العربية تملك حقولاً نفطية هائلة ومع ذلك تعاني شعوبها من الفقر والبطالة وتدني مستوى المعيشة، وكثير من الدول العربية الأخرى تنعم بثروات طبيعية كثيرة ومتعددة غير النفط اذا ما اُحسن استغلالها واستثمارها لأغنت هذه الدول وجعلتها في مصاف الدول المتقدمة، وفي المقابل هناك دول لا تملك أي ثروات طبيعية مثل سويسرا واليابان ولوكسمبورغ وماليزيا ودول أخرى حول العالم ومع ذلك تمتلك اقتصادات قوية وتشهد نمواً مطرداً في كل مجالات الحياة وتنعم شعوبها بمستوى متقدم من الرفاهية والعيش الكريم.
يقول الشاعر السعودي عبد الرحمن الشمري «نعمة الخليج ليست بالنفط، وإنما الحكام الذين تقاسموا التمر والخبز مع شعوبهم أيام الفقر والجوع وعندما خرج النفط قسموا الخير على الناس البعيد منهم والقريب»، والمتأمل للأزمات التي مرت بها منطقة الشرق الأوسط فيما سُمي بالربيع العربي لوجدنا أن منطقة الخليج العربي هي الوحيدة التي تنعم بأمن واستقرار سياسي وهذا انعكاس لسياسة الحكم الرشيد في هذه الدول والذي أثبت أنه الأكفأ والأنسب والأصلح، كما ذكر الشمري لأن الحاكم تقاسم الخير مع شعبه.
ما نود تأكيده أمران مهمان الأول: يتمحور حول ملاءمة نظام الحكم الملكي في دول الخليج العربية لطبيعة الشعوب وطبيعة المنطقة الجغرافية وهذا بدوره خلق استقرارا سياسيا صاحبه تنمية شاملة أفضت إلى حياة معيشية كريمة لشعوب المنطقة، ثانياً: استقرار نظام الحكم ميزة تدفع شعوب المنطقة إلى التمسك والدفاع عن هذه الأنظمة ضد أي محاولات خارجية لتحريض الشعوب ولعل ما مرت به منطقة الشرق الأوسط من أزمات وصراعات زاد من تمسك شعوب دول الخليج العربية بأنظمتها الحاكمة، ولعلي أستذكر ما قاله مواطن أردني عام 2016م: «لو رأيت أخي يحمل السلاح ضد الحاكم لكنت أول من يقف في وجهه» وهذا فيه وعي كبير.
قد يتساءل البعض ما الهدف من التطرق لهذا الأمر في هذا الوقت تحديداً؟! فالمتتبع للأحداث والتوترات التي يشهدها الشرق الأوسط في هذه الفترة تحديدًا والتصعيد الغربي بشن حرب إقليمية على أثر العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة وقتل الآلاف من الأبرياء من أطفال ونساء وكهول، نجد الذباب الإلكتروني ينشر أخبارا مفبركة وأكاذيب تؤجج الشعوب العربية وتخلق نوعا من السخط وربما يندفع خلفها البعض بغير وعي إلى التحريض، ومثل هذه الأحداث وجراح الأمة يتم استغلالها من قبل قوى خارجية هدفها الرئيسي زرع الفتنة وشق الصف الوطني، وجميعنا يعلم يقيناً بما يُحاك لنا ولمنطقتنا من أجندات خبيثة هدفها تدمير المنطقة وتقسيمها، والغرب يستغل كل ثغرة تمهد له الطريق للقضاء على أي كيان عربي مستقر، وكما افتعلوا الربيع العربي فهم قادرون على اختلاق أزمات تحت مسميات شعبوية أو عقدية أو قومية بينما الهدف مختلف تماماً فهم يجعلون من قضايا الأمة وأزماتها جسر عبور للوصول إلى تحقيق أهدافهم الماسونية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك